كاتبة سعودية: هذا ما فعله موظفو "المهمات القذرة" مع "مهندس شريف"

السعودية

صحف السعودية - ارشيفية
صحف السعودية - ارشيفية


ترصد الكاتبة الصحفية هالة القحطاني نوعاً من الموظفين في مؤسساتنا، مهمتهم أداء "المهمات القذرة"، "يتم اختيارهم بعناية.. ومن أبرز صفاتهم: ضعف النفس، وعدم خشية الله في السر، عديمو المروءة، محترفو النفاق، لدى الفرد منهم قوة لفعل أي شيء دنيء يُطلب منه"، ضاربة المثل بمسؤولين من أصحاب هذه المهمات، كانوا وراء طرد مهندس؛ لأنه أوقف صفقة شراء نظام إلكتروني "وهمي" بمبلغ 45 مليون دولار، من شركة أمريكية.

حكاية مهندس شريف

وفي مقالها "فيالق المهمات القذرة" بصحيفة "الوطن" تروي قصة المهندس الشريف "سفيان"، وتقول: "أوقف سفيان صفقة شراء نظام إلكتروني بمبلغ 45 مليون دولار، كان من المفترض أن تشتريه المؤسسة التي يعمل فيها لتحديث نظامها. ولأنه المهندس المشرف على مشاريع الأنظمة الإلكترونية في تلك المؤسسة، كان الأمر يتطلب موافقته. فلم يوقّع؛ لأن المشروع بأكمله كان غير منطقي؛ لعدم وجود نسخة من النظام يعمل فعلياً على أرض الواقع، ويثبت أنه أفضل من النظام الحالي، بل كان مجرد نموذج على ورق.

وعرضت الشركة المسوقة للمشروع على الرئيسين الأول والثاني لـ"سفيان" رحلة عمل لولاية كاليفورنيا، لزيارة الشركة، ورؤية نموذج تجريبي هناك. فتم استدعاؤه لشرح سبب رفضه، وفي اجتماع خاص مع رئيسه المباشر والرئيس الثاني، أوضح لهم أن الشركة الأمريكية كانت تحاول بيع نظام لا وجود له من الأساس، فكيف يوافق على شراء منتج، يطلب وضع نظام المؤسسة الإلكتروني للتقاعد، وإحلال فكرة على ورق محله. ثم قدّم لهم بحثاً بمستندات موثوقة، عن الدول التي وضعت تلك الشركة في قوائمها السوداء، ومنعت التعامل معها. كان رئيسه الثاني الأعلى، ينظر نحوه بجدية واهتمام، وحين انتهى أعطى نظرة لرئيس "سفيان" المباشر ليتولى دفة الحديث، فرفع حواجبه حتى لامست منابت شعره، ثم زمّ فمه، وقطب جبينه، وأخذ وجهه يتشكل سريعاً في تعابير غير مريحة، سحب نفساً عميقاً طويلاً.. ثم أطلق العاصفة.

طُلب من "سفيان" فيما بعد أن يقدّم إجازته السنوية، وحين غادر فقد منصبه كرئيس للأنظمة الإلكترونية في المؤسسة، وتم إيقاف دراسته لإكمال الماجستير، التي كانت تمولها نفس المؤسسة، ثم نُقل إلى منصب أقل كفاءة من مهاراته، قيل له في البداية إنه مؤقت لتغطية نقص الموظفين، ليبقى هناك 12 سنة. كان يشعر طوال الوقت بأن وراء تعطيله وتعثره أمراً غير سوي، لم يستطع تحديد هويته، فكل إجراء حدث ضده كان يأتي بشكل ضبابي، لا يراه بوضوح، ولكن يتعرف عليه من رائحته النتنة".

مرتزقة المهمات القذرة

وتعلق "القحطاني" قائلة: "نحن في زمن قلما يكتفي من يملك فيه منصباً أو سُلطة باستخدامها لتنفيذ الأعمال المنوطة به فقط، بل يستغلها ليتحكم في الظروف، فإذا فشل في تأدية واجباته وشعر بخطر يهدد كرسيه، بحث عن آخرين ليلقي عليهم هذا الفشل، فيجنّد مرتزقة توهم الناس بنجاحه، وعمل دعاية له، ليتحول المشروع الفاشل إلى مشروع ناجح. ويتحول المرتزقة مع الوقت إلى فيالق، مهمتهم تنفيذ المهمات القذرة. فيتم اختيارهم بعناية وبعد اختبار عملي. ومن أبرز صفاتهم ضعف النفس، وعدم خشية الله في السر، عديمو المروءة محترفو النفاق، لدى الفرد منهم قوة لفعل أي شيء دنيء يُطلب منه. ويمنحهم التكليف بأداء المهمات التي يعتقدون بأنها صعبة، وهي في الأساس قذرة، شعوراً بالزهو والاهتمام، خاصة حين تكون في دائرة التسلط على أرزاق الناس، ليخرجوا جميع عقدهم ومشاكلهم النفسية، بتدمير حياة أبرياء صالحين؛ من أجل حفنة من الفاسدين، الذين ما أن يصلوا إلى مراكز قيادية في مؤسساتهم، حتى يبدؤوا بالمناداة بضرورة القضاء على الفساد. والفاسد في نظرهم كل شخص نزيه وقف أمام تغولهم".

إنهم كالمافيا

وتضيف الكاتبة: "اعتادت عصابات المافيا في أوروبا وآسيا، التحرك ضمن مجموعات منفردة بنمط معروف، يراهم الناس في الأماكن العامة، ويعرفون أنهم ثلة من المجرمين، يفرقون بينهم من نمط جرائمهم، فمنهم من تخصص في الخطف، ومنهم من يبدع في السرقة والنهب، ومنهم محترف اغتيالات. بينما فيالق المهمات القذرة، لا نستطيع أن نتكهن بهويتهم، فهم يهيمون في عوالمهم المريبة مثل قصص الجن الخرافية، فما أن تطأ لأحدهم على مصالحه الشخصية بالصدفة حتى تُفتح عليك بوابة جنهم".

كن شريفاً

وتنهي "القحطاني" بنصيحة للموظف قائلة: "حاولْ أن تكون شريفاً لا يتخلى عن كرامته ومبادئه الإنسانية من أجل الفوز بمنصب أو جاه يزول في لحظة، ولا تستمر في حياتك كأداة لتنفيذ المهمات القذرة، وتذكّر أن نفوذ ومنصب محرضك سيزول سريعاً، وصنيعك المخزي لن ينساه لك الناس أبداً، بل ستبقى نفسك التي اختارت الدناءة معك إلى الأبد".