د. نصار عبدالله يكتب: البهائيون المصريون

مقالات الرأي



البهائيون المصريون فيما أتصور ليسوا إلا مجموعة من تعساء الحظ، لا ذنب لهم إلا أن الواحد منهم وجد أبويه بهائيين فأصبح بالتالى بهائيًا! وهم فى هذا ليسوا استثناء، بل إن شأنهم فى ذلك شأن آلاف الملايين من البشر فى هذا العالم، الذين يولد الواحد منهم فيجد أبويه على عقيدة معينة أو على دين معين فينشأ عليه، ثم يتصور أو يتوهم أو يعتقد أو يؤمن (اختر الفعل الذى تراه مناسبا).. يتصور أن عقيدة أبويه (التى غالبا ستصبح عقيدته) هى خير العقائد، وأن ديانتهما هى خير الأديان، (بغض النظر عن كونها أو عدم كونها كذلك فعلا! البهائيون فى ذلك شأنهم شأن آلاف الملايين من البشر بدءًا من أتباع الديانات التى يعد أتباعها بآلاف أو مئات الملايين كالهندوكية (ما يقرب من 1000 مليون)، أو البوذية (400 مليون)، ومرورا بالديانات التى يعد أتباعها بعشرات الملايين كالسيخية (30 مليونًا) وانتهاء إلى الديانات التى يعد أتباعها بآحاد الملايين كديانة الشنتو (ديانية يابانية:4 ملايين)،أو ديانة الكياوداى(ديانة فيتنامية:3 ملايين) بل وحتى تلك الأديان التى لا يتجاوز تعداد أتباعها عشرات الآلاف أو مئات الآلاف على أحسن تقدير كالديانة المندائية أو اليانية أو الزراداشتية أو الصابئية، والتى نجد الواحد من أتباعها ـ فيما عدا حالات نادرة ـ يتمسك بها أشد التمسك ويؤمن بها أشد الإيمان ولا يرتضى سواها بديلاً، وهو فى المعتاد يحمد الله على أنه اختصه هو وأبويه، وأتباع ديانته عموما، اختصهم بالحق المبين دون العالمين! وحقا فإنه كثيرا ما يضطر أتباع ديانة معينة أو أتباع مذهب أو طائفة بعينها من طوائف ديانة ما، كثيرا ما يضطرون إلى إعلان غير ما يؤمنون به، وكثيرا ما يتظاهرون نتيجة للضغوط السياسية أو الاجتماعية أنهم يعتنقون ديانة أو مذهب الأغلبية من أبناء مجتمعهم بينما هم فى الحقيقة لا يؤمنون بغير الدين أو المذهب الذى نشأوا عليه وتشبعوا بتعاليمه منذ نعومة أظفارهم، وإن كان بعضهم يجاهدون من أجل أن يعترف الآخرون بوجودهم، ويناضلون من أجل أن يتقبل المجتمع هذا الوجود الذى أصبح جزءا من نسيجهم الإنسانى، وهو نسيج يستحيل عليهم أن ينسلخوا منه، وهذا هو السبب فى أنهم دائما يدفعون الثمن غاليا والذى يصل أحيانا إلى حد فقدانهم حريتهم وحالة الفنان المصرى الراحل حسين بيكار الذى كان يجمع بين كونه رساما وشاعرا دليل على ذلك، فقد رفض موظف السجل المدنى أن يثبت له فى خانة الديانة أنه بهائى، ما اضطره إلى عرض إكرامية عليه، ورغم أن (الإكرامية) تقليد متبع ومنتج فى بعض حالات التعامل مع الموظفين الحكوميين المصريين، إلا أن النتيجة فى هذه المرة كانت هى العكس تماما، فقد وجد حسين بيكار نفسه متهما بالرشوة، حيث حوكم فعلا وحكم عليه بالسجن!! ولعل السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المجال هو: أيهما أجدى بالنسبة لعقيدة أو مذهب الأغلبية الغالبة فى مجتمع معين، وأيهما أجدى بالنسبة للمجتمع بأكمله، بكل دياناته وطوائفه وملله مهما كان عدد أتباعها ضئيلا، أيهما أجدى: أن يعترف المجتمع فى أوراقه الرسمية بحقيقة أمر أتباع كل ديانة أو مذهب أو طائفة؟ حتى لو كانت ديانتهم باطلة من منظور ديانة الأغلبية، أم يجبرهم إجبارا على أن يسجلوا فى أوراقهم الرسمية أنهم من أتباع دين الأغلبية، بينما هم فى الحقيقة ليسوا كذلك ؟ وأيهما أجدى: أن يسمح المجتمع لهم بممارسة شعائرهم أم يرغمهم على ممارسة شعائر الأغلبية؟ والإجابة عن هذا السؤال فيما أتصور هى أن إرغام إنسان معين على تسجيل ديانة لا يؤمن بها أو ممارسة شعائر لا يطمئن إليها قلبه يعنى ببساطة إرغام المواطن على أن يكون منافقا (هل المنافق إلا شخص يقول بفمه ما ليس فى قلبه؟)، غير أن النتيجة الأخطر فى رأيى هى أن مثل هذا الإرغام- حتى لو تم بحكم قضائى- فإن من شأنه أن يضيف سببا جديدا من الأسباب التى تسوغ لنا وصف مثل هذا المجتمع بأنه مجتمع منتج للكراهية وهذا هو فيما أعتقد شر ما يمكن أن يوصم به من المنظور الأخلاقى الخالص أى مجتمع من المجتمعات، وما أصدق القرآن الكريم حين قال: «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (يونس99)