عادل حمودة يكتب: مصر فى حاجة عاجلة إلى ثلاثة وزراء للصناعة ليس بينهم طارق قابيل

مقالات الرأي



■ وعد بتوفير ثلاثة ملايين فرصة عمل ليؤكد أن الكلام هو الصناعة الثقيلة الوحيدة التى يجيدها

■ خشى من فتح ملف الكويز حتى لا تخرج منه رائحة عفنة تفسد رائحة عطوره الباريسية التى يستخدمها


يوما بعد يوم يتأكد لى أننا فى حاجة شديدة لوزير صناعة.

أعرف أن هناك فى حكومة شريف إسماعيل شخصا يدعى طارق قابيل يجلس على مقعد وزير الصناعة، ولكن هل هذا دليل يكفى على أن فى مصر وزير صناعة؟

المؤكد أن الإجابة ستكون بالنفى فعلامة وجود الوزير بإنجازاته لا بتصريحاته وسفرياته واجتماعاته وليس على أرض الواقع إنجاز لافت يستحق معه طارق قابيل أن نعترف به وزيرا للصناعة.

لقد صدعونا بسيرته المهنية فى الشركات متعددة الجنسية من بروكتل آند جامبل إلى بيبسى كولا ومن أبراج إلى المراعى لكن كل الذين يعرفون كيف تدار هذه الشركات يؤكدون أن كل من يعمل بها مجرد ترس فى آلة عملاقة لا يعمل بمفرده بعيدا عن باقى التروس ولا موهبة لترس مهما كبر دون وجود أصغر التروس ولو نزع الترس من الماكينة أصبح قطعة خردة مصيرها وكالة البلح.

وتنفذ التروس الكبيرة والصغيرة سياسات يضعها غيرها وليس من حقها تعديلها أو تجاوزها أو الخروج عنها فلا عبقرية للتروس إلا تنفيذ السياسات والتعليمات.

ولا شك أن خبرة الشركات متعددة الجنسيات لا تكفى للتعامل مع واقع الصناعة المصرية المعقد، حيث نجد مشاكل فى العملات الصعبة ومشاكل فى قوانين العمل ومشاكل فى الحصول على الأراضى بسعر مناسب ومشاكل فى سعر الغاز الطبيعى ومشاكل فى تبعية مصانع القطاع العام لوزير آخر هو وزير قطاع الأعمال ومشاكل أخرى لا حصر لها يصعب على عباقرة الشركات متعددة الجنسيات مجتمعين حلها.

وقرأنا أن طارق قابيل عندما شغل منصبًا رئيسيًا فى شركة أبراج للاستثمار فى الشرق الأوسط وتركيا وآسيا الوسطى ساهم فى تحسين أداء أكثر من 40 شركة متعثرة لكننا لم نسمع أنه ساهم فى تشغيل مصنع واحد من مئات المصانع التى عطلت وأغلقت.

ولو كان «معالى الوزير» قد نجح عالميا فلماذا فشل محليا؟

ولو كانت مواهبه لا تتفتح إلا عالميا فلماذا يصر على البقاء وزيرا محليا أم أنه عندما اختير وزيرا لم يكن لديه عمل آخر؟

أعرف أن منصب الوزير لا يزال مغريا رغم تزايد حالات الاعتذار عنه، فالوزير يشعر بأنه مميز عن البشر.. تفتح له الطرق المغلقة.. ويتسابق كل من يرونه إلى نفاقه.. ويجلس على الموائد المميزة فى حفلات العرس.. ومقاعد الصدارة فى سرادقات العزاء.. ومن ثم فكل ما يهمه أن يكون بعيدا عن منصات الهجوم عليه أن يبتسم ويجامل ويبتعد عن الصدام ويقوى علاقاته بالكبار ولو لم يتقدم فى عمله بالقدر الذى يثير معه الإعجاب، كما هو الحال مع طارق قابيل.

والحقيقة أننا فى مصر نحتاج أكثر من وزير صناعة.. وزير صناعة للصناعات الصغيرة.. وزير صناعة للصناعات التعدينية.. ووزير صناعة يعالج مشاكل الصناعات القائمة.

وفى هذه الحالة يمكن أن يتولى طارق قابيل مسئولية التصريحات فى الوزارات الثلاث.. ليضمن وظيفة تناسب إمكانياته ولا تحرمه من المميزات التى يتمتع بها خاصة أنه يجيد التصريحات الوردية التى لم يستطع تنفيذها فقد أعلن فى الأهرام يوم 24 نوفمبر 2015 أنه انتهى من استراتيجية ستخلق 3 ملايين فرصة عمل ولكنه ــ بعد كل هذه المدة ــ لم يوفر نسبة ولو صغيرة مما وعد.

إن السلاح هو الصناعة الثقيلة فى الولايات المتحدة والساعات هى الصناعة الشهيرة فى سويسرا والموضة هى الصناعة المميزة فى فرنسا، أما فى مصر فالكلام هو الصناعة الوحيدة التى نجيدها.

والحقيقة الأهم أنه ليس فى مصر صناعة بالمعنى الحرفى للكلمة إلا قليلا.

لقد كشفت أزمة ارتفاع سعر الدولار أن الصناعات فى مصر مجرد صناعات تجميعية تعتمد على كل موادها من الخارج بما فى ذلك أبسط الخامات ومن ثم فإن عدم توافر العملات الصعبة لاستيراد المواد والخامات يوقف هذه الصناعات وفى أفضل الأحوال يضاعف ثمن ما تنتج من سلع متنوعة مما يجعل استيرادها من الخارج أرخص.

خذ عندك صناعة الدواء.. كل ما يدخل فيها يستورد من الخارج.. المصانع.. المادة الفعالة.. ومعدات التعبئة والتغليف بما فى ذلك ــ صدق أو لا تصدق ــ الكرتون الذى تصنع منه العلب.

وما أن انهار سعر الجنيه حتى تهددت تلك الصناعة بالتوقف إذا ما استمرت مستحضراتها تباع بالسعر القديم المحكوم بتسعيرة جبرية وخاضت الشركات المصرية والأجنبية حربا لرفع الأسعار لم تكسبها إلا عندما اختفت عشرات الأدوية الحيوية من الصيدليات وعجز وزير الصحة عن تنفيذ وعوده بعدم رفع الأسعار.

وخذ عندك صناعة السيارات.. لقد اكتشفت الشركات العالمية أن الجمارك التى تدفعها على سياراتها المصدرة إلى مصر مرتفعة وأن من الممكن التحايل على ذلك بتجميع السيارات فى مصر مستفيدة من ضعف الجمارك على قطع الغيار.

ولأن قيمة الجمارك على أجزاء السيارات الكبيرة مثل قيمة الجمارك على أجزاء السيارات الصغيرة قصرت الشركات فى إنتاجها على السيارات الصغيرة الكبيرة وأحجمت عن إنتاج السيارات الصغيرة التى كان يمكن أن يستفيد منها السواد الأعظم من راغبى شراء السيارات من مختلف الطبقات.

وحسب القواعد المتفق عليها فإن المكونات المحلية فى صناعة السيارات يجب ألا تقل عن ثلاثين فى المائة وهى نسبة تراجعت يوما بعد يوم وسنة بعد أخرى وكان بعضها يستورد من الخارج أيضا.

وعندما انتهت فترة الحماية الجمركية على السيارات ــ طبقا لقواعد الجات ــ لم يعد هناك مبرر لدى شركات السيارات العالمية أن تواصل إنتاج موديلاتها فى مصر فأغلقت بعض مصانعها فى مصر ونقلت البعض الآخر خارجها.

وخذ عندك صناعة الحديد.. ليس فى مصر مقومات لقيام هذه الصناعة.. فخامات الحديد فى أسوان ضعيفة وتكاليف نقلها عالية.. ومن ثم تعتمد هذه الصناعة على الخردة والبليت المستورد.. والمذهل أن سعر إنتاج الطن محليا أغلى من استيراده من أوكرانيا أو تركيا أو رومانيا.. لكن.. فرض رسوم إغراق على الحديد المستورد لم يتقبله منتجو الحديد محليا بالشكر والامتنان، فضاعفوا الأسعار أكثر من مرة بحجة ارتفاع سعر الدولار وكانت الزيادة فى الشهور الأخيرة تقدر بمئات الجنيهات مرة واحدة.

وخطورة هذه الصناعة أنها تؤثر فى حركة التشييد والبناء إما بالانكماش أو برفع أسعار المبانى، والمعروف أن حركة التشييد والبناء تحتل مرتبة متقدمة فى الاستثمار والتشغيل خاصة مع المشروعات العملاقة مثل العاصمة الجديدة.

والصناعات الوحيدة التى نجحت فى مصر بكل المقاييس كانت صناعة الأسمنت، حيث تتوافر المواد الخام ويسهل الحصول عليها وصناعة السجاد التى نجح مؤسسها فى مصر أن ينتج بنفسه كل العناصر التى تخرج فى النهاية سجادة وصولا إلى صناعة البتروكيماويات وهى صناعة هامة توفر المواد الخام لكثير من الصناعات ومنها صناعة السجاد نفسها.

ولو تأملت الصناعات الغذائية البسيطة لوجدتها محلك سر.. لم تتطور صناعة البسكويت وظلت تنافس فى طعمها طعم الأخشاب.. فرحنا نستورد أنواعًا متعددة من البسكويت والمربى والجبن والسالمون والمكرونة لسبب بسيط غياب المواصفات القياسية ومعايير الجودة وهو ملف كان ينتظر طارق قابيل ــ حسب ما صرح به محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات ــ لتعديل منظومة الجودة وسلامة الغذاء ومازال الملف ينتظر الوزير (اسما) الذى مضى على اختياره أكثر من 15 شهرا.

ويوجع القلب أن تجد كل الصناعات البسيطة فى غرفة الإنعاش والدليل على ذلك الباعة الجائلون الذين يقطعون الطرق أمام قائدى السيارات وهم يحملون فوانيس رمضان ولعب أطفال من البلاستيك والكاوتشوك والألعاب النارية وربما البمب أيضا.

هل هناك عار يمكن أن يلحق بنا اكثر من ذلك؟

ولو جئت بسيرة المحلة فإن وزير الصناعة يضع يديه فى الماء البارد ملقيا المسئولية على وزير آخر هو وزير قطاع الأعمال، ولكن لا نعرف ما الذى سيقوله لو سألناه عن صناعة الملابس ــ التى تراجعت كثيرا بعد أن كانت صناعة مميزة فى مصر ــ ترى بماذا سيجيب؟

إن الشركات الخاصة التى تنتج الملابس الجاهزة وتصدرها إلى الخارج تستورد لتصنيعها كل مكوناتها من الخارج (القماش والخيوط والموديلات والإكسسوارات) وكل ما نضيفه إليها هو العمالة التى لا تشكل سوى نسبة محدودة من العملية الإنتاجية.

وقد تراجعت صادرات الملابس الجاهزة بنسبة كبيرة بما فى ذلك الملابس التى نصدرها للولايات المتحدة دون جمارك طبقا لاتفاقية الكويز التى تمنح إسرائيل المشاركة فى هذه الصناعة بنسبة من مكوناتها.

ولاشك أن ملف الكويز لو فتح فسوف تخرج منه رائحة غير طيبة ويبدو أن وزير الصناعة الذى تعود على العطور الباريسية الراقية يتجنب فتحه خشية تعرض أنفه للأذى.

وبسبب تراجع الصادرات الصناعية فقدت مصر مصدرا رئيسيا من مصادر العملة الصعبة، والحقيقة أن هذا التراجع بدأ فى عصر وزير الصناعة السابق منير فخرى عبد النور وقد أقيل وجاء بعده الوزير الحالى، لم تشهد الصادرات الصناعية تغيرا يذكر ولا يزال صاحب المعالى فى منصبه.

أعرف أن طارق قابيل ليس مسئولا عمَّا وصلت إليه الصناعة المصرية ولكن ما الذى فعل ليخرجها مما هى فيه؟

وقد كنت اتمنى أن يفتح ملف الصناعة على نواب الأمة ولكن يبدو أن مجلسهم مشغول بما هو أهم.. عقاب إبراهيم عيسى على ما كتب.