فؤاد معوض يكتب: أيام مع العندليب

مقالات الرأي



أنا.. أنا.. أنا الموقع أعلاه.. طوال عمر صداقتى التى ارتبطت بها معه كنت أخاف الركوب بجواره فى سيارته المرسيدس الأسبور.. و..

أنا.. أنا.. أنا الآن..

على موعد معه لنلتقى وبعدها نذهب معًا للانتهاء من تسجيل آخر حلقات المسلسل الإذاعى «أرجوك لا تفهمنى بسرعة».. و..

أنا.. أنا.. أنا الآن..

على وشك الخروج من هدومى فالدنيا حر ودرجة الحرارة زادت على معدلها فى مثل هذا الوقت من السنة بعشر درجات على الأقل.. يارب.. هل أنا جالس -حاليًا- داخل «حلة شوربة» تغلى موضوعة فوق جهاز غاز مشتعل؟! بينما عبد الحليم حافظ جاهز - وهو المريض - لمغادرة المنزل فورًا وأنا معه فى طريقه لمبنى الإذاعة والتليفزيون.. مثل هذا المشوار لا يصلح إلا بأن يكون اسمه مغامرة عند خط الاستواء!

ولماذا عبد الحليم «باشا» حافظ وهو حضرة صاحب المقام العالى بين مطربى جيله يوافق على مثل هذا الموعد للتسجيل.. الثالثة ظهرًا ودرجة الحرارة اقتربت من الأربعين.. عبد الحليم وصل إلى قمة النجومية.. وصل وجلس فوق المقعد الذى أخذ من صحته الكثير.. وضع ساقًا فوق ساق وضرورى أن يهز أقدامه بكبرياء من فوق هذا المقعد ويطلب من المخرج تأجيل موعد التسجيل حتى الشتاء المقبل!.. أنا لو فى مكانه الآن.. الثالثة والنصف ظهرًا ودرجة الحرارة تقترب من الأربعين لكنت قد طلبت من كبير الطباخين - الذى يعمل لدى - تجهيز الغداء - إذًا كنت لا أشكو من مرض - لابد وأن يتكون من ملوخية بالأرانب وطبق أرز بالشعرية إلى جانب البذنجان المخلل والحلو لابد أن يكون صندوق مانجة عويس وبعدها الذهاب للسرير والاسترخاء لمدة ساعتين من النوم العميق.. مسكين عبدالحليم حافظ فهو الآن جاهز للنزول فورًا فى طريقه للإذاعة.. عبد الحليم يحترم عمله جدًا.. يعشقه ويتغزل فيه.. يجرى لملاقاته ليأخذه أقصد العمل بالحضن.. وكثير من القبلات وكأنه التقى فجأة بأحد محبيه بعد غياب.. وهل رأيت دودة القز التى تفرز الحرير وهى تزحف على شجرة توت ثم تتعلق بطرفها وتدور فى الهواء لتتحسس شيئًا إلى أن تجده؟! هذا هو عبد الحليم بالضبط..و..

أنا.. أنا.. أنا..

أنا اللى طول عمر صداقتى به أخاف الركوب بجواره فى سيارته المرسيدس الأسبور فـ.. عبد الحليم حافظ هوايته عند القيادة - أثناء غياب الأسطى عبد الفتاح سائقه الخاص هى الجرى حاولت كثيرًا وأنا جالس بجواره أن أستعطفه بتقليل السرعة كان يضحك ويزداد عنادًا.. و.. خايف مش كده!!

- قلت: خايف موت!

قال مبتسمًا: خايف على إيه يا حسرة؟!

قلت له: أنا بالنسبة لوالدتى أعتبر ثروة.. بئر بترول.. خاتم سليمان.. فانوس سحرى تدعكه ليخرج لها منه من يقول لها شبيك لبيك عبدك بين إيديك.. إيش تطلبى لتقول له: روح لـ«فؤاد» تجيب منه القرشين «المعونة» بتوع كل شهر!.. و..

المسافة بيننا وبين مبنى الإذاعة والتليفزيون اقتربت. وعقلى مشغول بالسرعة.. والخوف.. وصورة والدى ووالدتى تتراءى أمامى وهما يصليان الفجر حاضرًا ولا ينامان قبل أن يقرآ القرآن داعين لى.. يا بركة دعاء الوالدين.. وأرجوك - عبد الحليم - أن تهدئ السرعة!

رد عبد الحليم - بعد أن أوقفتنا إشارة المرور عند كوبرى أبو العلاء وكنا قريبين من مبنى الإذاعة - ماتخافش.. ناولنى عبدالحليم الحلقة الأخيرة لقراءتها والتى رحت أردد سطورها وكأننى أغنيها له.. قال لى عبد الحليم بعد انتهائى من قراءة هذا المقطع من الرواية: كل جملة عند محمود عوض - المؤلف - فيها جهد الحياكة.. الغرزة والحرف فى مكانه بمنتهى الدقة والجمال!.. و..

لله الحمد وصلنا.. نحن الآن داخل استديو 27 بالإذاعة كانت نجلاء فتحى أو «ليلى» تقف أمام الميكروفون تتعثر تحت ثقل التجربة وعبد الحليم يهمس لها يرددان معاً بما جاء فى الحوار..

- على فكرة وحشتينى يا ليلى..

- قد إيه؟!

- وحشتينى.. جدًا.. خالص..

- ياه.. للدرجة دى؟!

- طبعًا.. مش بقى لى عشرة أيام ماشفتكيش!

- عشرة أيام؟! عشرة برضه؟!

- أيوه.. إمبارح.. وأمبارح.. وأمبارح..و..

- لأ.. مش صح.. مش معقول تبقى ضعيف فى الحساب كمان!

- ليه؟!

- لأنهم مش عشرة.. دول حداشر يوم.. حداشر يوم يا حبيبي!.. الله.. الله.. الله.. رددها محمد علوان - المخرج - مائة مرة وكأنه داخل حلقة ذكر.. هايل يا أستاذ عبدالحليم.. برافو يا آنسة نجلاء!.. ومن بعدها استراحة عشر دقائق ليعودوا للتكملة.. نجلاء فتحى أشعلت سيجارة.. «عبدالرحيم» السفرجى ناول عبدالحليم كوباً من الشاى.. محمود عوض يطلب من عمال البوفيه القهوة وزجاجات الكوكاكولا على حسابه للجميع.. إيناس جوهر نجمة إذاعة الشرق الأوسط تحكى نكتة قديمة عن زوج وزوجته احتدم بينهما النقاش قال لها: إذا ماكنتش العيشة هنا عجباكى اتفضلى روحى عند والدك..

الزوجة: لكن بابا مات.. الزوج: ماأنا عارف وبقول علشان كده تروحى له!.. محمد علوان يبتسم للنكتة.. العمال لم يبتسم واحد منهم ربما لأنهم لم يفهمومها.. الدكتور هشام عيسى طبيب عبد الحليم يصف للممثل عادل إمام وهو جالس معه علاجاً للأرق الذى يعانى منه منذ بداية عمله بالمسلسل.. عبدالحليم مشغول بالتوقيع على أوتوجرافات المعجبين الكثيرة التى جاء بها معهم بعض موظفى الإذاعة لأقاربهم والجيران فاق عددها عن المائة أوتوجراف.. يحكى لى عبد الحليم حكاية بهذه المناسبة والتى اضطرته أن يوقع على كل هذا العدد من الأوتوجرافات ساعة أن اعتذر عازف البيانو الشهير «آرثر روبتشاين» ذات مرة عن التوقيع على دفاتر الأوتوجراف للمعجبين بحجة أن أصابعه قد تعبت من العزف خلال الحفلة التى يحييها وبرغم ذلك أصرت إحدى الفتيات على الوقوف أمام باب غرفته ترجوه أن يوقع لها بإمضائه على دفترها قالت له: إننى أعلم أن أصابعك متعبة من العزف ولكن أصابعى أنا أيضًا متعبة من التصفيق لك.. فابتسم «روبتشاين» ووقع بإمضائه!

عبد الحليم يحترم معجبيه جدًا فالفنان لا يحتاج إلا لحب الجمهور كل ما عدا ذلك لا يساوى.. الدكتور هشام عيسى ترك عادل إمام وجاء إلى عبد الحليم يناوله الدواء ويعطيه «الحقنة» من المعروف أن عبد الحليم مريض ولكنه لا يستسلم أبدًا يظل يعمل ويعمل رغم الألم.. والكلام على لسان عبد الحليم كان الكثير من المشاهير يعانون الألم مثله.. «وليم تلبرت» كان مصابًا بالسكر وهو فى العاشرة ومع ذلك فقد عاش ليصبح بطلاً فى التنس!.. الكاتب الكبير «هـ.ج. ويلز» الذى عاش مريضًا حتى الكهولة ظل يكتب حتى آخر أيامه! كما استمر «بوتشينى» فى وضع ألحانه و«سيران» فى رسم لوحاته بالرغم مما كان يعانيه كل منهما فالفنان العظيم لا يصنعه سوى ألم عظيم كما قال «فولتير»..و..

ياللا يا أساتذة.. اتفضلوا.. عاوزين نسجل المقدمة الغنائية.. أستاذ عبد الحليم جاهز؟! سمع هس.. شوفوا لنا بليغ حمدى فى الاستديو اللى جنبنا.. اصحى يا حمزة.. سمع.. هس.. اتفضل يا أستاذ عبد الحليم.. و«مشيت وطالت خطوتى.. والريح جريح فى سكتى.. والليل فى أحضانه الهموم.. لا فيه قمر ولا فيه نجوم.. يا رحلة الأيام .. و..

فركش.. مبروك يا أستاذ عبد الحليم.. مبروك يا نجلاء.. تصبحوا على خير.


ولو حكينا نبتدى منين الحكاية؟!

كانت السيارة المرسيدس تنطلق عند منتصف الليل بأقصى سرعتها فى طريقنا وأنا بجواره إلى المعادى عندما أطلق عسكرى المرور- الواقف أمام مستشفى المعادى- صفارته يأمرنا بالوقوف وقد اتجه نحو السائق الذى يرتدى جلبابًا ويضع على رأسه طاقية ويخفى عينيه وراء نظارة طبية وسأله فى لهجة حادة: - اسمك إيه؟!

- اسمى عبد الحليم حافظ!

حدق فى ملامحه عسكرى المرور بإمعان متفحصا شكله بارتياب فمثل هذا الاسم شائع ومشهور ولكن الشكل مش هو يا جدعان..

ملحوظة: اعتاد عبد الحليم فى ساعات الخروج للتنزه بالسيارة ليلاً.. أن يرتدى الجلبات والطاقية و«الشبشب» فى قدميه وحجته فى ذلك أنك لابد وأن تريح نفسك من شيئين البنطلون والحذاء فإنك تقضى أغلب حياتك فى هذا أو ذاك!

المهم راح عسكرى المرور يحدق فيه بارتياب يتفحص ملامحه على مهل ثم راح يعبث بأطراف شاربه وهو يصرخ فيه وكأنه وضع يده على لص سيارات: معاك «تحجيج» شخصية وفين رخصة العربية كماااان؟!

فأجاب عبد الحليم وهو يبتسم: دقيقة واحدة وأنا أثبت لك أنا مين!

وبدأ عبدالحليم حتى يثبت له أنه عبد الحليم فى أن يغنى بصوته أسير الحبايب يا قلبى يا دايب.. إلى فى يوم فى شهر فى سنة مرورًا بمقطع من «على قد الشوق اللى فى عيونى يا جميل سلم «مختتمًا بـ«يا سيدى أمرك أمرك يا سيدى ولجل خاطرك خاطرك يا سيدى ما أقدرش أخالفك لأنى عارفك تقدر تحط الحديد فى إيدى»!.. بعدها كان عسكرى المرور الصعيدى يفتح فمه على آخره من الدهشة حينما رأى وقد تجمعت عشرات السيارات توقف أصحابها على الكورنيش ليستمعوا إلى عبد الحليم!

من وقتها والرجل - عسكرى المرور- أصبح صديقًا لعبد الحليم.. يزوره بلا موعد سابق.. أصبح له كرسى مخصوص فى كل حفلاته بل تكفل أيضاً بمصاريف أولاده فى المدارس.. وتوسط له بعد ذلك لينتقل من المعادى إلى الوقوف فى إشارة كوبرى أبو العلا وتدخل لتعيين أكبر أولاده للعمل فى وزارة الثقافة.. وغنى فى فرح ابنته «هدى».. و..

إلى أن ظهرت جرائد الصباح ذات يوم من عام 1977 تحمل خبرًا لم يصدقه الرجل.. مات عبد الحليم!

مستحيل.. لابد وإنها إشاعة من تلك الإشاعات التى ترددت من قبل.. مستحيل.. حتى بعد أن أذيع الخبر من إذاعة الـ«بى بى سي» مؤكداً أن الإنجليز كثيرًا ما يكذبون.. وإلى أن انتشر الخبر يغطى العالم كله!.. عبد الحليم مات لا حول ولا قوة إلا بالله.. عبد الحليم مات لا حول ولا قوة إلا بالله!.. هنا راح الرجل يردد الخبر وهو يلطم خدوده ما.. ما.. مات.. لا حول ولا قوة إلا بالله!.. من بعدها اختفى الرجل وقد اعتدت رؤيته عند كوبرى أبو العلاء فى كل مرة أذهب فيها إلى مبنى التليفزيون.. قال لى عسكرى آخر وجدته مكانه أنه أصيب من أثر الصدمة بلوثة ذهبت بعقله أدخل من بعدها أحد مستشفيات الأمراض العصبية!.. وقال لى جيرانه - فى باب الشعرية - عندما سألت عن عنوانه إنه بعد ترك العمل سافر إلى بلدته سوهاج قالت لى زوجته إنه من ساعة أن ترك العمل فى البوليس رحل من المنزل وانتقل إلى مقابر البساتين ليبقى بجوار عبد الحليم وليصبح خفيرًا على مقبرة عبد الحليم بالتحديد!..و..

كان لعبد الحليم هواية غريبة برغم شهرته العريضة وهو أنه كان صديقًا للبسطاء من الناس.. عساكر.. وبوابين.. وصنايعية على باب الله.. كان يرى فيهم أهل قريته.. بساطة عبد الحليم كان يفسرها بقوله: «لو عادت بى الأيام وخيرونى بين مراحل عمرى اختار إحداها لاخترت مرحلة القرية.. كانت الصحة على ما يرام.. والعيشة ما أحلاها»..

ملحوظة: تذكرت بالمناسبة قولا للساخر «مارك توين» كنت قد قرأته يقول فيه عندما انتقلنا إلى منزلنا الجديد لم يكن لدينا مال كثير وكان أثاثنا كله عتيقًا متواضعًا وقد تحسنت حالتنا من بعدها على مر السنين فجددنا كل أثاث الغرف الأخرى «النوم والضيوف والسفرة» بأثاث جديد فاخر واقترحوا علىّ من بعدها أن أتخلص من الأثاث البالى القديم ولكنى احتفظت به فى غرفة أقيم بها بعد أن قلت لهم: إن لدينا خمس حجرات مليئة بالأثاث الفاخر الذى يبين إلى أين وصلنا.. وأنا فى حاجة إلى بعض الأشياء التى تذكرنى دائمًا بـ«أين كنت»؟!..و..

قبل سفر عبد الحليم للعلاج - فى رحلته الأخيرة - جئت لوداعه ومعى الصديق عصام بصيلة ومحمد حمزة.. كان فى المنزل وقتها محمود لبيب جاء ليصفف له شعره.. عم إبراهيم عفيفى جاء ليحقنه بإبرة فيتامينات.. شقيقه محمد شبانة جاء له بآخر صور التحاليل والإشاعات التى سوف يحملها معه.. شقيقته علية جاءت تذكره حتى لا ينسى الآية القرآنية: «إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى ميعاد» فقد اعتاد أن يكتبها بخط يده وبقلم رصاص على باب حجرة نومه فهو يؤمن عند كتابتها بالعودة سالماً!.. اعتاد أيضاً عبدالحليم فى كل سفرياته السابقة أن يوزع ابتساماته على الجميع إلا هذه المرة فقد كان «بداخله شيء غامض جعله مهمومًا!.. التفت إلى فردوس ابنة خالته وقال لها «ادعى لى أرجع بالسلامة يا فردوس» قال لصديقه «وبلدياته» المطرب الشرقاوى سيد إسماعيل الذى اشتهر فى الوسط الفنى باسم «العمدة»: «ابقى فوت ع البيت يمكن يحتاجوا حاجة يا عمدة».. لم يعد زينب ابنة شقيقته «علية» أن يوعدها بشرائه للفستان الذى اعتاد أن يجئ به إليها عقب كل رحلة لترتديه وتذهب به إلى حفل شم النسيم الذى اعتاد خالها أن يحييه!.. راح يحتضن شقيقته «علية» بشدة وهو يتشبث بها أطول فترة زمنية ممكنة وكأنه كان يشعر بأنه ربما يكون هذا «الحضن» هو آخر الأحضان! نظر ناحيتى وناحية عصام وحمزة بأسى شديد كى يؤكد لنا عذابه اليومى منذ أن داهمه المرض عام 1956 بالبلهارسيا التى أصبحت تتوغل فى جسده.. عبد الحليم - من كثرة تردده على الأطباء الذين قاموا بتشخيص مرضه - حفظ تاريخ البلهارسيا «صم» وكأنه يذاكر دروسها ليؤدى فى آخر العام امتحانًا فيها.. «اكتشف القواقع الناقلة للمرض طبيب إنجليزى اسمه «ليبر».. منذ عام 1925 والأطباء فى مصر يضيفون المبيدات مثل سلفات النحاس فى المياه الراكدة لمكافحة الميكروب! هناك ستون فى المائة من سكان الريف مصابون بهذا المرض! أكثر من 500 بحث منها ما يزيد على 300 بحث مصرى لطرق إبادة القواقع والقضاء على المرض وضمان مياه نظيفة صالحة للاستخدام فى القرية «شرب أو استحمام» بدلاً من المياه الملوثة!.. اهتمام عبدالحليم لمعرفة كل شىء عن البلهارسيا سببه ما يعانيه من متاعب صحية وحلم عمره أن يكتشف أحدهم فى أى بقعة من العالم دواء يضع حدًا لآلام كل المصابين..و..

من مستشفى «كينجز كولدج» بلندن أرسل لى عبد الحليم رسالة بخط يده نشرتها فى مجلة «الكواكب» التى كانت أعمل بها أيامها يقول فيها: «لقد مرت أزمة النزيف الأخير بسلام كما أخبرنى الدكتور «تانر» بعد أن تبين له أن منطقة الضعف عندى تنحصر فى الأوعية الدموية المتصلة بآخر المرئ.. وعندما توصل الطبيب إلى هذه النتيجة قرر إجراء خطة جديدة فى العلاج تتلخص فى حقن الأوعية الدموية بتلك المنطقة - بطريقة مباشرة - حتى تتعطل أو تتجمد وتمنع من أداء وظيفتها وفى مثل هذه الحالة فإنه طبيعة جسم الإنسان تخلق تلقائيًا أوعية جديدة تلتئم وحدها وتسير بالدورة الدموية فى طريق طبيعى! أما تعاطى تلك «الحقن» فهو أشق أمر فى الموضوع كله.. بل تعتبر كل «حقنة» فيها عبارة عن عملية عذاب كاملة أتناول فيها مقدارًا من البنج الكامل ويدخلون لى من خلال الفم منظارًا ليتمكن الطبيب من تحديد المنطقة ثم يغرس حقنة لها ممر خاص داخل المنظار يكون طرفها فى يده ورأسها موجه إلى الأوعية ليحقنها مباشرة.. وعلى ذلك فعندما يتم هذا العلاج بنجاح كما هو أتمنى- سوف أتخلص من تهديد النزيف لى لعدة سنوات قادمة!.. الحمد لله.. الحمد لله سأشفى قريبًا! لن أجد الوقت حتى أكتب لك رسالة جديدة فسوف أصل للقاهرة بعد ثلاثة أيام أو أربعة لإحياء حفل الربيع.. و..

صحيح إن عبد الحليم عاد للقاهرة - بعد أربعة أيام - كما كتب لى فى رسالته لا لإحياء حفل الربيع الذى لن يستطيع اللحاق به..

فقد مات.. مات عبدالحليم وهى خسارة كبيرة واستغفر الله - أن يموت بدرى بدرى فما كان أعظمه وما أصعب أن نعوضه فى قادم الأيام.. وداعًا يا عندليب!