ماجد وجيه يكتب: نكون أو لا نكون

ركن القراء

ماجد وجيه
ماجد وجيه


في إحدي مسرحيات العظيم "وليام شيكسبير" طالعنا في مسرحية "هاملت" سوالا فلسفيا شديد الحساسية والرقي, الا وهو" أكون أو لاأكون"، ونحن هنا لسنا في معرض الحديث والنقد لاحد الابداعات الفنية ولكن دعوني أوجز لكم  تلك المسرحية.

ففي فن الدراما يوجد ما يسمي بالبطل المأسوي, وبطلنا هنا هو "هاملت" أمير الدنمارك الذي يظهر له شبح أبيه الملك طالبا منه الانتقام والثار له إذ أن عم الامير قتل والده ليستولي علي العرش وليتزوج أمه.

وظل بطلناهنا حائرا غير قادرا علي إتخاذ قرار مما دفعه علي طرح سواله الشهير" أكون او لاأكون!, تلك هي المشكلة!؟".الي أن أقام "هاملت"  حفلة بمناسبة مرور عام علي زواج عمه من أمه وتتويجه كملك وعرض في هذا الاحتفال قصة الخيانة وإذ ظهر علي عمه التوتر, تاكد "هاملت" من خيانته وقرر الانتقام ونجح "هاملت" في نهاية الامر إلا أنه أصيب بجرح قاتل من سيف مسموم.

ففكرة أن تكون أو لا تكون هنا تعني الكثير من المتردافات والمناظير ومنها أن تحقق ذاتك و أن تنهض وتستميت وتنتصر لابسط حقوقك أوأن تقبع سجينا لضعفك دون تحقيق لاي من غايتك.

أغمض عينيك معي أيها القاري العزيز وجول بفكرك متسائلا "هل أتت أمور وقرارت مصيرية تحدثت فيها لنفسك بتلك العبارة؟ أنا علي يقين تام أن مجري أحداث حياتنا طفت علي شواطئه وضفافه انعكاس لتلك المقولة, أفلا تشاركوني الرأي أنها تحدث علي المستوي الشخصي كما تحدث بشكل جلي ايضا في أوطاننا!.

وحيث أن المجتمعات تحيا وتنمو في إطارطبيعي, فقد وضع الله شرائع لتنظيم العلاقات بين البشر, كما أرسي الضمير الانساني ضوابط مجتمعية لتنظيم تلك العلاقات, وهنا سالقي بالضوء علي الزواج كأحد العلاقات الاجتماعية المتفردة وأختياري هنا لسبب منطقي وهو شيوع فكرة خاسر وفائز في السواد الاعظم من أمور الحياة نستثني منها الزواج تلك القضية التي يخرج فيها  كلا الطرفين إما خاسرين أو منتصرين حيث لا فائز أو خاسر وهي في ذات الوقت قضية وجودية  إما أن تكون أو لاتكون, إما أن تحيا حياة سعيدة مع من تحب وتبني اسرة وتنشي أطفالا ليكونوا قادة المستقبل أوأن تفشل في زواجك فتخسر الكثير علي المستوي الاجتماعي والنفسي والمادي.

ولان الله كلي الصلاح وإرادته الخير لا الشر فالله يريد الكل أن يحيوا حياة هانئة ,بعيدا عن التوتر والكراهية والاطماع والخلافات,يستمتع فيها البشر بروابط أساسها الاحترام وقبول الاخر، ولكن العقل البشري الذي سمح ومازال يسمح للشيطان بسكناه يعكر صفو الحياة مما يودي الي حدوث نزاعات مجتمعية تودي الي الانفصال والطلاق والخلع الذين صارو وبائا متفشيا في السنوات الاخيرة الي الدرجة التي نتهلل فرحا وتعجبا لرويتنا أسرة سعيدة وزيجات مستقرة وكأن المعتاد هو ان تنتهي كل زيجة بنهاية تراجيدية.

ومع تنوع وثراء مجتمعاتنا وطقوسنا, نري بعض الديانات تجيز الطلاق والخلع ونري ديانات وطوائف أخري تذهب للنقيض وترفض الانفصال برمته شكلا وموضوعا مهما كانت الاسباب وبين ذلك وتلك نجد طوائف تجيز ذلك بشروط وحدوثه مقترن باثبات أمور ما مثل علة الزنا.

كما يذهب البعض من رجال الدين والعامة الي أن الشخص الذي يرغب في ذلك ليس له الحق  حتي  في التفكيروكانه من تابوهات الحياة ويعللون ذلك بالقسمة والنصيب وعلي الشخص تحمل مرارة العيش مع الاخروهم في ذلك ينتهجون فكرة البطل المأسوي الذي هو مسئول عن قرارته الخاطئة دون أن يرحم أو يشفق عليه فما يحدث له نتيجة سوء اختيارته وتسرعه.

ولكل هولاء أقول لماذا نتخذ من أنفسنا قضاة ونصدر حكم الاعدام! بل ويبدأ الناس في التبكيت ويمطرون الشخص بوابل من الاستجوابات لم نراها  من قبل حتي في  جلسات البرلمان ومنها لماذا لم تدرس شخصية شريك الحياة جيدا قبل الزواج؟ ولماذا كنت صيدا سهلا لدجال أو دجالة ؟ولماذا لم تكن حريصا  وحكيما؟ فمن منا لايخطيء ولاسيما أن البشر خطاؤون. نعم نحن نخطي ولكن الله ذاته يغفر ويصفح, أفلا نسامح نحن البشر المخلوقين من التراب زلات الاخريين!.

وقد يراعي الانسان في حساباته أمور عدة ويقع لسبب أخر في قصة زواج غير ناجح, ولكن الحرص والتأني وظهور دلائل وعلامات ما هي إلا إشارات ورسائل يرسلها لنا الله للتعقل.

ويري أخرون أنه طالما أن طبيعة البشر هي الخطأ, فلما لا نصحح من أخطائنا ونحلم بحياة جديدة نرسم فيها من الطموحات والامال تفاصيل أجمل  لم تتحقق في التجربة الاولي فيلجأ البشرالي الانفصال"الطلاق والخلع" في حالات تستحيل معها العشرة منها الالحاد و التزوير والتدليس والخيانة والاهانات اللفظية والبدنية والتأكد من هجر احدهما للاخر لسنوات فيصل طرفي المشكلة الي طريق ضيق ومسدود بعد أن أسودت وأظلمت الحياة وقست عليهم واردتهم جرحي القلوب ومكسوري النفوس ولم يبق منهم غير حطام لاحد كان يوما ما إنسانا.

ولعلنا في مجتمعتنا الشرقية الذكورية تتعامل بمعايير مزدوجة في منظورها للرجل المطلق والمرأة المطلقة بأسلوب منفر كما لو كان المطلق والمطلقة ليسا شريكان في المسؤلية وكما لو كانت  المرأة المطلقة عارا في مجتمع يعطي للرجل هذا الحق ويجرد المرأه من ذات الحق وكما لو كان الرجل  تزوج المرأه وهي لم تتزوجه وكما لو كانت ارتكبت ذنبا يقترب من الكفر والالحاد.

أحلم بمجتمع مثالي ومناخ صحي لا تفرقة فيه بين ولد وبنت ,رجل وامرأه , غني وفقير,متعلم وجاهل, مطلق ومطلقة، أليست تلك الامور هي المواطنة في أبسط صورها؟فكل البشر لهم نفس الحقوق والواجبات  ولهم أن يتمتعوا بحيادية النظروالاحترام من قبل الاخريين كما احلم أن يكتفي العقل البشري بالتفكير في بناء وتعزيز علاقات إجتماعية متينة تهدف الي إحداث السعادة والرضا.

فكرة أكون أو لا أكون  ليست فلسفة عميقة بل حق أصيل اساسه أن كل منا يريد أن يحيأ ويسعد  فمن منا يعشق ويرنو للفناء والشقاء! ولا سيما أن  غاية الله  أن نكون سعداء  وأن لا نكون  تعساء, أن نكون بارين ومومنين وأن لا نكون ملوثيين وضالين, أن نكون ناجحين وأن لا نكون متعثريين, أن نكون بنائين وان لانكون مخربين, إذن ففكرة أن نكون أو لا نكون لابد أن تسري في جميع مناحي الحياة في الامور المصيرية وأن تكون منهجا لان الحياة ببساطة اساسها أن نكون أو لا نكون والان جاء دورك لتحسم إيهما سوف تختار؟!.