د. رشا سمير تكتب: التعليم فى قبضة عصابات القطاع الخاص!

مقالات الرأي



لأول مرة منذ سنوات يشعر المواطن المصري ببارقة أمل فى آخر تعديل وزارى، حين باغتته الدولة على غير العادة بإختيار وزيري التربية والتعليم والتعليم العالى على قدر كبير من الكفاءة والبصيرة..

د.طارق شوقى رجل له تاريخ مشرف وباع طويل فى مجال التعليم ود.خالد عبد الغفار، عميد كلية طب أسنان عين شمس ونائب رئيس الجامعة ذاتها..

ويبقى السؤال: هل بالخبرة وحدها تُحل مشكلات التعليم؟!..

الحقيقة أن مشكلة التعليم فى مصر مشكلة أبدية، فشل في فك طلاسمها كل من تولى الوزارة، فأخذ يجعجع ويصرح، ثم كالعادة أصبح كبش فداء فى أول تعديل وزارى!.

إهتمام الدولة بالتعليم هو الخطوة الحقيقية فى سبيل نهضة صلبة..فالإهتمام بالبنية التحتية والكبارى ومترو الأنفاق كانت أيضا مشاريع إهتم بها مبارك فى بداياته ولكنه أغفل الملفات الأعظم وهى الثقافة والتعليم والصحة..فظل إجهال الشعب هو السبيل لإغفاله وتهميشه، فدفع مبارك الثمن..

يرى أولياء الأمور أن التقصير بدأ منذ تحولت وزارة التربية أولا ثم التعليم ثانيا، إلى اللا تربية ولا تعليم!..

ويرى الخبراء التربويين أن إصلاح المنظومة التعليمية في مصر لا يمكن أن يرتبط بتغيير الوزير، وإنما يحتاج إلى إرادة سياسية وحكومية ومجتمعية في المقام الأول..

وأنا أرى أن الإصلاح يجب أن يبدأ بالتخلص من المناهج العقيمة بإستقدام خبراء أجانب لوضع منهج مماثل للمناهج الأوروبية بنفس التقنيات، ويجب أن تكون هناك عملية تحديث كاملة للمناهج التى لازال أحفادنا يدرسون من خلالها نفس المناهج التى كنا ندرسها نحن منذ سنين!..ويجب أن يتم تعيين المُعلمعلى أساس العقلية القادرة على التغيير قبل المؤهلات الدراسية..ويجب أن يكون هناك إهتمام بتكوين شخصية الطفل وتطويع إمكانياته لخدمة المجتمع..كما يجب أن يكون هناك مادة للتربية، للقيم، للأخلاقيات، وللمعاملات..

الحقيقة أن الدولة تركت التعليم ليسقط فى قبضة القطاع الخاص، وقضت على التعليم الحكومى المدرسي والجامعى بعكس كل دول العالم المتحضر..

ولا يجب أن نلقى اللوم على الأباء والأمهات الذين بحثوا لأبنائهم عن جامعات خاصة ومدارس أجنبية أملا فى تأمين مستقبلهم بتعليم محترم له قيمة حقيقية، وصدقونى لو قلت لكم أن أغلب هؤلاء الأسر هم من الطبقة المتوسطة الكادحة، تلك الطبقة التى داستها الحكومة دون رحمة!، مواطن متوسط الدخل يبحث عن طريق المدخرات والقروض عن مستقبل أفضل لأبنائه، ثم تأتى الجامعات والمدارس فى ظل تعويم الجنيه لتضع يدها فى جيوب الركاب وتنشلهم مرة تانية وتالتة!..

فهاهى المدرسة الألمانية الإنجيلية بالقاهرة ترفع المصاريف وتجبر أولياء الأمور على دفع 35% زيادة عن مصروفات العام السابق وتجبر الأهالى على التوقيع على موافقة مكتوبة (واللى مش عاجبه يمشي!)..

وها هم أولياء الأمور بالمدرسة البريطانية يطرقون باب الإعلام والصحافة ليشكون ضعف حالهم أمام غول جشع المدارس..

أما أولياء أمور طلبة الجامعة الأمريكية وهى الجامعة التى تقع على أرض مصرية وتوصيفها على الورق أنها جامعة غير طامحة إلى الربح!..فكانوا الأكثر شغبا، لقد طرقوا أبواب المحاكمطالبين الغوث بعد وصول المصاريف إلى 260 ألف جنيه سنويا!..وبالفعل فازوا بمنطوق الحكم الذى يُجبر الجامعة بأن تُحصل المصاريف بالجنيه المصرى بل وبسعر الدولار قبل تعويم الجنيه.. وهو بالمناسبة حكم يخضع لإشراف وزير التعليم العالى!..

هكذا أشرقت أسارير أولياء الأمور واستبشروا خيرا، فإذا بالجامعة تتحدى كل الأعراف وتقر مصروفاتها بالجنية المصرى كالآتى: 147 ألف جنيه مصرى للفصل الدراسي الواحد فى كل الكليات ماعدا الهندسة وهى 167 جنيه للتيرم!..(وزغرطى يا إنشراح)!.

أين وزير التعليم العالى من هذا التحدى؟ أين الرقابة على المدارس والجامعات؟ وأين الدولة التى أتاحت لهذه المدارس والجامعات فرصة الإبتزاز بهذه الطريقة الغير مبررة..

التعليم رسالة..التعليم يخضع لمنظومة غير ربحية..التعليم هو مسئولية الدولة..

والتقصير فى تلك المسئولية ليس ذنب مواطن يبحث لأبنائه عن فرصة أفضل فى ظل غياب التعليم المحترم ولكنه ذنب يجب أن تدفع ثمنه الحكومة ووزيري التعليم..

إلى المحترمين وزيري التربية والتعليم والتعليم العالى..الغوث يا سادة..إنقذوا المواطن البائس من براثن عصابات التعليم..أنتما الأمل فى ظل هذا النفق المظلم وهذه فرصتيكما لتحقيق الحُلم..فهل من مجيب؟!..