عاطف بشار يكتب : التحرش الدينى.. عن الذى يفعله المدعو عبد الله بدر

مقالات الرأي


أنصف القضاء الفنانة «الفنانة إلهام شاهين» بحكمه الأخير بحبس الشيخ «عبد الله بدر» سنة مع الشغل والنفاذ ضمن سلسلة من الدعاوى القضائية الأخرى التى تنتظره منها التشهير وتركيب صورة وجه الفنانة على جسد فتاة أخرى.. وقضية انتحال صفة أستاذ فى العلوم والتفسير بجامعة الأزهر.. وقضية التهديد بقتلها عبر شاشة القناة التى يظهر من خلالها.. وقضية ازدراء الأديان حيث يصف نفسه بالداعية الإسلامى ثم يظهر على الفضائيات ليسب الناس فى أعراضهم.. فيسىء إلى الدين الحنيف الذى يدعو إلى عفة اللسان ومكارم الأخلاق..

والحقيقة أن الحكم جاء منصفاً ليس لإلهام شاهين فقط بل للفن ولجموع الفنانين ولحرية الإبداع..

كان «عبد الله بدر» قبل صدور الحكم يمارس التحرش بالفن والفنانين على طريقة «كن شتاماً فظاً» تصبح نجماً شهيراً بالفضائيات.. تتسابق القنوات التليفزيونية لاستضافتك لتواصل معزوفة الألفاظ البذيئة والتطاول الوقح والعداون الهستيرى على كل من يطرأ على ذهنك من شخصيات تتصورها هلاوسك السمعية والبصرية أنها تروج لرذيلة أو تمارس فاحشة أو ترتكب خطيئة.. ولم لا وقد نصبت نفسك حارساً على أبعدية الأخلاق والمثل والفضائل وحامياً لتعاليم الدين ونواهيه.. وبالفعل صار الشتام الذى سب وقذف الفنانين قذفاً مفزعاً وخاض فى شرفهم وأعراضهم خوضاً مزرياً وبشعاً.. وأخرجهم من الملة مكفراً إياهم كفراً بيناً.. وتوعدهم بعذاب نار جهنم.. وسوء العاقبة فى يوم الزحام.. صار هذا الشيخ منتشراً على شاشات الفضائيات يحاوره الإعلاميون فيزداد غلواً وصلفاً ويوغل فى الشطط.. ويصر على أن ما اقترفه من تطاول بذىء هو عين الصواب والحكمة.. وكأنه يؤدى رسالة سامية، ويسعى إلى هدف نبيل لخدمة الإنسانية ولصالح الفضيلة المستباحة على أيدى المارقين والفاسدين من أهل النار أولئك المشخصاتية الفاجرون.. ومن ثم فإن ما قام به من هجاء رخيص وقذف منحط ما هو إلا ما أطلق عليه مصطلح «توصيف شرعي».. أى وصف الشىء على ما هو عليه.. فأى غرابة إذاً أن يصف الداعرة بأنها داعرة والديوث أنه ديوث؟!.. بل إنه يرى مستنكراً ومشمئزاً أنه من العار أن يغضب الغاضبون من الوصف ولا يغضبون من الفعل.. أليس من الصفاقة أن يجاهروا بالمعصية وتنقلب الآية ويصبح الأطهار من أمثاله متهمين؟!.. أولى بهم أن يتوبوا إلى الله بدلاً من مهاجمته.. وهى النصيحة التى وجهها إلى الفنانة «إلهام شاهين» التى اتهمها بالزنى صائحاً: اقفلى عليك بابك وتوبى.. وأتذكر أنه فى الحلقة التى استضافه فيها الإعلامى «وائل الإبراشي» فى برنامجه «الحقيقة» سأله عن دليله على زنى الفنانة.. فأشهر فى مواجهة عدسة الكاميرا صورة فوتوغرافية تضمها مع ممثل فى أحد الأفلام تتبادل معه القبلات.. فلما عاود الإبراشى التساؤل ذاهلاً: هل هذا زنى؟!.. قال الشيخ إنه مقدمات زنى وتحريض مباشر على الرذيلة تدعو إليه فى أعمالها الفنية الماجنة.. ولا يقتصر الأمر عليها وحدها فالشيخ «سيد درويش» على شاشة السينما يحتسى الخمر.. ورجل الدين فى فيلم «الزوجة الثانية» فاسد.. وهكذا فإن الرجل لا يفرق بين الشخصية الدرامية على الشاشة التى يؤديها ممثل أو ممثلة وبين الشخصية فى الواقع.. فإلهام شاهين حينما تمثل دور «إمرأة لعوب» فهى لعوب.. وكرم مطاوع حينما يؤدى دور الشيخ «سيد درويش» فعليه أن يلتزم بنواهى الدين.. فالحلال فى الواقع لابد أن يكون حلالاً فى الفن.. والحرام فى الواقع لابد أن يكون حراماً فى الفن.. وبالتالى إلغاء عالم الفن الافتراضى والخيالى.. وجعله مشابهاً للعالم الواقعى.. أى ببساطة وجرة قلم وباسم الجهل وبمساندة التخلف إلغاء الفن ذاته.

ويطرح السؤال نفسه: لماذا الفن وأهله مستهدفون من مشايخ القنوات الفضائية؟!.. ولماذا التصعيد العدوانى والفج ضدهم؟! فقد سبق للشيخ «خالد عبد الله» أن سب الفنانة «هالة فاخر» مردداً لها «أنت مش متربية» أما عبد الله بدر فقال عن «إلهام شاهين» أنها ملعونة وفاجرة فماذا قدمت لفتيات المسلمين غير الزنى والفجور.. وكم ممثلاً احتضنها وقبلها واعتلاها فى أفلامها ومسلسلاتها؟!

هل تفسير هذا الهجوم العنيف على الفن والفنانين – كما استنتجت الكاتبة الصحفية «دعاء سلطان» لأن أضعف وأنعم وأرق ما فى مجتمعنا هو حلقة الفن.. فليبدأ الهجوم منها وإهانتها وتشويهها.. وكسر شوكتها.. باعتبار أن شيطان الفن يقف حائلاً بينهم وبين الله.. لأنه يحرض من وجهة نظرهم على الرذيلة ويحض على الموبقات فهو سبب كل البلاء ومصدر كل الشرور.. ومحرك كل الغرائز..

إنهم يكرهون الفن كما يكرهون المرأة أستاذة الشيطان التى تتحول إلى وقود جهنم حينما تقوم القيامة وتحين ساعة الحساب.. وتحشد أوراق التكفير الصفراء كل أسلحتها لتكفيرها.. وتمتلئ الأرصفة بكتب التحريم التى من ضمن عناوينها.. لم النساء من أهل النار ويسعى فيها مؤلفوها استناداً إلى تلك الفتاوى الرجعية إلى تحويلها إلى خيمة متحركة تخفى داخلها أى إشارة إلى جنسها.. بل أى دليل على طبيعتها ككائن بشرى له ملامح إنسانية حتى تثير غرائز الرجل «ذلك الحيوان الشبق المتحفز دائماً للوثوب على الفريسة».. فهى عورة كلها عورة من رأسها حتى أخمص قدميها.. حتى أن أحدهم أفتى أن وجهها مثل فرجها عورة.. وبالتالى فإن وجودها فى الحياة ليس إلا وجوداً جنسياً كوعاء لتفريغ الرغبة.. كما يسعون إلى عودتها إلى المنزل لا تبرحه إلا إلى القبر.. ونفيها من فردوس الولاية لأنها تحيض..

ومن ثم هنا فإن الشيخ الشتام «عبد الله بدر» هو فى حقيقة الأمر «متحرش ديني» أباح لنفسه العدوان اللفظى على المرأة ممثلة فى «إلهام شاهين» بصفتها كائناً دونياً محرضاً على الفسق والفجور وتستحق النبذ والاحتقار واللعنة والتأديب والتقويم باسم الفضيلة.. ولم لا وقد نصب نفسه حارساً على أبعدية المثل وحامياً لتعاليم الدين ونواهيه..

لكن فى النهاية فقد رفض القضاء تلك الوصاية وجرمها.. وأثبت بحكمه العادل جهل هؤلاء الشتامين الواضح والفاضح بجوهر الدين الذى كرم المرأة وقدرها.. ولم يناصب الفن العداء.