محمد مسعود يكتب: شىء لله يا ست

مقالات الرأي



حكايات من مقام "رئيسة الديوان" السيدة زينب


جاء الزائرون من كل البقاع، تركوا منازلهم.. افترشوا الشوارع.. وتلحفوا بالسماء، رضوا بحرارة الجو صباحا، وارتضوا ببرودته ليلا.

لم تمنعهم مشقة، أو تبعدهم مسافة، فلا سبيل لمنع المحب الحقيقى عن الزيارة.. سوى الموت.

يدهشك المحبون، بحبهم، قد تختلف الطريقة، بين وعى وجهل، بين من يقبل الأرض ويطلب الشفاعة لتحقيق أمنية أو رزق، وبين من يقرأ الفاتحة على الروح الطاهرة، وعلى جدها الرسول الكريم وآل بيته الكرام.

لكن.. يبدو الجميع أمام مقام «الطاهرة» سواسية، لا فارق بين طالق دعاء، أو مجذوب، فلكل فى دروب المحبة.. مسالك.

وما إن تصل إلى مسجد السيدة زينب ترى أنها تزينت كالعروس لاستقبال مريديها، المسجد يشع نورا وقبرها تفوح منه رائحة العطر والمسك التى تستقر فى نفسك وبدنك من الوهلة الأولى، ناهيك عن الراحة النفسية وأنت فى حضرة حفيدة رسول الله وأخت الحسن والحسين عليهما السلام.

كانت رضى الله عنها، متعبدة متهدجة، لم ترفع أكف دعائها لغير الله، حتى فى أشد الليالى كربا وهى ليالى كربلاء، ولها دعاء شهير محفور على احدى اللوحات داخل المسجد: «يا عماد من لا عماد له، ويا ذخر من لا ذخر له، ويا سند من لا سند له، يا حرز الضعفاء ويا كنز الفقراء ويا سميع الدعاء.. يا منجى الغرقى.. يا منقذ الهلكى.. يا محسن يا منعم يا متفضل.. أنت الذى سجد له سواد الليل وضوء النهار وشعاع الشمس وحفيف الأشجار ودوى الماء يا الله.. اللهم إنى أسألك يا عالم الأمور الخفية ويا من الأرض بعزته مدحية ويا من الشمس والقمر بنور جلالته مشرقة.. يا مسكن رعب الخائفين يا من حوائج الخلق عنده مقضية يا من ليس له بواب ينادى ولا وزير يؤتى ولا يزداد على الإلحاح إلا كرما وجودا أعطنى سؤلى إنك على كل شىء قدير».

عند صلاة الفجر فى مسجد السيدة زينب، تجد من ينام فى أمنها، هاربا من هم وغم.. وفقر ودين، لم يجد ملاذا سوى بابها، هؤلاء الذين منعتهم دنياهم عن فروضهم، لكن فى النهاية هم مجرد أقلية فى ساحة عامرة بالأحياء، الذين أحيا الله قلوبهم بذكره وجاءوا للصلاة والتبرك ببركة صاحبة المقام ورئيسة الديوان.

وتجد شيخا كبيرا يكاد يتجاوز السبعين، ممتلئًا بدرجة كبيرة، يأتى يوميا بسيارته الفيات 128، يجلس إلى جواره شخص يقودها، ينزلان أمام المسجد، يعرفه الجميع يحيونه تمام التحية، بحق قدره ومقداره لديهم، ثم يخرج من السيارة المئات من أرغفة الخبز الساخن والطعمية والجرجير، توزع كصدقة يومية على المصلين داخل المسجد وخارجه، وبمجرد دخوله إلى المسجد.. يقول: «السلام عليكِ يا مشيرة يا رئيسة يا عظيمة.. السلام عليكِ يا ست.. اللهم صل أفضل صلاة على أفضل مخلوقاتك».. وتستمر الأناشيد حتى يقيم المؤذن لبداية الصلاة».. وبدء يوم جديد من عام جديد ينتظر فيه عشاق السيدة عيد مولدها بفارغ الصبر.

وجاء فى كتاب مراقد أهل البيت فى القاهرة للكاتب السيد الرائد محمد زكى إبراهيم، إن السيدة زينب دخلت إلى مصر فى أوائل شعبان سنة 611 من الهجرة، ومعها فاطمة وسكينة وعلى أبناء الإمام الحسين، واستقبلها أهل مصر فى (بُلْبَيْس) بُكَاةً معزِّين، واحتملها والى مصر (مسلمة بن مخلد الأنصارى) إلى داره بالحمراء القُصوى عند بساتين الزهرى (حى السيدة الآن).

 وكانت هذه المنطقة تسمى (قنطرة السباع) نسبة إلى القنطرة التى كانت على الخليج المصرى وقتئذ، فأقامت بهذه الدار أقل من عام عابدة زاهدة تفقه الناس، وتفيض عليهم من أنوار النبوة، وشرائف المعرفة والبركات والأمداد، حيث توفيت فى مساء الأحد (15 من رجب سنة 62هـ)، ودفنت بمخدعها وحجرتها من دار (مَسْلَمَةَ) التى أصبحت قبتها فى مسجدها المعروف الآن.