عادل حمودة يكتب: حوارات فى واشنطن مع مستشارى الرئيس الأمريكى

مقالات الرأي



روبرت ماكفارين مستشار الأمن القومى الأسبق:
■ نسعى لإعادة العلاقات مع مصر إلى المستوى الذى كانت عليه أيام ريجان وكارتر!

وليد فارس مستشار ترامب المرشح سفيرا فى القاهرة:
■ ننتظر شيخ الأزهر وبابا الأقباط للتحدث عن الإرهاب فى الكونجرس!
■ لا أخشى على ترامب من المعارضة الشرسة ولكنها تعطل مراجعة الملفات الأمريكية فى إيران وسوريا واليمن وفلسطين!

أخبار الغد من العاصمة الأمريكية:
■ تحالف عسكرى وسياسى يضم مصر وإسرائيل ودول الخليج والأردن والمغرب يعيد التوازن والاستقرار فى الشرق الأوسط
■ مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية خلال ثلاثة شهور جديدة تشارك فيها دول هذا التحالف


دون حفر أو تنقيب.. يسهل اكتشاف لغة مشتركة فى عبارات الرئيسين عبد الفتاح السيسى ودونالد ترامب.. إذا لم تتطابق الكلمات.. توافقت المعانى.

يستخدم السيسى جملة أهل الشر فى الإشارة إلى خصومه بينما يطلق ترامب على أعدائه الناس السيئة.

وبينما يصف السيسى مصر بأم الدنيا مؤكدا أنها هتبقى قد الدنيا يعلن ترامب أنه سيجعل أمريكا دولة عظيمة جدا.

ويشكو السيسى من الميديا ويطالب بضبطها لكن ترامب يصفها بصناعة الأخبار الزائفة وإن لا يحاكم من يتورط فيها.

ويشترك الرئيسان رغم اختلاف أصولهما المهنية فى الإيمان بأهمية المؤسسة العسكرية ويؤمنان بأنها مبعث القوة التى تختصر الطريق لتماسك الدولة الوطنية فى مواجهة مؤامرات إضعافها وتراجعها وتقسيمها.

وبجانب سرعة تفاعلات الكيمياء بين الرجلين يجب ملاحظة أنه لم يحدث منذ سنوات طوال أن جلس هذا العدد من المسئولين الأمريكيين فى مباحثات رسمية، كما حدث لمباحثات السيسى فى البيت الأبيض التى جرت لمدة ساعة بعد 15 دقيقة من اجتماعه المنفرد مع ترامب.

وسجلت زيارة السيسى لواشنطن رقما قياسيا فى عدد الأيام وجدول المقابلات التى شملت المؤثرين فى صناعة القرار الأمريكى.. من الرئيس إلى الكونجرس.. ومن البنتاجون إلى التليفزيون.. ومن مراكز الدراسات الاستراتيجية إلى الشخصيات العامة ورموز الجمعيات الأهلية.

وتابعت الدنيا الزيارة بشغف لم تحظ به زيارة رئيس مصرى منذ وقع السادات على معاهدة الصلح مع إسرائيل قبل نحو 38 سنة.

وبقدر ما صدق الجميع أن الروح قد دبت من جديد فى العلاقات بين البلدين بقدر ما آمنوا بأن السياسة الأمريكية عادت بتأثير مباشر من الجنرالات إلى اهتمامها بالشرق الأوسط بعد أن تجاهلها أوباما متجها للشرق الأقصى تاركا إسرائيل وحدها فى الساحة لتعبث بالمصالح الأمريكية والعربية معا ومتحفزة للقوة الإيرانية الصاعدة دون أن تتورط وحدها فى مواجهتها.

لكن.. ما الذى ينتظر المنطقة من تغيرات وتحولات وتحالفات بعد ما جرى لها؟

سمعت إجابة من روبرت ماكفارين، مستشار الأمن القومى الأسبق، وسجلت رؤية وليد فارس مستشار ترامب وتبادلت كلمات خاطفة مع السيناتور جون ماكين.

كان جون مكين بصفته رئيس اللجنة العسكرية فى مجلس الشيوخ قد التقى السيسى هو والسيناتور ليندسى جراهام رئيس لجنة المساعدات الخارجية فى المجلس نفسه وهما جمهوريان متشددان فى قضية حقوق الإنسان ولم يكن اللقاء قبل مغادرة السيسى واشنطن مريحا.

كانت هذه القضية منصة إطلاق النار على مصر فى مقالات الرأى، وتصريحات المسئولين السابقين فى إدارة أوباما غير متفهمة لما تتعرض له مصر من هجمات إرهابية شرسة تهدد تماسك الدولة.

وتحولت آية حجازى إلى أيقونة الحملة حتى إن واشنطن بوست نشرت صورتها بحجم بارز وهى تضع يدها على خدها وراء أسوار السجن وتنظر إلى مستقبل مجهول.

وكانت آية التى تحمل الجنسية الأمريكية قد اتهمت باستغلال أطفال الشوارع فى أعمال غير مشروعة من خلال جمعية غير مشهرة وحبست احتياطيا هى وزوجها وستة آخرون منذ سبتمبر 2014 حتى برأتهم محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد الفقى يوم الأحد قبل الماضى.

وخفف الحكم بلا شك من الضغوط السياسية والإعلامية علينا فى وقت يستعد فيه الكونجرس لمناقشة المساعدات العسكرية لمصر وإن ظلت قضية التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية المتهم فيها 19 ناشطا أمريكيا من بينهم سام ابن آدم لحود وزير النقل الأسبق حاضرة وشاخصة، رغم أن القانون يسمح لهم الآن بتوكيل محام للدفاع عنهم دون حضورهم لكنهم لم يفعلوا ذلك بل ولا يرغبون فيه وينتظرون عفوا رسميا بلا محاكمة.

وكانت مصر قد طالبت بزيادة المعونة العسكرية «1.3 مليار دولار سنويا» بعد أن تضاعفت أسعار السلاح وقطع الغيار عشر مرات ولكن مع تخفيض ميزانية المساعدات الخارجية بنسبة 28% أصبح علينا استخدام ما نملك من وسائل ضغط فى واشنطن للحفاظ على المستوى الحالى للمعونة مع إمكانية الشراء بالأجل طبقا لمبدأ كاش فلو وهو أمر ممكن فى ظل إعلان ترامب دعمه المطلق لمصر ولوجود أغلبية جمهورية فى الكونجرس.

لكن.. الأهم كما سمعت من روبرت ما كفارين أن هناك رغبة فى غالبية المؤسسات الأمريكية المؤثرة فى إعادة العلاقات مع مصر إلى المستوى الذى كانت عليه أيام رونالد ريجان وجيمى كارتر.

وماكفارين ضابط بحرى سابق.. خدم فى فيتنام.. حصل على دراسات استراتيجية عليا.. عين مساعدا عسكريا لهنرى كيسنجر قبل أن يختاره ريجان ممثلا له فى الشرق الأوسط تمهيدا لتوليه منصب مستشاره للأمن القومى.

يشرح ماكفارين ما يقصد قائلا: إن العلاقات يجب أن تكون أكثر عمقا واستقرارا من العلاقات الاستراتيجية بحيث تتوافق وتتعارف فيها الشعوب قبل السلطات.

إن لا أحد يناقش العلاقات الأمريكية الأوروبية أو العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لأنها علاقات تجاوزت الحدود الرسمية ووصلت إلى عمق التفهمات البشرية والحضارية ونحن نعرف مصر الفرعونية التى ندرسها فى المراحل الأولى للتعليم لكننا لا نعرف مصر الحديثة بسبب ستائر الدخان التى يخفيها الإرهاب وراء تفجيراته وبسبب قصور المؤسسات الدينية والبرلمانية فى شرح طبيعة النظام السياسى القائم فى مصر وتحديد أهدافه وأحلامه.

لا يبتعد وليد فارس كثيرا عن هذه الرؤية.

ووليد فارس هو الاسم العربى الوحيد الذى ظهر فى حملة ترامب الانتخابية وسبق أن ساند ميت رومنى فى الانتخابات الرئاسية السابقة قبل أن يحاضر فى الكونجرس عن الإرهاب والجهاد وتنوعت خبراته فى عدة هيئات أمريكية منها الخارجية والعدل والأمن القومى بصفته عليما بشئون الشرق الأوسط وهناك توقعات قوية بترشحه سفيرا للولايات المتحدة فى القاهرة.

لم يفاجأ فارس بالحفاوة التى استقبل بها ترامب السيسى، فقد شعر بها خلال لقائهما الأول فى نيويورك وكان ترامب لا يزال مرشحا ويعانى من هجمات شرسة من جميع الجهات وخلال الحملة الانتخابية جاء فارس إلى القاهرة طالبا دعم مرشحه بتخفيف حدة هجوم إسرائيل عليه ونجحت الوساطة خاصة بعد أن قدرت إسرائيل لمصر ترميم الآثار اليهودية فيها.

يرى فارس أن ما بين السيسى وترامب يسهل حله، وكما وعد ترامب سيصل فى دعم مصر إلى الحد الأقصى ولكن ما غير ذلك من أمور فرضتها الإدارة السابقة فلابد من التوافق مع الكونجرس على تغييرها وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الجهد ليثمر خاصة أن الأغلبية للجمهوريين بجانب مجموعة كبيرة من الديمقراطيين وهم يرغبون فى إعادة الدفء إلى العلاقات المصرية الأمريكية.

وبصريح العبارة يضيف فارس: أعتقد أننا بحاجة لبعض الوقت لإقناع الكونجرس بمساعدة الإدارة الجديدة على تنقية الشوائب الثقيلة التى سدت مجارى المياه بين البلدين.

كان فارس قادما من لقاء السيسى مع رموز المجتمع الأمريكى فأضاف: قلتها اليوم للرئيس.. الرأى العام المصرى يجب أن يكون طرفا فى المعادلة الجديدة.

ويستطرد: لنبدأ بالبرلمان الذى انتخب.. أن تأتى وفود منه فى زيارات لا تتوقف.. وتلتقى لجانه الخارجية باللجان المشابهة فى الكونجرس.. ونحن فى حاجة لسماع صوت مؤسسات لها دور فى مواجهة الإرهاب والتطرف مثل الأزهر.. نريد فى أمريكا أن نتعلم كيف نميز بين المتطرفين وغير المتطرفين.. نحن فى حاجة ملحة لذلك حتى لا نتهم كل المسلمين بالإرهاب.. وقد التقيت شيخ الأزهر الإمام الطيب وتحدثت معه باللغة الفرنسية التى يجيدها بعد حصوله على الدكتوراه من السوربون وطلبت منه أن يأتى ويتكلم فى الكونجرس ويتكلم مع الجاليات العربية والإسلامية لتوعيتها ودعمها.. وليأت أيضا البابا تواضروس ليكمل البرنامج نفسه.

الرئاسة.. البرلمان.. المؤسسات الدينية.. يجب أن تتكامل.. لتتمكن مصر من التأثير هناك.. ويومها تصبح القرارات الأمريكية التى تصدر لصالحها أسهل.

وتتحدث واشنطن عن تحالف جديد فى الشرق الأوسط يضم الكتلة المعتدلة (مصر وإسرائيل ودول الخليج والأردن والمغرب) وتحيى زيارة وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس الحالية للمنطقة مشروع القوة العسكرية المشتركة لمواجهة إيران التى يرى أنها وراء كل الكوارث التى تتفجر فى المنطقة.

كما تتحدث واشنطن عن احتضانها لمفاوضات فلسطينية إسرائيلية جديدة خلال ثلاثة شهور، ولكن بحضور ممثلين كبار عن الدول المشاركة فى التحالف الجديد تمهيدا لتطمين الدول المؤثرة فى أوروبا وآسيا بجانب الحصول على دعم مجلس الأمن.

لكن.. هل تسمح المعارضة الأمريكية الشرسة والمتزايدة لترامب أن يحقق ذلك؟

أجاب وليد فارس: أذكر أيام الرئيس بوش أن المعارضة لسياساته كانت عنيفة خاصة عندما دخل العراق.. ولكن.. رغم ذلك أعيد انتخابه.. وبالنسبة لترامب هذه المعارضة تعاظمت لاسيما أنه يريد تغييرا حقيقيا فى البلاد.. ما يجرى لا أقول أنه طبيعى وإنما استثنائى.. لكن لدينا مؤسسات قوية ديمقراطية.. هو أمامه أربع سنوات يحكم فيها ومعه أكثرية فى الكونجرس وربما زادت بعد التجديد النصفى.. من هذه الناحية لست قلقا.. أنا قلق على تعطيل الملفات القوية بسبب هذه الصراعات.. مثل مراجعة الملف الإيرانى والدور الأمريكى فى سوريا واليمن وفلسطين.. وربما يبدو من الإعلام التقليدى أن موقف ترامب ضعيف ولكنه يستخدم بنجاح شبكات التواصل الاجتماعى وله على التويتر عشرات الملايين الذين يدعمونه ويمكن وصفهم بالأغلبية الصامتة.. لقد كسب ترامب بالتويتر وسيستمر وينجح بالتويتر.

لقد تغيرت واشنطن مستجيبة لتطورات العصر فهل نتطور نحن أيضا لنتفاعل معها ؟