منال لاشين تكتب: قانون الأزمة مع القضاة فى مهب الريح

مقالات الرأي



■ الطعن على نشر الرئيس السيسى للقانون فى الجريدة الرسمية حتى تنظر القضية أمام مجلس الدولة

■ فى الدعوى مخاوف من غياب المعايير وتدخل الأمن فى الاختيار

■ مجلس الدولة يحيل دعوى ببطلان 5 مواد من قانون السلطة القضائية للمحكمة الدستورية

■ القضاة الذين يحاكمون رئيس الجمهورية ويشرفون على انتخابه لا يجب أن يعينوا من قبل الرئيس


فى لحظة تصور مجلس النواب أو بالأحرى قياداته أنه يمكن أن يحسم معركته مع القضاة فى دقائق. ولم يتصوروا أن تصويته أو تمرير قانون الأزمة مع القضاة كان مجرد فصل من فصول الأزمة. ذهب القانون إلى الرئيس ووقع عليه ونشر فى الجريدة الرسمية. وتنفس البعض الصعداء واعتبر أن الملف طوى إلى الأبد. ولم يتصوروا أن النشر فى الجريدة الرسمية سيكون أول الخيط لفصل جديد ومهم وربما حاسم لأزمة قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية.

القانون يضع قواعد جديدة ومخالفة للأعراف القضائية لاختيار رؤساء الهيئات القضائية. فقد منح وللمرة الأول لرئيس الجمهورية اختيار رؤساء الهيئات القضائية. بينما كان الوضع السابق يترك الأمر للهيئات نفسها وبحسب الأقدمية. وكان دور رئيس الجمهورية مجرد التصديق على القرار والنشر فى الجريدة الرسمية.

ويعلم الكثيرون ممن سعوا لسكب النار على البنزين أن القضاة لا يفضلون التظاهر ولا يقبلون رفض القوانين. فهم القائمون على تنفيذ وإعمال القانون. ومن الصعب تصور أن ينقلب القضاة على قانون أو يرفضوا تنفيذه. ولذلك تصور أنصار القانون الجديد أن القضية انتهت بنشر القانون فى الجريدة الرسمية.

ولكننا الآن أمام صفحة جديدة أو جولة جديدة فى هذا الملف الساخن. جولة قضائية لم يشارك فيها القضاة، ولم يسعوا إليها. ولكنهم سيحكمون فيها طبقا للدستور والقانون.

فمنذ أيام أقام المحامى الكبير والفقيه الدستورى عصام الإسلامبولى دعوى قضائية أمام مجلس الدولة.

ولمن يعرف فإن عصام لم يدخل قضية إلا وكسبها وله مع قوانين السلق والظلم جولات سابقة ناجحة. أسقط الإسلامبولى بقضايا من قبل انتخابات محليات ومجلس شعب فى نظام مبارك.

ولذلك على الجميع أن يحبس أنفاسه وينتظر مفاجآت فى هذه القضية. فالدعوى نفسها تحمل مفاجآت.

فطبقا للقانون فإن الطعن على القوانين لا يكون أمام مجلس الدولة، لأن مجلس الدولة يختص بالطعن على قرارات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء وكل القرارات الإدارية.

ولذلك من الصعب تصور ذهاب الإسلامبولى إلى محكمة القضاء الإدارى للطعن على القانون. ولكن المحامى الكبير استند فى دعواه إلى قيام رئيس الجمهورية بنشر القانون فى الجريدة الرسمية، لأن هناك أحكاما من المحكمة الإدارية العليا تعتبر النشر عملا ماديا وقرارا إداريا. وقد استند المحامى الكبير على هذه الأحكام لتقديم دعواه للقضاء الإدارى لأن قرار الرئيس بنشر القانون فى الجريدة الرسمية يعد بمثابة قرار إدارى قابل للطعن أمام القضاء الإدارى.

ويطالب الإسلامبولى بإحالة خمس مواد من قانون السلطة القضائية الجديد للمحكمة الدستورية العليا لأنها من وجهة نظره مخالفة للدستور.

ويستند الإسلامبولى إلى مواد عديدة فى الدستور تؤدى إلى نسف المواد الخمس أو بالأحرى نسف القانون وأهدافه وإعادة الوضع إلى ما هو عليه.

على رأس المواد الدستورية التى استند إليها المحامى الكبير تأتى المادة (5) من الدستور وهذا نصها: «يقوم النظام السياسى على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة واحترام حقوق الإنسان وحرياته على الوجه المبين فى الدستور»

فالفصل بين السلطات هو قاعدة دستورية لا يجوز خرقها بحجة أن مجلس النواب يمتلك سلطة التشريع.

وبحسب الدعوى فإن اختيار رئيس الجمهورية وهو رأس السلطة التنفيذية فى الدستور لرؤساء الهيئات القضائية هو خرق واضح وصريح للفصل بين السلطات. واختراق لقاعدة دستورية أخرى هى استقلال القضاء. وهذا الاستقلال منصوص عليه فى مواد الدستور.

فانفراد رأس السلطة التنفيذية باختيار رؤساء الهيئات القضائية هو خلط بين السلطتين التنفيذية والقضائية من ناحية، وتوغل السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية على السلطة القضائية ممثلة فى رؤساء الهيئات القضائية من ناحية أخرى، وانتهاك صريح لاستقلال القضاء من ناحية أخرى.

وتتعرض الدعوى القضائية إلى تعارض مصالح واضح وخطير فى منح رئيس الجمهورية سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية. فبعض رؤساء هذه الهيئات يشكلون جزءا من المحكمة المختصة بمحاكمة رئيس الجمهورية بحسب الدستور. وآخرون لديهم سلطات على الانتخابات ولو بشكل غير مباشر، وذلك سبب إضافى لرفض القانون الجديد.

ويمنح القانون الجديد لرئيس الجمهورية سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية من بين ثلاثة مرشحين يقدمهم أعضاء الهيئات القضائية.

وبحسب الدعوى فإن عدم وجود معايير قانونية واضحة مثل الأقدمية أمام الرئيس لاختيار رؤساء الهيئات أمر مقلق، لأنه قد يؤدى إلى تدخل الأمن فى الترشيح أو ما يعرف بالتقارير الأمنية. ولذلك ترى الدعوى أن هذا التدخل يمثل انتهاكا آخر خطير لاستقلال القضاء.

وقد حصلت الدعوى التى أقامها عصام الإسلامبولى على رقم قيد ومن المتوقع أن تحدد لها جلسة عاجلة لأن المحامى قدم فى الدعوى مبررات النظر على وجه الاستعجال. وفى حال موافقة مجلس الدولة على الطلب الموضوعى وإحالة 5 مواد من القانون للمحكمة الدستورية.فمن المتوقع أن تصل المواد للدستورية خلال شهر.

وبعيدا عن الدعوى القضائية المهمة، فمن المتوقع أن يؤثر القانون على وضع مصر فى عدد من المؤشرات السياسية والاقتصادية معا، وهذه المؤشرات العالمية تصدر عن مؤسسات دولية وتشمل كل دول العالم وليس مصر فقط، وتستند بعض هذه التقارير على القوانين، وستعتبر اختيار رئيس الجمهورية لرؤساء الهيئات الاقتصادية تقليلا من استقلال القضاء.