محمد حسن عبدالله يكتب: هامش على دراسة لم تنشر حول التجربة

ركن القراء

محمد حسن عبدالله
محمد حسن عبدالله


سبقت الإشارة إلى أن دراسة الماجستير بعنوان "الريف في القصة المصرية" لم أعمل على نشرها ، ربما لتطلعي إلى أن تكون على صورة أكمل ، أو أجود ، ثم تجاوزها الزمن، فكسلت عنها . مع هذا أسجل لزمن كتابتها إيجابيات بحثية وشخصية ، ربما أجد فائدة في ذكرها بهذا الهامش.
 
فقد عرفت – من خلال تقليبي عن الريف – بوجود كتاب بعنوان: " الفلاحون " تأليف : الأب عيروط اليسوعي !! ولك أن تقدر وقوع هذا الاسم على مخيلة ( أزهري قديم ) فكان لابد أن أحصل على الكتاب ، ووجدته في مكتبة دار أخبار اليوم ، وفيه ذكر الأب عيروط اليسوعي أن الطفل المصري ( قد يكون ) أذكى طفل في العالم ، حتى بلوغ سن السادسة ، معنى ذلك أن ذكاءه فطري ، بقوة الجينات الوراثية ( كما نقول في زماننا ) غير أن الأب اليسوعي يذكر أن هذا الطفل الذكي ، يتحول إلى البلادة ، وربما الغباء بعد أن يتطبع بسلوكيات مجتمعه ( يقصد مجتمع الفلاحين ) !! وهذه الإشارة – فيما أتصور – تحتاج إلى بحث سيكولوجي، وتصحيح علمي، ولعلي أدعو بهذه المناسبة إلى إعادة طبع كتاب ( الفلاحون ) قبل أن تفقده الذاكرة ، فتذهب ذكراه!!

22- وفي مكتبة دار أخبار اليوم ، ومن خلال تكرار ترددي بحثا عن المواد المتعلقة بالريف كنت أجلس إلى أمين المكتبة ، وحدث أن مرة شابٌ عملاق يوزع منشورا ، ويحصل على توقيع المستلم ( أمين المكتبة ) فلما انصرف الشاب سألني الأمين : تعرف من هذا ؟ قلت : لا أعرف بالطبع ! قال : هذا محمد ابن الأستاذ إحسان عبد القدوس !! أبديت دهشتي ، فقد كان إحسان عبد القدوس صاحب دار روز اليوسف – قبل تأميمها – والأديب والروائي الكبير – رئيسا لمجلس إدارة دار أخبار اليوم في تلك الحقبة ، ومن هنا كان العجب أن يقوم ابنه بدور أحد السعاة ، وهو كبير أبناء رئيس مجلس الإدارة ، ورئيس تحرير أخبار اليوم !! ولكن أمين المكتبة هوّن الأمر عليَّ وقال : هذا اختيار الأستاذ إحسان !! الذي يرى أن ابنه يجب أن يمر بكل مستويات العمل في الدار الصحفية قبل أن يجلس على كرسي أحد مديريها !!

33- وفي مكتبة بحي مصر الجديدة يتبع الكنيسة الكاثوليكية ، رأيت شيخا وجيها وسيما ، معتدل القامة ، مضيء الوجه ، يتحدث في علوم الإسلام ، مع أنه يرتدي ثياب الكهنوت ( الكاثوليكية ) ، وعرفت أن اسمه " الأب قنواتي " !! ظللت أتطلع إليه بدهشة المفاجأة ، إذ أشاهد لأول مرة أن رجل دين ( غير مسلم ) يمكن أن يتحدث عن التراث الإسلامي بكل هذه الدقة العلمية ، واللغة الرصينة المحترمة بين باحثين من أنحاء شتى اجتمعوا في صالة القراءة بالمكتبة ، وكان ختام هذه المفاجأة أن أقبل – من الخارج – رجلٌ يشابه الأب قنواتي في قامته ووسامته – اتجه إليه ، فوقف له الأب ليصافحه ، ويرحب به ، ولكن هذا القادم رفع يد الأب قنواتي ، وقبلها قُبلة خفيفة باحترام عميق !! عرفت - فيما بعد - أن هذا القادم يحمل رتبة لواء ( شرطة ) ، وعرفت اسمه ، ولكني لا أجد أن من حقي أن أفضي به . المهم أن دائرة " الاحترام " و" التقدير العلمي " اتسعت في ضميري لتشمل الأب قنواتي ( وأشباهه ) وسعادة لواء الشرطة ( وأمثاله ) ، وعرفت أن الدنيا بخير ، وستظل كذلك ما ساد فيها الاحترام لأصحاب المقامات أينما كانوا ، ومن أي فج جاءوا.

44- في مناقشة تلك الدراسة التي لم تنشر نشبت مناقشة ساخنة بين الطالب ( الذي هو أنا ) والمناقش الأول وهو الدكتور عبد القادر القط ، حول الرمز في رواية " هارب من الأيام " للأديب ثروت أباظة ، تشبثت برأيي الذي أبديته في رسالتي ، وصمم الدكتور القط على حذف هذه الصفحة بصفة خاصة ، وارتفعت نبرة الحوار فلم يسكتني غير الأستاذ محمد عبد الحليم عبدالله ، الذي كان يجلس بالصف الأول قريبا من موقعي ، فنهض في نصف وقفة وجذب طرف جاكتتي قائلا بلهجته الرقيقة : يا أخي قول حاضر عشان نخلص !! وقلت : حاضر.