أوروبا تطلق أول "مراجعات فكرية" لـ"الدواعش" فى سجونها

العدد الأسبوعي

بروكسل - أرشيفية
بروكسل - أرشيفية


كلمة السر فيها زنزانة "نزع التطرف"

■ بريطانيا توظف مائة داعية إسلامى للعمل فى جوانتانامو «الإنجليزى» وتتعاقد مع 120 آخرين بشكل موسمى.. وبلجيكا تدرب دفعة جديدة منهم


القضاء الحقيقى على "ذئاب" داعش يبدأ من السجون، بهذا الشعار قررت أوروبا صد الضربة الداعشية "المرتدة" إلى أراضيها، وإعلان الحرب "الفكرية" أيضاً على تنظيم "الدولة الإسلامية"، بتجفيف "منابع" التجنيد المستحدثة لصالحه، داخل سجونها ومعتقلاتها، حيث "المفرخة" التى خرج منها قادة ومنفذى أخطر الهجمات التى شهدتها القارة العجوز على مدار ما يزيد على العامين، بعد أن تم تجنيدهم داخل تلك السجون لصالح تنظيم "أبو بكر البغدادى".

مائة داعية و"مستشار إسلامى" تم توظيفهم بشكل دائم فى سجون بريطانيا فقط، بالإضافة إلى 120 آخرين يتم التعامل معهم بشكل موسمى، ويعملون الآن وفقاً لمناهج "مراجعات فكرية " يجرى تطبيقها على السجناء "الدواعش" والمتطرفين المقبوض عليهم، وفقاً لبيانات منسوبة لمصلحة السجون البريطانية.

وذلك بالتوازى مع تصريحات رسمية مباشرة أعلن خلالها وزراء وبرلمانيون أوروبيون، أن أوروبا باتت تخوض حالياً حرباً لـ"تفكيك"الأفكار، ومناهضة التطرف داخل السجون، لا تقل أهميتهاعن الجهود الاستخباراتية والمداهمات التى تقوم بها الأجهزة الأمنية على الأرض، أوالغارات الجوية التى تشنها تلك الدول ضمن قوات التحالف الدولى على معاقل التنظيم فى "الموصل" أو"الرقة".

وفقاً لذلك فإن إجراءات الحد من انتشار الفكر الداعشى داخل سجون أوروبا، تعتمد على استراتيجية عمل "مزدوجة" تبدأ أولاً بتطبيق مايمكن تسميته بـ"المراجعات الفقهية والفكرية " أو"النصح " كما يطلق عليها فى بلجيكا على سبيل المثال، حيث سبق أن أعلن البرلمان قبل عامين عن خطة لمقاومة الفكر المتطرف، سواء بين من تم تجنيدهم لصالح تنظيم "داعش"داخل السجون، أو بين العائدين من معاقل التنظيم فى سوريا والعراق، وأيضاً من خططوا للسفر إلى هناك أو لتنفيذ أنشطة إرهابية داخل البلاد.

يشرف على تطبيق تلك الاستراتيجية داخل بلجيكا التى تضم سجونها مايزيد على 163سجيناً بتهم إرهابية، وزير مكلف بهذا الملف "جو فاندريزرن"، وقد أعلن عن البدء فى تطبيقها مطلع العام الحالى، بحيث يعتمد ذلك الجزء الخاص بـ" المراجعات الفقهية" تسعة من المستشارين الإسلاميين، باشروا عملهم بالفعل مع الإرهابيين داخل السجون البلجيكية، بداية من فبراير الماضى، حيث ينص البرنامج بأن يقضى المستشار الإسلامى ساعتين أسبوعياً مع كل سجين يخضع للبرنامج، فى جلسات "انفرادية".

فيما قاربت دفعة جديدة من الـ"المستشارين الإسلاميين" على إنهاء التدريبات المطلوبة للبدء مباشرة فى عملهم مع المساجين فى السجون البلجيكية، داخل ما أطلق عليه "زنزانة نزع التطرف"، وهى نفس الخطة التى يجرى تطبيقها أيضاً فى سجون بريطانيا والدنمارك وغيرهما من الدول، وفقاً لما هو متداول، فى توقيت مازالت تعانى فيه بلجيكا نقصاً فى الدعاة والمستشارين الإسلاميين فى مقابل أعداد السجناء الدواعش والمتطرفين.

أما الشق الثانى من برنامج مناهضة انتشار الفكر المتشدد، ومنع "التجنيد" داخل السجن فى أوروبا، فيعتمد على آلية لـ"عزل" السجناء "الدواعش" من الذين ثبت بحقهم ممارسة أنشطة "تجنيد" تجاه زملائهم من السجناء الجنائيين، ونشر الأفكار الإرهابية داخل السجون.

وفى إطار ذلك ينظر البرلمان البريطانى تعديل قانون يسمح بإنشاء سجن شديد الحراسة يودع فيه "الدواعش" وأخطر العناصر المتطرّفة، على نمط معتقل"جوانتانامو" الذى أسسته الولايات المتحدة الأمريكية فى كوبا، وقد أطلق على السجن الجديد فعلاً اسم "جانتانامو المملكة المتحدة "، وذلك على أن تتم إضافة وحدتى "عزل" بنفس النمط، للسجناء "الدواعش" والمتطرفين الذين قد يمارسون نشاطاً تجنيدياً داخل عدد من السجون البريطانية الأخرى خلال الأسابيع المقبلة وذلك لضمان عدم اختلاطهم بالسجناء الآخرين.

وعلى ذلك يخضع هؤلاء السجناء لمراجعة كل 3 أشهر يتم خلالها تقييم مستوى الخطر الذى يمثله كل منهم وتحديد ما إذا يمكن إعادته مرة أخرى للزنزانة العادية ويسمح له الاختلاط بالسجناء العاديين، أو يستمر عزله فى قسم "نزع التطرف" مع أقرانه من أعضاء التنظيم والإرهابيين شديدى الخطورة.

وأعلن وزير الدولة لمصلحة السجون التابعة لوزارة العدل فى بريطانيا سام غيما، أن هناك خططاً لإنشاء 3 مراكز شديدة الحراسة بمناهج مايطلق عليها الـ"نصح"للسجناء الدواعش وغيرهم من المتطرفين، أولها سيكون داخل سجن فرانكلاند فى مقاطعة درهام البريطانية، بالإضافة إلى مركزين آخرين شديدى الحراسة، وذلك لإيقاف تجنيد المزيد من الإرهابيين داخل السجون.

الخوف إذن من انتقال "عدوى التطرف" داخل السجون بات هاجساً مرعباً لدى أجهزة الأمن فى أوروبا على خلفية الهجمات التى روعت "القارة العجوز" والعالم بأكمله، وكان منفذوها والعقول المدبرة لها من السجناء الجنائيين المحتجزين على ذمة قضايا متنوعة من السرقة والسطو المسلح والإتجار بالمخدرات خاصة وقد بات واضحاً أن التنظيمات تستهدف تجنيد السجناء الجنائيين وأصحاب السوابق للاستفادة من شبكات علاقاتهم فى العالم السفلى للجريمة فى التحضير للعمليات الإرهابية.

وذلك بداية من "الشبح ذو الألف وجه" كما أطلق عليه، الناجى الوحيد من هجمات باريس نوفمبر 2015ومسئول الدعم اللوجستى للعملية، صلاح عبدالسلام، وكان فى الأصل يدير أحد المقاهى التى صدر أمر بإغلاقه بحكم محكمة، كما تم إلقاء القبض عليه فى عام 2010 وسجن فى بلجيكا بتهم السرقة والإتجار وتعاطى المخدرات.

وفى السجن تحول مسار حياة صلاح عبدالسلام إلى التطرف، وتم تجنيده لصالح تنظيم داعش، بعد أن كان قد امتلك فعليا - بفضل نمط حياته السابق- شبكة من علاقات العالم السفلى، نجح بفضلها فى صناعة غطاء قوى كفل له عدم اكتشاف أمره من جانب أجهزة الأمن الفرنسية والبلجيكية على مدار أربعة أشهر، كما استفاد أيضا من هذه الشبكة ونجح فى توظيفها لصالح المهام المنوط به تنفيذها لصالح عملية باريس، حيث كان عبدالسلام مسئولا عن الدعم اللوجستى للهجمات بالكامل بما فيها تأجير المنازل الآمنة وتأجير السيارات المستخدمة فى العمليات وتوصيل العناصر إلى مواقع التنفيذ وشراء المواد والأدوات اللازمة لصناعة المتفجرات.

وعلى نمط صلاح عبدالسلام، يأتى شقيقه الانتحارى فى العملية إبراهيم عبدالسلام وقد تم سجنه لمدة ثلاثة أشهرفى بلجيكا بتهمة السرقة، وكذلك صديق طفولته عبدالحميد أباعود «أبو عمر البلجيكى» المعروف بـ"جلاد داعش" وهو من قام بتجنيد صلاح عبد السلام ويشار إليه بأنه العقل المدبر للعملية كلها، وحلقة الوصل أيضا بين التنظيم المركزى "الدولة الإسلامية" وشبكة عملائه فى أوروبا، وقد ثبت تورطه فى عمليات للسرقة والسطو المسلح، وقضى بالفعل عقوبة بالسجن فى بلجيكا فى 2010 مع شريكه فى الهجمات وتم تجنيده لصالح تنظيم "داعش" داخل السجن.

نفس الحال مع منفذى هجمات بروكسل خالد البكراوى وقد سبق الحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات بتهمة سرقة باستخدام القوة، وكذلك عمر إسماعيل مصطفاوى، وكان صاحب سجل جنائى حافل ومسجل لدى الشرطة الفرنسية.

ولم يتغير الحال مع منفذى عملية الهجوم على مجلة شارلى إيبدو مطلع 2015، حيث ثبت تجنيد شريف أحد الأخوان كواشى أثناء قضاء عقوبته الجنائية داخل السجن، حيث تعرف أيضا على أميدى كويبالى الضلع الثالث فى العملية ومحتجز الرهائن فى المتجر اليهودى بباريس ،حيث ثبت سجن أميدى كوليبالى، عدة مرات لجرائم السرقة والسطو المسلح كما حكم عليه فى 2002 بعقوبة السجن لـ6سنوات.

تطول قائمة الإرهابيين من الجنائيين السابقين الذين تم تجنيدهم داخل السجون أيضاً، لتشمل سالم بن غانم أحد أهم قيادات داعش الفرنسيين، بعد أن اشتهرلسنوات بتاريخه فى حوادث السرقة والإتجار بالمخدرات بفرنسا، وكذلك محمد مراح منفذ هجمات تولوزومنتوبان الشهيرة فى 2012 بعدما تم تجنيده لصالح تنظيم القاعدة داخل السجن حيث كان يقضى عقوبة بتهمة النشل وارتكاب أعمال عنف.

البريطانى إين ديفيز، قاطع الرءوس الأشهر فى داعش أيضا كان يعمل قبل انضمامه للتنظيم الإرهابى، كسائق قطار مترو أنفاق، ثم تم القبض عليه بسبب تزعمه لعصابة للإتجار فى المخدرات فى لندن، وحكم عليه بالسجن سنتين، حيث كان التحول الأكبر المفاجئ فى حياته، باعتناقه للإسلام وتجنيده لصالح التنظيم، داخل السجن، ليقرر بعد الإفراج عنه الهرب للجهاد فى سوريا.

ووصولاً إلى خالد مسعود منفذ الهجوم على البرلمان البريطانى قبل شهرين، وقد قضى مسعودعقوبة جنائية سابقةعلى خلفية جرائم عنف جسدى، وكذلك أنيس العامرى منفذ حادث الدهس فى سوق عيد الميلاد ببرلين، الذى سبق سجنه فى إيطاليا بتهم التهديد والسرقة.