تجويع المصريين فى البحيرات العذبة برعاية الحكومة

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


كيلو البورى بـ70 جنيها.. والبلطى بـ40 جنيها.. لماذا؟

■ قانون الثروة السمكية بوابة الاستيلاء على أراضى البحيرات والغرامة 10 آلاف جنيه

■ مافيا الأسماك تجفف مساحات واسعة فى خمس بحيرات عذبة فى الدلتا أبرزها البرلس والمنزلة والبردويل

■ دودة مستوطنة فى بحيرة قارون تقتل الأسماك

■ إبراهيم الصياد: «أنا حرامى «زريعة» وقررت أتوب.. المحافظة قالت لأ خليك حرامى أحسن»

■ نقيب الصيادين: مصر أصل السمك البلطى.. والصين سرقته وأنشأت مفرخات على أعلى مستوى

■ 4 تجار متحالفون مع مسئولين بمحافظة كفر الشيخ لاحتكار السوق

■ فساد زريعة جمبرى بـ4 ملايين جنيه بسبب التخزين الخاطئ


هنا بحيرات مصر العذبة، حيث اختلطت رائحة الموت والفقر بوجوه شابة حفر اليأس طرقاً فيها فأصابتها كهولة مبكرة، فبين انعدام فرص العيش واحتكارها بين أيدى حيتان البحيرات.. مافيا تحكم تجارة الأسماك وأخرى تقوم بتجفيف البحيرات، هذا هو واقع الأمر كما رصدته الفجر فى بحيرات مصر العذبة سابقًا والمُرة حاليًا.

لكل كارثة بداية، ولكننا كالعادة لا نلتفت للكارثة إلا بعد فوات الأوان، فارتفاع أسعار الأسماك بشكل جنونى فى الأونة الأخيرة، ما هو إلا الفصل الختامى لمأساة يعيشها أهل البحيرات العذبة منذ سنوات ولكى تتضح الصورة كاملة كان لابد من التوجه إلى أرض المأساة.


وهناك التقينا أولا الحاج زارع البيطانى نقيب الصيادين الذى خرجت كلماته ممزوجة بالحسرة والمرارة: «إحنا مش مسئولين عن أسعار السمك.. السمك بورصة.. والاستزراع الآن يغلب على الصيد الطبيعى، رغم أن مصر تمتلك الرصيد الأكبر للمسطحات المائية، سواء بوجود 11 بحيرة طبيعية، وبحيرة ناصر بخلاف نهر النيل، والبحرين الأبيض، والمتوسط ورغم ذلك هناك عجز كبير فى الإنتاج المحلى للأسماك، ومن ثم فإننا نعتمد على الاستيراد لسد هذا العجز بنسبة تتعدى 30% من الاحتياج المحلى، والاستزراع هو فى الواقع أكبر نكبة فى تاريخ الثروة السمكية المصرية، لأن الاستزراع السمكى يشكل حوالى 70% من إجمالى الانتاج المحلى وأغلبية هذه المزارع فى يد مافيا المزارع السمكية، وهى التى تقوم بفرض الأسعار كما يحلو لها، والزيادة الأخيرة فى أسعار الأسماك، وهذا الارتفاع الجنونى هو أكبر دليل على قيام مافيا الأسماك برفع السعر الذى لم يتأثر حتى بعد تعويم الجنيه، وأزمة الدولار لكن قبل دخول موسم شم النسيم قرر حيتان الاستزراع السمكى زيادة الأسعار، وهؤلاء الحيتان معروفون بالاسم للحكومة التى تقوم برعايتهم عن طريق قانون مريض اسمه «قانون الصيد» فى البحيرات لتنظيم عمليات الصيد الجائر، وصيد الزريعة الذى سيؤدى قريبًا إلى اعتمادنا على الاستيراد بنسبة 100%».

ويضيف نقيب الصيادين: «هنا ينبغى التفرقة بين نوعين من عمليات صيد الزريعة، فهناك صيد الزريعة بغرض تجفيف هذه الأسماك الصغيرة، وتحويلها إلى علف لمزارع الدواجن وخلافه، أما النوع الآخر فهو عمليات صيد الزريعة لحساب أصحاب المزارع السمكية الذين يقومون بتربيتها للحصول على عائد بعد زيادة حجمها، ووزنها، وكلتا العمليتين كارثية على الثروة السمكية إذ إن صيد الزريعة يؤدى لحدوث خلل فى البيئة البحرية، وذلك بسب خروج الأسماك الصغيرة من دورة الحياة البحرية، وهذه الأسماك الوليدة توجد فى أسفل السلسلة الغذائية لباقى الأسماك الكبيرة التى أصبحت لا تجد ما يكفيها من مصادر الغذاء، وبالتالى بدأت أنواع عديدة من الأسماك فى الاختفاء من البحيرات العذبة، ومن الشواطئ المصرية بوجه عام، فبحيرة المنزلة كان يوجد بها 20 نوعاً مختلفاً من الأسماك، لكن بسبب هذه العوامل لم يعد هناك إلا نوعان، أو ثلاثة من الأسماك.

والأخطر من ذلك هو تقليص مساحة البحيرات العذبة عن طريق التجفيف للمسطح المائى وتحويله إلى مزارع سمكية وجاء موقف الدولة مشجعا للمخالفين ومساهما فى تجويع الفقراء، حيث قام السيد محمد فتحى عثمان رئيس هيئة الثروة السمكية السابق ومستشار السيد وزير الزراعة بالإعلان عن تعديل فى قانون الصيد نص على فرض غرامة قدرها 10 آلاف جنيه والسجن إذا كان التعدى جسيماً، وهذه عبارة مطاطة خاصة أنه لم يقم بتعريف ما هو التعدى الجسيم فطالما أن الغرامة ثابتة 10 آلاف جنيه فالمتعدى سيقوم بتجفيف أكبر مساحة ممكنة طالما أن قيمة الغرامة واحدة.


1- الفساد الإدارى

وفى ظل الفساد والترهل الإدارى– ومازال الكلام لنقيب الصيادين- فإن تقنين ماهية التعدى الجسيم والتعدى غير الجسيم يصبح أمرا مستحيلا، وعلى ضمانتى فإننى أقول أن البحيرات العذبة أصبحت بمثابة ملكية خاصة لموظفى الهيئة العامة للثروة السمكية فهم فقط المسئولون عن بيع وتأجير ما يرونه من مساحات البحيرات دون وجود حسيب أو رقيب رغم أن الدستور نص على اعتبار المساس بالبحيرات العذبة مساساً بالأمن القومى المصري، وعلى الرغم من أن القانون المصرى يمنع عمليات الصيد بالجر أو بقوة الرياح إلا أن مافيا الزريعة تعتمد على ماكينات جر عملاقة تقوم بسحب أطنان من الزريعة يوميا وتهريبها إلى مزارع العلف لتجفيفها.

كذلك فإن هذه المزارع السمكية أصبحت نكبة على الثروة السمكية فبخلاف أنها قائمة على تقليص المساحات الطبيعية للبحيرات فإنها تعتمد على سرقة مياه الدولة واستخدام السولار المدعم، إضافة إلى أن أصحاب هذه المزارع السمكية يقومون باستئجارها نظير مبالغ زهيدة تترواح بين 300 إلى 500 جنيه للفدان الواحد ثم يقومون بإعادة تأجيرها من الباطن نظير 5000 إلى 8000 جنيه للفدان، كذلك فالأمر لا يقتصر على ذلك فحيتان البحيرات العذبة لم يكتفوا بتجفيفها وتحويلها إلى مزارع سمكية بل وصل بهم الأمر إلى القيام بإنشاء مصانع على هذه الأراضى المجففة وإلقاء صرف ومخلفات هذه المصانع فى البحيرات وهذا أدى إلى استحالة الاعتماد على مياه البحيرات العذبة فى الشرب وبالطبع أدى أيضا إلى انخفاض هائل فى المخزون السمكى الذى تأثر بالتلوث الرهيب الواقع على البحيرات، فعلى سبيل المثال فإن بحيرة البرلس تقوم باستقبال الصرف الصحى لثلاث محافظات ما ادى لارتفاع معدلات الإصابة بالفشل الكلوى والسرطانات.


2- بحيرة المنزلة

وفيما يخص بحيرة المنزلة فأنها تعانى الأمر ذاته ويقع عليها عبء استقبال صرف صحى من 6 محافظات وبسبب أعمال التجفيف بالمنزلة فإن مساحتها الإجمالية تقلصت من 750 ألف فدان إلى 100 ألف فدان ومازالت التعديات قائمة وعمليات التجفيف متواصلة ليل نهار، ولكى تكتمل المأساة فإن المزارع السمكية القائمة على تجفيف هذه البحيرات لا تخضع لأى نوع من الرقابة خاصة فيما يتعلق بالعلف الذى هو غالبا ما يكون مخلفات حيوانية وحيوانات نافقة وكيماويات مجهولة المصدر ومن ثم فإن إنتاج المزارع السمكية أصبح عبارة عن تلوث خام، لذلك هو غير مطابق للمواصفات العالمية ولا يمكن تصديره، فمصر أصل السمك البلطى، لكن الصين قامت بسرقته وأنشأت مفرخات على أعلى مستوى والآن تقوم بتصدير البلطى المصرى إلى جميع أنحاء العالم.

أما مصر فإنها لا تمتلك مفرخات سمكية إلا للبلطى وسمك المبروكة، وعلى الرغم من أن المزارع السمكية التى سيقوم الرئيس عبدالفتاح السيسى بافتتاحها فى بركة غليون أو فى قناة السويس هى مشاريع أكثر من رائعة لكنها تفتقر إلى المفرخات وكان من المقرر إنشاء بحيرة صناعية بجوار بركة غليون لتفريخ الأسماك، لكن لأسباب غير معلومة تم انشاء بركة غليون دون البحيرة الخاصة بالتفريخ ولا يوجد لدى هيئة الثروة السمكية مفرخات للبورى أو الطوبار والدنيس والجمبرى وهى الأصناف التى تقوم الدولة حاليا بعمل مزارع سمكية لها ومن ثم فإنه سيتم استيراد الزريعة لهذه المشاريع، ومن سخرية الأقدار أن هذه الانواع الموجودة بكثرة فى الشواطئ المصرية لكننا سنقوم باستيرادها لأجل المزارع السمكية الجديدة بدلا من إنشاء مفرخات لها.


3- سرقة الزريعة

عملية سرقة الزريعة من البحيرات تتم نهارا جهارا وأمام أعين جميع المسئولين، وهناك 3 جهات رقابية مسئولة عن حماية البحيرات، أولا هيئة الثروة السمكية وهى المسئولة عن تنمية البحيرات وضخ الزريعة والحفاظ على شواطئها، وهى هيئة عاجزة عن اصدار قانون حاسم لتنظيم الصيد أو الحفاظ على مقدرات البحيرة من أسماك أو مياه أو حتى مساحة المسطح المائى.

أما الجهة الثانية فهى شرطة المسطحات التى يمكن وصفها بأنها خارج الخدمة تماماً وللحقيقة فإنها تعانى من ضعف شديد فى الإمكانات سواء على مستوى عدد الأفراد أو التجهيزات من مراكب وتسليح وخلافه فانعدام الأمن فى البحيرات هو سبب ضياعها، أما آخر هذه الهيئات فى وزارة البيئة الغائبة تماما عما يحدث فى البحيرات فبجوار مصنع السكر التابع للدولة بمنطقة الجامعة فى محافظة الدقهلية نفقت أسماك 120 فداناً ملاصقة للمصنع نتيجة قيام المصنع الحكومى بإلقاء مخلفات المصنع فى البحيرة.


4- بحيرة الفيوم

بحيرة الفيوم لم تقم هيئة الثروة السمكية بتنمية البحيرة منذ أربع سنوات فبخلاف ارتفاع نسبة الملوحة بالبحيرة ومعدلات الصرف المرتفعة ورغم محاولات التطهير إلا أنها لم تجد نفعا والاسبوع الماضى تحديدا قامت الهيئة بتوريد زريعة الجمبرى إلى البحيرة وبعد وصول السيارات المحملة بالزريعة إلى البحيرة فوجئ العاملون اثناء تفريغ الزريعة بالبحيرة بأن جميعها قد نفقت رغم انها زريعة مستوردة وبسبب الإهمال فإنها توفيت ليضيع على الدولة 4 ملايين من الجنيهات كون الشحنة الواحدة لا يتم استيرادها برقم أقل من الملايين الأربعة، علاوة على أن أسماك بحيرة الفيوم أصيبت بنوع من الديدان التى تؤدى إلى وفاة الأسماك وهناك نوع أخر من الفطريات التى تستقر فى خياشيم الأسماك هى بمثابة الوباء الذى سيقضى قريبا على جميع أسماك البحيرة.


5- أنا حرامى

فى انفعال شديد يقول إبراهيم: «أنا فى الأصل حرامى ومعى 100 شاب اخر جميعنا حرامية زريعة أسماك، وحاولت اتوب وأبطل سرقة زريعة لقيت المسئولين بيقولولى لا خليك حرامى زى ما انت.. هنا تجارة الحرام تتم برعاية الحكومة والمحافظة، اتقدمنا أكثر من 600 شاب باستخراج تراخيص فلايك صيد صغيرة طبقا للمواصفات التى فرضها القانون.

ويضيف: وبعد استخراج جميع الأوراق وعمل الفلايك رفض المسئولون فى المحافظة نزول هذه الفلايك إلى المياه، ونحن كشباب كنا نقوم بصيد الزريعة ونحقق أرباحا يومية لا تقل عن 3 آلاف جنيه وهى تجارة تستمر لمدة 6 أشهر كل عام، ولكنها «مال حرام» انعكس على حياتنا بالخراب فقررنا الابتعاد عن هذا الطريق والاتجاه إلى الصيد الحلال الذى لن يحقق أكثر من200 جنيه يوميا لكل شاب، فقمنا بتصنيع 150 فلوكة صيد بتكلفة تجاوزت 70 الف جنيه للفالوكة الواحدة وتشارك كل أربعة شباب فى فالوكة وبعد ذلك فوجئنا بالسيد محافظ كفر الشيخ والسيد رئيس الميناء يرفض نزول هذه الفلايك إلى المياه رغم استيفائها كل الشروط وصرح كلاهما بأن نزول هذه الفلايك إلى المياه لن يتم إلا على جثثنا!.

وكأن السيد المحافظ له خصومة شخصية مع هؤلاء الشباب ومن ثم فقد أصبحنا الآن مجبرين على العودة إلى التجارة الحرام حتى تظل بيوتنا مفتوحة، هنا يتدخل وائل ذلك الصياد الشاب الذى هجر مهنة أجداده وقام بشراء توكتوك قائلا: «منذ سنوات قليلة لم يكن هناك توكتك واحد فى البرلس، لكنها الآن تمتلئ بمئات التكاتك، جميع العاملين عليها هم فى الأصل صيادون ضاق بهم الحال والغريب فى الأمر أن تجربة شباب الصيادين قام بها محافظ دمياط فى الأصل وقدم يد العون للشباب وبالفعل تم تنفيذ المشروع فى دمياط ووصل سعر كيلو السمك البلطى لنحو 7 جنيهات، أما كفر الشيخ فهى مغضوب عليها لأسباب لا يعلمها إلا الله، وإن كان البعض يفسر سطورة حيتان الصيد فى المنطقة ممن يملكون نحو 500 مركب صيد، والذين يمنعون غيرهم من الصيد.


6- السرطان فى بحيرات البرلس

بينما يرى السيد أحمد الجزايرلى مسئول إحدى جمعيات الصيادين بالبرلس وموظف بهيئة الثروة السمكية أن أزمة الأسعار مسئول عنها التجار الكبار فقط ومافيا تجارة الأسماك فلا يوجد مبرر منطقى واحد يمكن أن يؤدى إلى زيادة الأسعار أربعة أضعاف، وللحد من تحكم هذه المافيا فى الأسعار كان ينبغى على المسئولين دعم تجربة شباب الصيادين المتمثلة فى 150 فالوكة صيد، ورغم موافقة أجهزة الدولة السيادية، إلا أن مافيا الأسماك نجحت فى إجهاض هذا المشروع برعاية المحافظة ورغم إعلان بحيرة البرلس محمية طبيعية إلا أنه أصبحت «منتهكة» طبيعية وبحسب تقارير أعدت من البحث العلمى فى مدينة بلطيم فقد تجاوزت نسبة الرصاص 80% فى مياه البحيرة عن المعدلات المتوافق عليها دوليا وهذه النسبة تعنى تحويل البحيرة إلى مستنقع خام للسرطان والأوبئة، ووسط هذه المأساة يقوم السيد محافظ كفر الشيخ بالاهتمام بالشكل وليس بالمضمون إذ قامت المحافظة بإنفاق قرابة 28 مليون جنيه لإنشاء كورنيش فى مدينة بلطيم ولا تقتصر الكارثة على ذلك فحسب بل إن الأرض التى يتم إنشاء الكورنيش عليها هى فى الأصل أرض البحيرة وتم تجفيفها وأغلب البنايات التى أنشئت فى مواجهة البحيرة هى فى الأصل أرض بحيرة تم تجفيفها بواسطة الكراكات البرمائية المملوكة للدولة فلا توجد شركة أو مؤسسة خاصة تمتلك كراكات برمائية.

ويكشف صلاح المهدى أحد مواطنى كفر الشيخ عن كارثة أخرى مدعومة بالمستندات من خلال قيام بعض حيتان المحافظة المدعومين من أحد الإعلاميين بالأستيلاء على قرابة 120 فداناً معروفة باسم أرض الجونة وهى عبارة عن المساحة المحصورة بين الطريق الدولى الساحلى والكتلة السكنية لقرية برج البرلس وهى عبارة عن ارض بحيرة تم تجفيفها والتى آلت ملكيتها إلى الهيئة العامة للمشروعات والتعمير والتنمية الزراعية بموجب القانون 7 لعام 1991 ومن خلال الغش والتليس نجحت مافيا الأراضى فى الاستيلاء على هذه الأرض فى عام 2009 نظير سعر 25 جنيها للمتر رغم أن سعر بيع الأرض المماثلة فى سنة 1990 بلغ 500 جنيه للمتر الواحد ونجح الشرفاء من ابناء البرلس فى رفع دعوة قضائية وايقاف البيع فى سنة 2009 لكن بعد ثورة 25 يناير وفى ظل غياب الأمن فى الفترة التى تلت قيام الثورة نجحت مافيا الأراضى فى استعادة هذه الأرض.