اكتشاف آثار تعود للعصر البرونزي في جزيرة "صير بني ياس" بالإمارات

عربي ودولي

اكتشاف آثار
اكتشاف آثار


أسفرت عمليات التنقيب التي قام بها علماء آثار من "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" عن اكتشاف شاهد مهم على وجود موقع تجاري أثري على "جزيرة صير بني ياس" يعود إلى 4 آلاف عام مضت، وتركزت أعمال التنقيب على بناء حجري يقع على الساحل الجنوبي الغربي من الجزيرة.

 

وبحسب بيان صحفي تلقى 24 نسخة منه، تم العثور داخل البناء على عدّة قطع لجرار فخارية كبيرة مكسورة تمت صناعتها في البحرين قبل نحو 4 آلاف عام، وهي تعود إلى الفترة التي كانت تنشط فيها التجارة البحرية بشكل كبير بين كلّ من الإمارات والبحرين والعراق وجنوب آسيا، إذ تم حينها نقل هذه الجرار عبر الخليج العربي على متن سفن كبيرة. وعلى الرغم من أنه تم العثور سابقاً على أجزاء صغيرة من هذه الجرار الفخارية في الإمارات، إلا أنها المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف قطع كاملة منها.

 

وبدأت مؤخراً عمليات تحليل هذه القطع الأثرية، وتشير النتائج الأولية إلى العثور على قطع فخارية من باكستان أيضاً. كما تم العثور على أدوات برونزية تؤكد الدور المهم الذي لعبته دولة الإمارات في مجال تصدير النحاس إلى جيرانها خلال العصر البرونزي، وكان من بين هذه الأدوات صنارة لصيد السمك لا تزال بحالة جيدة.

 

ومن أبرز القطع التي تم اكتشافها ختم يُرجح أنه مصنوع من الحجر الصابوني، وهو يشكل نموذجاً عن الأختام الدلمونية الشهيرة- و"دلمون" هو الاسم الذي كان يُطلق على البحرين والمناطق المجاورة. واستخدم التجار هذه الأختام لترخيص عبور شحنات البضائع إلى جميع أنحاء الخليج العربي، حيث تم العثور على البعض منها سابقاً في الإمارات، ولكنها المرة الأولى التي يتم العثور عليها في منطقة الظفرة في أبوظبي.

 

وفي إطار تعليقه على الاكتشاف الجديد، وقال أحد علماء الآثار في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، عبد الله خلفان الكعبي: "كانت لحظة العثور على الختم الدلموني استثنائية بكل معنى الكلمة، وقد أدركنا على الفور أهمية هذه المكتشف، إذ وجدنا بين أيدينا ختماً يعود إلى تاجر من العصر البرونزي قبل أكثر من 4 آلاف عام مضت".

 

ويزدان الختم برسم على شكل حيوان وإنسان تحت ضوء القمر، ولا يزال معنى الختم غامضاً بالنسبة للكعبي وعلي عبد الرحمن المقبالي اللذين لا زالا يبحثان فيه ويقارنانه بالأختام الأخرى التي تم العثور عليها في منطقة الخليج العربي بشكل عام.

 

وتشير هذه القطعة الأثرية، مع البناء الحجري، إلى أهمية موقع "جزيرة صير بني ياس" في التجارة البحرية خلال العصر البرونزي. وتم توثيق هذه التجارة في النصوص القديمة والمصادر الأثرية بشكل دقيق، وقد شملت تبادل النحاس المستخرج من جبال الحجر في الإمارت ومن سلطنة عمان، وكذلك المواد شبه الثمينة من جنوب آسيا، والبضائع من البحرين والعراق. واعتمدت هذه التجارة على الموانئ ومراكز الانطلاق، حيث كانت ترسو القوارب لتبادل البضائع والتزود بالمؤن، وكانت تشكل هذه الموانئ في ذاك الوقت ما يعرف بالمناطق الحرة في يومنا هذا، والتي باتت تشكل جزءاً هاماً من الاقتصاد الإماراتي.

 

ولا يزال مصدر الأهمية التجارية لجزيرة صير بني ياس قيد البحث والدراسة، وقد يرجع إلى توافر المياه العذبة، الأمر الذي ساهم في إقامة حضارة إنسانية على الجزيرة منذ زمنٍ بعيد. كما ساعد ذلك في السنوات القليلة الماضية على إقامة حدائق نخيل في قرية "الظاهر" ترويها مياه الآبار، ويضاف إلى ذلك موقع الجزيرة القريب من البر الرئيسي مما يتيح تبادل البضائع بسهولة.

 

وفيما تم العثور على هذه الآثار في مبنى واحد، فإن سطح الأرض يشير إلى إمكانية وجود العديد من المباني الأخرى في الموقع ذاته، ويعمل علماء الآثار في "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" حالياً على تحليل اكتشافات هذا العام. ومن الممنتظر أن يعرضوا نتائجهم في المؤتمر الدولي في "المتحف البريطاني" في شهر يوليو المقبل. وسيشكل هذا الموقع العائد إلى العصر البرونزي، بالإضافة إلى المواقع الشهيرة الأخرى في جزيرة صير بن ياس مثل الدير المسيحي القديم، جزءاً مهماً من خطة السياحة التراثية المقررة لهذه الجزيرة.

 

ولا شك أن النتائج الحالية تزيح الغبار عن المزيد من تاريخ إمارة أبوظبي العريق، وذلك بفضل عمليات التنقيب المستمرة التي تقوم بها "هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة" في الجزر والساحل ومنطقة العين. وبدوره قال عالم آثار في الهيئة، علي عبد الرحمن المقبالي: "أنا فخور بالمشاركة في عمليات البحث الدائرة حول إمارة أبوظبي في عصور ما قبل التاريخ. وقد غيرت أعمال التنقيب التي أجريناها مؤخراً في جزيرة صير بني ياس معلوماتنا عن العلاقات التي كانت القائمة آنذاك بين حضارات العصر البرونزي في منطقة الخليج العربي وخارجها".