"الفجر" تكشف فى جولة ميدانية بالمستشفيات

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


وزارة الصحة "معندهاش دم"

■ رفعت سعر الكيس إلى 250 جنيهًا.. و"الديليفرى" بـ450 جنيهًا

■ أب يبيع غرفة نومه لشراء كيس دم بـ1200 جنيه

■ "الحق فى الدواء": المستشفيات الخاصة تشترى الكيس الحكومى بـ300 وتبيعه بـ900



لا يوجد أغرب من وزارة الصحة، التى نفت زيادة أسعار أكياس الدم، رغم أن قرار الزيادة سارى المفعول فى المستشفيات، ويكتشفه المرضى وأقاربهم كل ساعة وليس كل يوم، خصوصاً مع تعميم القرار الوزارى على جميع المستشفيات الذى يعتبر حكما بالموت على ملايين المرضى الفقراء الذين لا يستطيعون شراء الطعام فما الحال بالنسبة لأكياس أكسير الحياة؟!

"الفجر" تجولت فى المستشفيات وبنوك الدم لتكشف أسعار أكياس الدم، حيث توجهت إلى الفرع الرئيسى لبنك الدم، فاكتشفت تغييرا شاملا فى الأسعار وزيادة بنسبة 55%، فى المستشفيات الحكومية والعلاج على نفقة الدولة ومستشفيات التأمين الصحى والمراكز الطبية المتخصصة والجمعيات الخيرية والمستشفيات الخاصة، حيث زاد الكيس من 90 جنيها إلى 140 جنيهاً بالمستشفيات الحكومية ولـ500 جنيه بالمستشفيات الخاصة، كما ارتفعت أسعار وحدة كرات الدم الحمراء، من 90 جنيهاً إلى 140 جنيهاً بالمراكز الحكومية و500 جنيه بالمستشفيات الخاصة، وحدة البلازما من 40 إلى 70 جنيهاً للحكومية و130 جنيهًا للخاصة. أما وحدة الدم الكامل ويصل حجمها لـ50 سنتميترًا مكعبًا، فتصل إلى 80 جنيهاً بالمستشفيات الحكومية، و140 جنيهًا بالخاصة، ووحدة دم حجم 100 سنتيمتر مكعب، فتصل لـ100 جنيه للمستشفيات الحكومية، و230 للخاصة، ووحدة دم أكبر من 100 سنتيمتر فتصل لـ140 جنيهاً بالحكومية و500 جنيه بالخاصة، وبالنسبة للبلازما المجمدة فيصل سعرها لـ60 جنيهًا للقطاع الحكومى و١٥٠ جنيهاً للقطاع الخاص.

فى مركز بنك الدم التابع للهلال الأحمر، سألت "الفجر" عن سعر كيس الدم وقبل حصولنا على الإجابة، قال مواطن يدعى "محمود . ع"، كان يجلس على مقعد فى صالة الاستقبال بالبنك،: "أبحث عن فصيلة دم o سالب منذ أسابيع ولم أجدها وتوجه شقيقى إلى مركز المصل واللقاح فى الدقى واشترى 5 أكياس بـ140 جنيهاً للكيس الواحد، رغم أن سعره منذ فتره قصيرة كان 40 جنيهاً فقط، ومعى ما يثبت ذلك بفاتورة مدفوعة رقمها 7501 محررة من بنك الدم بالمصل واللقاح، وهى تكلفة لا نستطيع تحملها أسبوعياً للمريض، خصوصاً أن البنك طلب أن يتبرع 4 أفراد من الأسرة بالدم مقابل الكيس الواحد".

أما ثناء حسن، التى كانت موجودة أمام صالة استقبال بنك الدم بشارع رمسيس، فكانت تبكى لأنها لم تستطع الحصول على كيس دم لشقيقها المريض بتليف فى الكبد، خصوصاً مع زيادة سعره فى المستشفيات من 90 جنيهاً لـ150 جنيهاً، ورغم استعدادها للدفع إلا أن إدارة المستشفى أكدت خلو قسم الدم من كيس واحد، لكن ممرضا عرضها عليها توفير كيس دم لفصيلة شقيقها النادرة مقابل 900 جنيه فتوجهت إلى مسئولى المستشفى وأخبرتهم بما قاله الممرض فطالبوها بدليل على صحة التهمة، ثناء قالت أيضاَ ًإنها موجودة بصحبة عدد من أفراد أسرتها للتبرع بدمائهم مقابل الحصول على 2 كيس دم.

فى بنك الدم بشارع رمسيس، ادعينا أننا أقارب مريض، وقلنا لموظفى البنك، إننا نريد شراء كيس دم لأحد ذوينا، فرد أحدهم الكيس لأى فصيلة بـ250 جنيهاً، لكنه تراجع لشكه فى هويتنا، حيث عاد وقال إنكم تستطيعون الحصول على كيس دم مقابل تبرع 3 أشخاص و4 إذا كانت الفصيلة نادرة، لكنه نصحنا بالتوجه إلى بنك الدم فى العباسية: "هناك هتشترى اللى أنت عايزه" أما السيارات المتنقلة التى تحصل على تبرعات المواطنين فى الميادين والشوارع فأكدوا لنا خلو بنوك الدم من الأكياس.

أحد الأطباء ويدعى إسلام الديب طبيب أطفال، قال إن لديه تجارب شبه يومية مع كثير من الحالات فى رحلة البحث عن أكياس الدم، أغلبهم فقراء ولا يملكون ثمن شراء كيس واحد ما يدفعهم لبيع أثاث منازلهم لإنقاذ ذويهم من الموت، موضحا أنه منذ 3 أسابيع جاءته حالة ولادة قيصرية فى المستشفى الذى يعمل به وكانت صاحبتها تعانى من الأنيميا الحادة، واحتاجت لـ٨ أكياس دم، وهو ما سبب صدمة لزوجها خصوصاً أن فصيلة دمها "o سالب" وهى فصيلة نادرة، ما يعنى أن سعر الكيس مرتفع لذا اضطر الزوج لبيع غرفة نومه لشراء الأكياس المطلوبة التى يصل سعر الواحد منها لـ١٢٠٠ جنيه.

الديب، قال أيضاً إنه صادف حالة أخرى منذ أيام قليلة، حيث أتى إليه أحد المرضى ولم يكن معه سوى ٣٠٠ جنيه، ويحتاج أكياس دم، وعندما ذهب إلى أحد المستشفيات لشراء الأكياس قالوا له: "تجيب فلوس أو متبرعين" فأحضر المريض متبرعين عددهم أضعاف أضعاف عدد الأكياس التى يحتاجها لكنهم طلبوا منه الـ300 جنيه فى النهاية، فيما قال والد طفل مريض يحتاج لكيس صفائح دموية للطبيب: "سيبه يموت أنا عندى غيره"، ما دفعه لجمع تبرعات من أطباء المستشفى لإنقاذ هذا الطفل حيث وصل سعر الكيس لـ400 جنيه.

جزء من رحلتنا للبحث عن أكياس الدم، وصلت لقوافل الحصول على التبرع، إحداها كانت فى ميدان رمسيس بجوار محطة مصر، وطلبنا من القائمين على السيارة التبرع بالدم لكن شريطة إجراء فحوصات طبية خشية إصابتنا بأمراض فاعترفوا بعدم وجود أجهزة كشف عن الفيروسات، داخل سيارات التبرع، حيث يتم إجراء تحاليل بدائية، عبارة عن فحص للأنيميا وقياس لضغط الدم.

وسألت الموظفين عن احتمالية وجود فيروسات فى أكياس الدم، بعد تعبئتها، فصمتوا وقالوا: "محدش يضحك عليك مفيش حد هيطلعلك نتيجة تحاليلك وأنت واقف"، وفى نقطة الإسعاف، تحدثنا مع القائمين على سيارة التبرع وأخبرناهم بإصابة أحد أقاربنا بمرض يحتاج لنقل دم، فقال إذا أردتم شراء أكياس، فسعر الواحد 130 جنيها، وتصل بعض الأنواع لـ110، وفى حال إرسال مندوب من بنك الدم أو المستشفيات الحكومية لمنزل المريض يكون سعر الكيس 450 جنيهاً، وأجاب عن سؤال عن أن التبرع لا يندرج تحت معيار البيع والشراء فقال لا يوجد استثمار فى سعر الدم إنما مستلزمات نقله أصبحت غالية الثمن .

اللافت للنظر أثناء جولتنا الميدانية حول هذه السيارة التى تنادى فى مكبرات صوتها للتبرع بالدم وجدنا أن القائمين عليها ليس بينهم طبيب واحد، وأياديهم وأظافرهم متسخة ويملؤها السواد، وملابسهم قذرة.

وجدنا سيارة أخرى على شكل أتوبيس بجوار محطة مترو الشهداء بميدان رمسيس، واكتشفنا أنها تابعة لبنك الدم بالهلال الأحمر، وطلبنا من المسئول كيس دم فرد: "إحنا مبنبعش، ولو محتاجين فمقابل كل كيس يجب تقديم متبرع بالدم"، فتوجهنا إلى بنك الدم بالهلال الأحمر، بشارع أحمد حلمى، وسألنا عن أسعار أكياس الدم، فقال أحد الموظفين إنه مقابل كال كيس نحتاجه علينا تقديم 3 متبرعين.

وأثناء جولتنا بميدان رمسيس سألنا سيدة صاحبة كشك سجائر بوسط الميدان، عن أماكن قوافل التبرع بالدم، فنصحتنا بعدم التبرع وقالت إنهم يتاجرون بالدم ويبيعونه، مؤكدة أن زوجها مريض بالفشل الكلوى ويحتاج إلى نقل دم مستمر، ولم تكن تجد أكياس الدم إلا بعد معاناة، وإنفاق مبالغ كبيرة حيث كانت تشترى 6 أكياس كل كيس بسعر يختلف من مستشفى لآخر، فمرة تشتريه بـ٢٥٠ جنيهاً، و٣٥٠ تارة أخرى وأحياناً بـ٤٠٠ جنيه.

الدكتور خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء، قال لـ"الفجر": إن هناك مشكلة جوهرية فى مسألة التبرع بالدم، موضحاً أن الدم أحد أعضاء الجسم البشرى، وليس مجرد سائل ويخضع لقواعد التبرع ونقل الأعضاء ولا يجوز الاتجار فيه، مشيراً إلى أن تكلفة كيس الدم تتضمن سعر العبوة وكذلك أجور العاملين وتكلفة النقل والأجهزة المستخدمة فى التبرع .

وأضاف سمير، إن 130 جنيهاً سعر عادل لكيس الدم، لكن 450 جنيهاً مبالغ فيه، وهناك شكوك حول التربح من وراء أكياس الدم، منبهاً إلى أنه لا يجوز للمستشفيات العامة والخاصة الاتجار فى الدم، لكن الحكومة تغض الطرف عن هذه التجارة ما أدى لانتشارها، ومشكلة التبرع بالدم تعد كارثة ثقافية، لانه لا يوجد فى قاموس ثقافتنا التبرع بالدم، كما لا توجد توعية كافية عن التبرع وفائدته، ونعتمد على إجبار أهالى المرضى على التبرع، ويعتمدون هم على سماسرة التبرع فى المستشفيات الذين يبيعون دماءهم، ما يؤدى إلى قلة كفاءته لنقص الهيموجلوبين فيه، أما أصحاب الفصائل النادرة فيتفقون مع سماسرة لنقل دمائهم وقت الحاجة.

أما الدكتور محمد العزب، مستشار المركز المصرى للحق فى الدواء، فقال إن هناك غيابا للشفافية لدى وزارة الصحة ومتحدثها الرسمى، الذين نفوا زيادة أسعار أكياس الدم فى بيانهم الأخير، رغم وجود نشرات بأسعار جديدة لأكياس الدم فى جميع مستشفيات مصر الحكومية والخاصة والتأمين الصحى، وحصلنا على نسخة منها تنفى تماماً وتضع وزارة الصحة فى موقف حرج، وادعاء الوزارة بعدم زيادة الأسعار أمر يدعو للدهشة. وأكد العزب أن المتربح الأكبر من زيادة أسعار الأكياس هو المستشفيات الخاصة، لأنها تشترى الكيس بـ300 جنيه وتبيعه للمريض بـ 900 و1000 جنيه، وهو أمر مؤسف يدل على وجود تخبط غير مسبوق فى إدارة وزارة الصحة، وكان يجب على المسئولين عن إدارة الوزارة النظر إلى المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل الفشل الكلوى والكبدى، وغيرها من الأمراض، مؤكداً أن هناك عشوائية فى اتخاذ القرارات داخل وزارة الصحة، وغياب دراسة الأثر المجتمعى لتلك القرارات، خصوصاً أن مسئولى الوزارة يعرفون جيداً معاناة المواطنين فى الحصول على كيس دم.