رامي رشدي يكتب: ما لا يعرفه المسلمون عن الفاروق وذى النورين

مقالات الرأي

رامي رشدي
رامي رشدي


لا تزال مكانة الخلفاء الراشدين فى نفوس المسلمين كيف لا وهم الصحابة الراشدون الأوائل من شهدوا الرسول وعاصروه وناصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه.

كثيرون منا يعلمون عن سير الخلفاء الراشدين ولكن من يعلم أن عمر بن الخطاب كان اشتراكياً بامتياز قبل ظهور المذهب بأكثر من 1500 سنة، وكذلك الحال بالنسبة إلى عثمان بن عفان الذى تؤكد بعض الروايات أنه أول من وضع النظام الرأسمالى الاقتصادى.

كان الصحابة علماء أنقياء ورعين، لكنهم سبقوا العالم كله، وأسسوا دولة وحضارة وعرفوا النظريات السياسية والاقتصادية قبل العصور الحديثة، فالصحابة والتابعون لم يكونوا فقط مجددين فى الفقه والعلوم الشرعية ولكنهم كانوا أصحاب نظريات اقتصادية متطورة.


1- عمر بن الخطاب اشتراكياً بامتياز

كثيرون من المسلمين لا يعرفون أن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كان اشتراكياً بامتياز ووصفه كثير من الكتاب والمؤرخين بالخليفة الاشتراكى وفقا لكلام كثير من المؤرخين والباحثين فى التاريخ الإسلامى، الذين رصدوا تاريخ عمر فى الجاهلية وفى الإسلام وفى منصة الحكم خصوصاً أنه كان ارستقراطياً فى نشأته وشبابه.

كان منزل عمر فى الجاهلية فى أصل الجبل الذى يسمى حالياً بـ«جبل عمر»، وكان اسم الجبل فى الجاهلية «جبل العاقر» وبه منازل قبيلته بنى عدى، وعمل عمر راعياً للإبل وهو صغير فكان يرعى لوالده ولخالات له من بنى مخزوم، وتعلم المصارعة وركوب الخيل والشعر وكان يحضر أسواق العرب كعكاظ ومجنة وذى المجاز، واجتمع فيه العقل بالقوة مع الحزم وحسن الكلام ورجاحة العقل.

وبطبيعة نشأته ووضعه فى الجاهلية الوثنية كان عمر مغرماً بالخمر والنساء قبل إسلامه ويعتقد كثيرون من الكتاب أن التركيبة الاجتماعية والفكرية لعمر بن الخطاب كانت هى الباعث لمحاولاته الناجحة لبناء أول دولة اشتراكية بالمفهوم المعاصر.

وبدت ملامح اشتراكية ابن الخطاب، بالتجلى فى أكثر من موضع، وردت الأنباء على عمر رضى الله عنه مبشرة بفتح الشام وفتح العراق وبلاد فارس «إيران» وحصل المسلمون من تلك الحروب على غنائم لا تعد ولا تحصى من أموال وذهب وأراض وكانت تلك هى المشكلة تحديداً، أما المال فقد أمضى عمر فيه حكم الله تعالى، إذ قسمه إلى خمسة أقسام، ووزعت الأخماس الأربعة على أفراد الجيش تنفيذاً لقوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» الأنفال:41.

وبقت المشكلة الرئيسية وهى الأرضى التى حصل عليها المسلمون من غنائم الحرب فكان له فيها رأى بأن تحبس ولا توزع، وتبقى كأنها ملك للدولة فى يد أصحابها القدماء، يؤدون عنها الخراج، وما يتم تحصّيله من هذا الخراج يقسّم فى عامة المسلمين، بعد أن يحجز منه أجور الجند المرابطين فى الثغور، والبلاد التى فتحت، والتى تحتاج إلى حاميات من الجند يقيمون فيها، ولابد لهؤلاء الجند من رواتب، فإذا قسمت الأرض فكيف يتم تدبير رواتب هذه الحاميات وأرزاقها؟ وذلك لأن عمر لا يريد أن يكون المال دُولة أو مأكلة بين الأغنياء وحدهم، وهو ما كان ضمير الخليفة الاشتراكى عمر يراه.

كثير من الصحابة رفضوا ألا توزع عليهم الأرض لأنها فىء أفاءه الله، رغم أن هذا النوع من الأرض قسمه الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل، ولم يفعل كما فعل عمر، الذى عارضه بلال بن رباح، رضى الله عنه وعلى الخليفة العادل.

وظلت تلك المشكلة بين عمر والصحابة 3 أيام، حتى احتكم للأنصار الذين أيدوا عمر فى قراره قائلين إن لم تشحن هذه الثغور والمدن بالرجال، ويجر عليهم ما يتقوون رجع أهل الكفر إلى مدنهم.

وهناك وقائع عديدة تدل على اشتراكية عمر بن الخطاب خصوصاً عند وقوع الكوارث الطبيعية أو غير الطبيعية ففى تلك الحالة يتم إعلان حالة الطوارئ، وتعليق العمل بكثير من القوانين التقليدية، فتستبدل بنُظم وقوانين وأحكام بديلة عرفية قد تكون وضعية حادثة غير منصوص عليها، وهو ما يعرف فى المصطلح الحديث بقانون الطوارئ.

هذا ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه عام الرمادة إذ اجتهد - رضى الله عنه - فى إمداد الأعراب خارج المدينة بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلها، فلما جاء الأعراب من كل ناحية إلى المدينة المنورة حفاة عراة، فرقهم عمر على أحياء المدينة ومنازلها، وأمر رجالاً يقومون عليهم ويقسمون عليهم أطعمتهم ويطعمون المرضى منهم كما ذكر ابن سعد بالتفصيل الدقيق فى كتابه «الطبقات» حتى جاء الفرج والمدد من «مصر» وقال عمر بن الخطاب: «لو أن الله لم يفرجها ما تركت بأهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يُقيم واحداً».


2- عثمان بن عفان مؤسس الرأسمالية

هناك أقاويل وكتب ودراسات تؤرخ وتقول بأن عثمان بن عفان، رضى الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين، هو واضع أسس النظام الرأسمالى فى الاقتصاد.

كان ابن عفان من كبار رجال الأعمال والأثرياء فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بمثابة مفرج الكرب وكان تاجرا كبيراً يمتلك من الأموال الكثير ويعد من أغنى أغنياء الصحابة قبل الإسلام وبعده.

وحظى ابن عفان، بمنزلة رفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد له بجزيل الثواب بقوله عليه السلام، «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» نتيجة بذل جهد طاقته وكامل وسعه فى إنفاق ماله، دون التفكير فى اغتنام فرصة قسوة الوضع فى ظرف عصيب.

روى ابن عباس رضى الله عنه، أنه قحط المطر على عهد أبى بكر الصديق، فاجتمع الناس إلى أبى بكر، وقالوا السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس فى شدة شديدة، فقال أبوبكر: انصرفوا، واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم.

قال فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة من الطعام فاجتمع التجار إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم، وقال ما تشاءون فردوا: «الزمان قد قحط والسماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس فى شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعاما، فبعنا حتى نوسِّع على فقراء المسلمين».

فقال عثمان: حبا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع فى دار عثمان، فقال يا معشر التجار كم تربحوننى على شرائى من الشام قالوا للعشرة اثنا عشر، فقال عثمان: قد زادونى فقالوا للعشرة خمسة عشر، فرد عثمان: قد زادونى، فقال التجار يا أبا عمرو ما بقى بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك قال: زادنى الله تبارك وتعالى- بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة قالوا: اللهم لا.. فقال: فإنى أشهد الله أنى قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين.

لما تولى عثمان الخلافة غير من سياسة عمر المالية، وكانت الرأسمالية أو مبادئها هى الأساس الذى بنى عليه خلافته وسياسته المالية حيث سمح لأقاربه باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضى، وعينهم فى معظم المناصب القيادية وهو ما كان سبباً فى تقليب المحرضين ضده بداية من الكوفة.

وكان عهد ابن عفان رخاء على المسلمين، حيث وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وتضمنت الكتب عناصر السياسة المالية العامة وهى تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية وعدم إخلال الجباية بالرعاية وأخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين وإعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين، وأخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم وضرورة تمتع عمال الخراج بالأمانة والوفاء، وتفادى أى انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.

وتبقى واقعة سيدنا عثمان بن عفان مع أبى ذر الغفارى، رغم اختلاف الروايات والقصص والأحاديث حولها ما بين مناصر لعثمان على أبى ذر الغفارى واعتبر الأخير شيوعياً ومنهم من أيد الغفارى واعتبر أن عثمان رأسمالى ولكن الواقعة تدل على الصدام بين الرأسمالية والشيوعية بين اثنين من المسلمين الأوائل ولهما مكانتهما وليس لنا إلا الرواية.

أمر عثمان بن عفان بنفى أبى ذر الغفارى خارج مكة والمدينة، بعدما بدأت المشاكل مع وصول ابن عفان للخلافة وسماحه بتجارة الأراضى وإطلاقه ليد بنى أمية الرأسماليين أيضاً فى الشام حيث كان أبو ذر يعيش وقتها.

غضب أبوذر من الحكام والولاة الذين كان يعينهم ابن عفان خصوصاً من أقاربه المنتمين لبنى أمية لتحكمهم فى بيت مال المسلمين وإنفاقهم منه على أنفسهم ومتعهم الخاصة بينما بين المسلمين من هو محتاج.

وكان أبوذرٍ الغفارى أول من دعا إلى عدم التملك الزائد عن الحاجة ومن شعاراته المهمة أن أى شيء تدخره زيادة عن حاجتك كمسلم فهو حرام وضاق الأغنياء بأبى ذرٍ ولم يستطع تجار مكة والمدينة أن يتحملوا أقواله ذلك أن معظم القياديين فى الخلافة الإسلامية الراشدة، كانوا يميلون فعلاً إلى الرأسمالية وأكثرهم ميلا لها أكبر وأضخم تاجر من العرب وأغنى رجل عربى فى ذلك الزمان وهو الخليفة عثمان بن عفان.