مُطلقات السرطان.. "لا حب نافع ولا زواج شافع"

العدد الأسبوعي

شعار سرطان الثدي
شعار سرطان الثدي


الواقع أقسى من الخيال.. و"حلاوة الدنيا" منعدمة

■ سحر لم يدعمها سوى ابنتيها.. زوج ريهام طلقها ليتزوج بأخرى.. عائلة سهير "زهقت" من التكاليف.. سامية: زوجى "بيذلنى"


أن تفقد جزءًا من جسدك بسبب المرض فهذا قاس، إحساس تام بالنقصان.. لا يعوضه إلا ابتسامة أمل تبحث عنها فى وجوه أحبابك، ولكن ماذا لو تخلى عنك هؤلاء بعد مرضك؟ قد يكون هذا الأقسى، المرض سيزول، لكن الذكريات ستبقى حتى النهاية، ستنال منك فى لحظات الألم، لتذكرك بمن تخلى عنك فى لحظات الضعف، جسد مسلسل «حلاوة الدنيا» جانبًا من معاناة مرضى السرطان، ولكن يبدو أن الواقع أشد قسوة مما حاول صناع العمل تقديمه.

سرطان الثدى انتشر بصورة كبيرة بين النساء فى مصر مؤخرًا، وتخطت نسبة المصابات به الـ12.5%، بحسب ما كشفته آخر إحصائية أصدرتها منظمة الصحة العالمية.. بأن هناك مصابة من بين كل ثمانى نساء بمصر، المرض دفع المصابات إلى دوامات لا تنتهى من المشاكل الأسرية والنفسية التى أثرت بصورة مباشرة على حياتهن، وإلى جانب العلاج الكيماوى وتكاليفه وآلامه وشراسة المرض استسلمت بعض النساء، بينما أبت مجموعة أخرى فضلت المواجهة والانتصار، ولكن فى الطريق هناك من تخلى عنها زوجها، أسرتها أو حتى أصدقاؤها، «الفجر» قابلت بعض المرضى اللاتى سردن كواليس حياتهن.

«سحر.ش» ناشطة مهمومة بحقوق المرأة، فوجئت فى أحد الأيام بألم رهيب يجتاح ثدييها، ظنت فى البداية أن ذلك قد يعود لاضطرابات الهرمونات التى تعانى منها بعض السيدات، انتظرت أن تتلاشى آلامها بعد أيام ولكن هذا لم يحدث، اشتد عليها الألم فقررت أن تذهب للطبيب الذى صدمها بأنها مصابة بسرطان الثدى وحالتها متأخرة نوعًا ما.

لم تتوقع «سحر»، تلك الحقوقية النسوية أن المرض الذى حاربت بكل قوتها لتحاول منع انتشاره قد نال منها، فهى مؤسسة مبادرة «كونى الأقوى» لدعم معنفات السرطان، تقول لـ«الفجر»: تجربتى مع هذا الوحش الذى لم يرحم زادتنى قوة وإصراراً للعمل على نيل حقوق المريضات خاصة المعنفات منهن، فالتفاؤل وحب الحياة هما سلاحى الفعال ضده، ولن أقبل سوى بالانتصار عليه، أنا أقوى من المرض.. نحن أقوى من المرض.

وأضافت: لم تكن الحرب مع المرض سهلة، حيث كانت أشبه بالجولات التى اعتدت أن أخرج منها منتصرة دائمًا، وعلى كل مريضة سرطان أن تدرك حقيقة واحدة، وهى أن الحرب عليه سهلة إذا ما قسمناها لجولات، بشرط أن نقاتل بشراسة للخروج من كل جولة بانتصار، فأنا على سبيل المثال، كانت أولى جولاتى معه قبل عامين، وتحديدًا عندما أخبرنى طبيبى بأننى مصابة بسرطان الثدى، تقبلت ذلك الاختبار الإلهى برضا، وكانت ثانى الجولات عندما أجريت عملية استئصال للثدى؛ لتفادى انتشار المرض بجسدى.

أما الجولة الثالثة بينى وبين المرض، والتى استمرت حتى الآن فتتمثل فى الخضوع للعلاج الكيماوى فى مستشفى معهد ناصر، وأظن أن هذه هى الجولة الأصعب، فبعيدًا عن الألم تتكلف رحلة العلاج فى البداية 30 ألف جنيه نظير عملية الاستئصال، علاوة على جلسات الكيماوى التى تبدأ أسعارها من 500 جنيه وتصل إلى 10 آلاف جنيه، تبعًا للحالة ونوع الكيماوى التى تعالج به ومراحل تطور المرض، أما الأسرة فتلعب دورًا مهمًا قد يؤثر بالسلب أو الإيجاب على العلاج، فأنا على الرغم من زواجى الذى دام لأكثر من عشرين عاماً إلا أننى لم أتلق الدعم الأسرى اللازم إلا من ابنتى خلال رحلتى مع المرض.

وتابعت «سحر»، الآن ولله الحمد انتصرت على المرض، ولكن من خلال تجربتى اكتشفت أن النسب الأكبر من مريضات السرطان مطلقات؛ بعدما تخلى عنهن أزواجهن بسبب المرض فى منتصف الطريق، فالتوعية بطريقة التعامل النفسى مع مرضى السرطان ضرورة يفتقدها المجتمع المصرى، وأغلب الرجال يرون أن النساء اللاتى أجرين عمليات استئصال لثديهن ناقصات أنوثة، لذلك يستسهلون الطلاق ويبدأون رحلة جديدة للبحث عن أنثى كاملة -من وجهة نظرهم المريضة.

أما «ريهام.أ»، إحدى مريضات السرطان المعنفات فتقول: انفصلت عن زوجى الذى يكبرنى بعامين بسبب مرضى، لم يتحمل معاناتى سبع سنوات كاملة، وفى كل مرة أنجح فى استعادة حياتى من جديد يهاجمنى الألم ويتجدد ليلتهم جسدى، فلم يجد زوجى إلا أن يتخلى عنى ويتركنى وطفليه بلا عائل ليتزوج بأخرى، أنا مشفقة فقط على أولادى الذين لا يرون أباهم إلا مرة واحدة كل شهر أمام مدخل العمارة، عندما يأتى ليسلمنى النفقة البالغة 500 جنيه، لم يتخل زوجى عنى فقط، بل تخلى عن أولاده الذين لم يروه منذ زواجه.

فيما بدأت «سهير.م» قصتها عن السرطان بجملة «أنتى طولتى أوى فى العلاج»، التى كانت ترجمة حرفية لملل أسرتها من طول رحلة علاجها دون مراعاة البعد النفسى لها، قالت بصوت خافت وعيون دامعة: شعرت بأننى حمل ثقيل على أقرب الناس لى، فالسرطان علاجه مكلف وأنا من أسرة بسيطة لم تعد تحتمل تكاليف علاجى، أثر كل ذلك على نفسيتى وتمنيت الموت مرارًا، وحاولت التخلص من هذا العذاب وفكرت فى الانتحار أكثر من مرة، ولكن فى النهاية تبرعت بعض الجمعيات بعلاجى واستكمال رحلة العلاج.

أما «علا.ش»، إحدى معنفات السرطان فتقول: «لم أجد أحدًا بجوارى، كنت ممزقة بين رعاية أطفالى والذهاب لجلسات علاج الكيماوى، علاوة على أننى أنفق على علاجى من التبرعات التى يجمعها لى «ولاد الحلال»، بعدما تخلى عنى زوجى واتهمنى بخداعه بعد اكتشافه إصابتى بالمرض فى عيد زواجنا الأول، فطلقنى بعد سنة واحدة من الزواج، هرب ليتزوج من أخرى سليمة مكتملة الأنوثة.

«هدى.ع»، حالة أخرى أصيبت بسرطان الثدى وهى لم تكمل بعد عقدها الثانى، هى أم لطفل عمره شهور، وقعت ضحية للتشخيص الخاطئ وعدم الوعى بالمرض وأعراضه، فظنت فى البداية أنه مجرد «خراج»، ولكن عندما زاد الأمر عن حده ذهبت لمستشفى متخصص، وبعد إجراء التحاليل اللازمة اكتشفت إصابتها بالمرض، وعلى الفور خضعت لعملية استئصال الثدى، أثناء سفر زوجها، الذى يعمل مدرب سباحة فى إحدى القرى السياحية.

تقول «هدى»، تعمدت إخفاء تعبى بعد كل جلسة كيماوى، حتى لا أشعر زوجى بمرضى وأكون عبئا عليه، وفى أثناء جلسات الإشعاع اكتشفت وجود بعض البقع على جلدى، وسحبت عينة لتحليلها فإذا بالمرض قد عاد وحدثت لى انتكاسة فأصيب الثدى الآخر، وأخبرنى الطبيب بضرورة التدخل الجراحى واستئصاله، وفى تلك الأثناء تعرضت لخمسة أنواع من العلاج الكيماوى، وحاول الطبيب أخذ عينة من عضلة البطن لتفادى الاستئصال وإجراء عملية «ترقيع» ولكن بلا فائدة بسبب إصابتى بسرطان انتشارى، وتبلغ تكلفة علاجى 17 ألف جنيه شهريًا.

أما «سامية.أ»، التى تبلغ من العمر 42 عامًا، قالت وأعينها تغرقها الدموع بوجه كسته تجاعيد الحزن والحسرة، لدى أربعة أولاد وبنت، وفى بداية عام 2012 اكتشفت أنى مصابة بمرض سرطان الثدى، وعلمت ذلك بعد ولادتى الأولى، فى البداية كنت أعانى فى ذلك الوقت من مرض الضغط، تدهورت صحتى وكنت أظن أن ارتفاع ضغط الدم هو السبب وتم تشخيص المرض بطريقة خاطئة على أساس أنه فيروس كبدى وبائى، وخلال هذه الفترة تمكن السرطان منى واضطررت إلى إجراء استئصال فورى للثدى، ونزفت لمدة 12 يوماً بعد إجراء عملية الاستئصال بمستشفى قصر العينى.

خضعت بعد ذلك إلى جرعات من العلاج الكيماوى والإشعاعى فى معهد الأورام لمدة 6 أشهر، وكانت أصعب فترات حياتى على الإطلاق، كنت أعانى ما بين خدمة أطفالى ومنزلى وخدمة والدتى المريضة بنفس المرض، ورغم كل ذلك لم يرحمنى زوجى الذى كان لا يترك فرصة إلا ويطلب منى أن يتزوج بأخرى، بحجة رعاية البيت والأولاد، وكان يطلب منى هذا الطلب بعد جلسات الكيماوى، أحسست بالذل والقهر والعجز، ولم ألق من زوجى سوى التأفف منى، حتى أراد أن يكسرنى فقرر أن يتزوج بإحدى قريباتى التى كانت أرملة، وجدت نفسى تائهة بين المرض وسوء حالتى النفسية، لينتهى بنا الوضع إلى الانفصال، والآن يعيش كل منا فى منزل منفصل، لدى طفلان وكل ما يهمنى هو إيجاد عمل للإنفاق على مرضى وأولادى بعدما قرر زوجى التخلى عنا للزواج بأخرى.