هشام صادق قبل رحيله: "كارثتين تهددان مصر"!

العدد الأسبوعي

الدكتور هشام صادق
الدكتور هشام صادق


لست ممن يتشاءمون من الرقم 13 لأسباب كثيرة أولها أننى من مواليد 13 وكثير من الأحداث السعيدة كيوم حصولى على الدكتوراه ويوم أول محاضرة دولية لى حدثت فى اليوم 13 إلا أن 13 يونيو هذا العام كان مختلفا...تلقيت مكالمة من الأستاذ/ أحمد الغريانى المحامى بالنقض فى الساعة الثانية عشرة ظهرا...الدكتور/ هشام صادق فى ذمة الله.

وعلاقتى بالدكتور هشام صادق أستاذ القانون الدولى بكلية حقوق الإسكندرية علاقة قديمة امتدت إلى ما يزيد على عشرين عاما.. ففى عام 1996 كان محاضرا فى جمعية الشبان المسيحية بالإسكندرية وكنت من الحضور وكان يتحدث عن ثقافة المواطنة وفى ذلك التوقيت كان الحديث عن المواطنة تعبيراً غير مألوف لدى العامة. بالطبع لظروف المكان والموضوع لم يك الحضور كثيفا وذلك اعطى لى الفرصة أن أحاور وأشاكس الدكتور هشام صادق لفترة من الوقت ودعانى بعدها للانضمام إلى جمعية الثقافة والتنوير التى أسسها وكان أساس نشاطها هو نشر ثقافة الوحدة الوطنية. ودون أن أدرى أنا وربما هو رحمة الله أصبحنا على علاقة وثيقة حتى توفاه الله.

وهذه العلاقة استمرت ضد طبائع الأمور ففارق السن بيننا يتجاوز الخمس وثلاثين عاما والتوجهات السياسية تتفق فى أننا مع الديمقراطية والحرية والمساواة والدولة المدنية إلا إنه كان ناصريا حتى النخاع وانا من محبى الرئيس أنور السادات. هو كان يرى أن التعامل مع إسرائيل خيانة وأنا أراه اختياراً حتمياً فى زمن العولمة وكثير من الامور التى اتفقنا واختلفنا فيها الا أن العلاقة لم تتأثر أبدا بتلك الاختلافات فى الآراء لأنه كان قادرا على الحوار الراقى بل وقادر على إجبار الطرف الآخر على الالتزام بقواعد الحوار المحترم. وكان أيضا قادرا على التعامل مع جيل أبنائه بتفكير كثيرا ما شعرت أنه أكثر تقدمية من جيلى.

والدكتور هشام صادق من أسرة عريقة.. والدة الاستاذ/ على صادق كان رئيس مصلحة البساتين فى وزارة الزراعة وجده لأمه مسمى باسمه شارع مدكور فى الهرم وشقيقه هو الدكتور / حاتم صادق رئيس بنك عودة زوج السيدة هدى عبد الناصر وبرغم ذلك اختار أن يكون يساريا قولا وفعلا فلم أشعر فى لحظة أن يتعامل مع الآخرين من منطلق الارستقراطى بل على العكس كان متواضعا إلى أقصى درجة، مستمعا بإنصات وتركيز حتى لو كان المتحدث أقل منه ثقافة ومقاما.

منذ عرفته كان دائما يحدثنى أن هناك كارثتين فقط قادرتين على هدم مصر وهما أى تأثير على مياه النيل أو على الوحدة الوطنية. ولهذا أسس جمعية الثقافة والتنوير «بعد أن رفضت وزارة التأمينات اسم جمعية الوحدة الوطنية» وكان أعضاؤها المؤسسون من المسلمين والمسيحيين مناصفة. وسعى من خلال الجمعية إلى نشر ثقافة المواطنة التى رأى أنها تحمى المستقبل وحصل فى أواخر التسعينيات للجمعية على منحة من الاتحاد الأوروبى لتعليم مدرسين المدارس ثقافة الوحدة الوطنية وبعد أن بدأ المشروع أوقفته وزارة التأمينات لأنها كما زعمت خشية من اثارة الفتنة!! واعتقد أن ذلك كان بضغوط ممن لا يريدون أن يتعلم أبناؤنا ثقافة الوحدة الوطنية. وكثيرا ما كان يكتب مقالات رأى فى الأهرام مناصرا وداعما لهذة الثقافة وعندما كان يشعر أن رأيه ربما يراه البعض مناصرا للأقباط كان يصر على التوقيع باسمه ثلاثيا: هشام على صادق.

على مدار الزمن تقابلنا كثيرا فى منزله فى كفر عبده وكرم الضيافة الذى كنا نتلقاه منه ومن زوجته رحمها الله مدام منى كان فوق العادة. كان منزله صالون ثقافى لأصدقائه وكان هو مرجعا لنا فى كل ما يتعلق بالقانون الدولى. فى عام 2003 قابلته فى باريس وكان ذاهبا كخبير بصفته أستاذ قانون دولى فى نزاع بين الدكتور/ محمود وهبة والحكومة المصرية كان دائما واجهة مشرفة لمصر فى هذه المحافل الدولية، وعندما وقعت مصر اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية سألته هل تيران وصنافير مصرية أم سعودية.. رد بثقة سعودية بنسبة مائة فى المائة وأن أعترض على الطريقة التى تمت بها الاتفاقية. وأصر على أن يعلن هذا الرأى فى مكالمة تليفونية مع لميس الحديدى على الهواء فقد كان رحمه الله لا يخشى أن يصرح برأيه حتى لو تسبب ذلك فى مشاكل مع المزايدين.

آخر لقاء بيننا كان من شهرين أو أقل، هو طلب لقاء أعضاء جمعية الثقافة والتنوير وطلب بأدب شديد كعادته أن يترك رئاسة الجمعية ربما لشعوره بدنو الأجل وربما لأسباب صحية الا أن رد الفعل الجماعى كان أن هذا الموضوع غير مطروح أساسا وأن بقاءه كرئيس ورمز لا يقبل النقاش.

رحم الله الدكتور هشام صادق الرجل الذى كان تفكيره عابرا للأجيال وبصيرته نافذة عبر الزمن.