"ربنا ما يقطعلنا عادة".. ما السر وراء زيارة المصريين للمقابر بعد صلاة العيد؟ (تقرير مصور)‎

تقارير وحوارات

ورود المقابر
ورود المقابر


في مشهد جلل.. تعتقد بمجرد نظرتك الأولى أنه لجنازة مهيبة، لتجد مئات المصلين يتحركون بملابس الصلاة، ليتوجهوا في حركات ثابتة الخطى تجاه المقابر التي تلاصق مسجد عمرو بن العاص بمصر القديمة، ولا تبعد خطوات عنه، يتمتمون في أصوات منخفضة، وسط صخب الاحتفال بعيد الفطر في كل مكان.
 


حشود تتحرك تجاه أبواب المقابر من كل النواحي، لا ترى من زحامها سوى أيادٍ مرفوعة، تحمل "جريد النخيل"، يزينه بعض الورود، لتعطي الإحساس ببهجة الأعياد، لا تعلم ما صلتهم بالموتى، أو حتى بإحياء ذكراهم، سوى أنك ترى من صغرك الكبار يفعلون هذا، فالتصقت بذهنك تلك الحقيقة المبهمة.
وفي إحدى الأركان رجل قعيد من سكان تلك المقابر، بسيط، أصبح وجهه يشبه لون الثرى الذي لا يرى سواه كل يوم، مهلهل الملابس، سبعيني العمر، التقط أطراف حبل أفكاري قائلًا: "لا أعلم ما سر العلاقة بين جريد النخيل والموتى، ولكني أعلم أنني منذ سكنت عجلات كرسيِ المتحرك لهذا المكان، أرى منه في كل الأعياد والمناسبات".

وقعت تلك الكلمات صعقًا على أذهاني، لماذا نزور الموتى في الأعياد والمناسبات، هل لإحياء ذكرى أحباءٌ تركونا، نريد أن نعيش معهم ونتذكرهم مع فرحة العيد، أم لشئ له علاقة بالدين والسنة، أم هي عادات وتقاليد مثل المئات غيرها، لا نعلم لها مصدر أو هدف، سوى أننا معتادون عليها بدون تفكير.

كل هذه الكلمات دارت في رأسي للحظات معدودة، لتلتقط سيدة بدينة أطراف الحديث من ناحية، وطرف حبل أفكاري الذي كان اختطفه مني العجوز القعيد من ناحية أخرى، لتقول: "نشعر بالسعادة عندما نعيش أول ساعات من عيدنا مع أحباءٍ تركونا وذهبوا دون ميعاد للرجوع، هذا ليس له علاقة بحزن أو بفرح، فقط نتلقف ما تبقى لنا منهم، ونحاول أن نجمع الشتات".
 
وبدأ حوار ساخن في الذهاب والإياب بين مجموعة من السيدات، ملامح مصرية أصيلة، أجساد بدينة، وأعمار متفاوتة، ولكن ثقافة واحدة تقريبًا، اختلفن بين تناول الدين لتلك القضية، هل هو مأخوذ عن سنة للنبي عليه الصلاة والسلام؟، أم هو بدعة، أم هو لا هذا ولا ذاك، وهو مجرد فعل بسيط يقوم به المصريون.. ليتدخل طفل صغير وينهي تلك المعركة الكلامية قائلًا: "عجبًا لهذا الزمن، زوروا بعضكم وأرواحكم مازالت فيكم أولًا، ماتت صلة الرحم فيكم، حتى الأموات لا تتذكروهم إلا في الأعياد".