ربيع جودة يكتب: رسالة العجوز

ركن القراء

ربيع جودة
ربيع جودة


ذهبت إليه ولم تتجاوز الحادية عشر من عمرها.. وكان لها أباً شيخاً كبيراً..  فظلت أمام داره جاثية حتي خرج فتعلقت بأذيال ثوبه وقالت..  استحلفك بالله أن تأخذ والدي الشيخ ليعمل معك..  قال يا بنتي. وماذا سيفعل والدك وقد أكله الدهر حتي صار حطاماً قد وهن عظمه..  قالت اسألك بالله أن تأخذه..  فقد خمصت بطوننا جوعاً..  واستأثر الفقر بنا. قال لها عابساً إذاً أحضريه أحضريه.. فأتت به تجر حطامه وانصرفت..  فقال أيها العجوز.. تجلد معي في السير لأن الطريق طويل..  قال أجل يا بني..  فصارا حتي بلغا أول الجبل..  فقال العجوز..  تمهل يا بني لا أستطيع مجاراتك في السير..  قال له في كدر.. هيا أيها العجوز لقد انفذت صبري معك..  قال العجوز وانفاسه تتقطع أجل انا قادم إليك..  قال أي يوم هذا الذي غابت شمس حظه. سر معي وإلا تركتك.. وهنا تعثرت قدم العجوز فسقط.. فاشتعل غيظ الرجل وهم أن يتركه ويرحل.  غير أن العجوز قال له يابني..  انظر لقد تعثرت قدمي بهذه السلسلة..  فثار فضوله أن يجذبها فإذا بها متصلة بقِدرٍ يمتلئ بالذهب..  فهاج فرح الرجل وأمسك برأس العجوز يقبلها.. ثم نظر إليه وقال سأعطيك نصفها أيها العجوز.. قال هو خير..  ثم راجع نفسه وقال لا. سأعطيك ربعها.. فقال العجوز هو خير..  ثم راجع نفسه وقال أيها العجوز لقد طواك العمر حتي بليت.. سأعطيك حفنة من يدي تتبلغ بها أيامك الباقية..  قال هو خير..  فنظر إليه وقد تملكه الشيطان حتي كأنما ينطق بلسانه.. ففكر وقدر..  وقال ايها العجوز ماذا عليّ إن قتلتك..  ودفنت سري معك فربما علم الملك من أمري فيأخذ القِدر مني. ولن يضيرني موتك..  وليس لك من عصبية تحميك..  قال تقتلني وقد أغناك الله بي.. لكنه قد أعماه طمعه وأغواه شيطانه.. حتي إذا هم بقتله قال له العجوز يا بني..  إذا سألتك ابنتي عني.. فقل لها جملة واحدة..  تفني القدور وتبقى القبور.. فلطمه لطمةً أودت به. ووضع جثته مكان القِدر ورحل.. وفي المساء ذهبت إليه الفتاة.. وقالت ياعم..  اين والدي قال لها يا بنتي إن والدك رجل صالح قد طواه الأجل ونحن في الطريق.. واستوصي به نفر من القوم فغسلوه ودفنوه.. فبكت الفتاة.. وقالت ألم يخبرك شيئاً بأمري قال نعم يقول لك..  تفني القدور وتبقي القبور..  فانصرفت الفتاة باكية.  ثم مضت ثلاث سنوات. اغتني فيها الرجل. وعملت الفتاة خادمة في قصر الملك..  وفي احد الايام كان الرجل يمر من الطريق القديم فرأي عجباً..  ففي موضع قبر العجوز نبتت ثمرة (بطيخ) كبيرة جداً وغريبه..  فوقع في نفسه ان يهديها للملك فيجزل له العطاء..  فلما أتاه قال الملك والله لن ترحل حتي تطعمها..  وأمر الخادم فشقها فإذا بها تسيل دماً..  فأمر الملك بالسيف فوضعه علي عنقه وقال. أخبرني بشأنك وإلا قتلتك..  فحكي له من أمر العجوز. والفتاة خلف الأستار تسمع. حتي إذا انتهي تعلقت الفتاة برقبته وقالت له أخبر الملك برسالة العجوز لي. قال والله اخبرني بشيء ما علمت مقصده  إلا اليوم وكأن الرسالة كانت لي وليست لابنته..  فأمر به الملك فحملوه الي قبر العجوز..  وأمر السياف فقتله ووضعه مع العجوز وكتب علي قبره تفني القدور وتبقي القبور..