د. رشا سمير تكتب: البنزين والدولار وغادة والغلابة!

مقالات الرأي



مما لا شك فيه أن مواقع التواصل الاجتماعى تحولت إلى حلبة للصراع والجدال والهذى الذى أخذ من وقت البشر الكثير.. والوقت، فى ظروف دولة مثل مصر تعانى من أزمات متلاحقة وتحاول جاهدة الوقوف فى وجه إرهاب خارجى وداخلى وتعثر اقتصادى يعتبر أولوية.

الحقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت هى المحرك الرئيسى ليس فقط لرد الفعل بل للفعل أيضا.

المؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت الجاسوس الأعظم للدول العظمى على دول العالم الثالث الذى لم تعد تعى خطورة المواقف ولا شدة تأزمه..فقد أصبح الأمر فى منتهى السهولة لأى شخص يقوم بجولة سريعة على الفيسبوك أو التويتر بأن يطلع بشكل قوى على كل كبيرة وصغيرة تخص الوطن.. فالأعداء واضحون بآرائهم والمطبلاتية يكادون يفصحون عن أنفسهم بالنقر على الطبول طول الوقت.

استيقظت القاهرة من النوم على خبر زيادة البنزين الذى كان متوقعا ولم يكن متوقعا فى آن واحد!.. فبعد قبول الدولة لقرض صندوق النقد الدولى والذى كان من شروطه الأساسية رفع الدعم عن البنزين كان من المتوقع أن تقوم الحكومة بتلك الخطوة إن آجلا أو عاجلا.

لكن الشعب كان ومازال يكتوى بأسعار السلع التى زادت بشكل مبالغ فيه بعد رفع الدعم فى المرة الأولى.. تلك الزيادة التى تتم عادة دون أى رقابة من الحكومة على الأسعار.

وما بين تصريح السيد وزير البترول بعدم الزيادة وتبريره لذلك على الفضائيات بأن سبب النفى هو عدم إثارة بلبلة وزحام على المحطات.. وهو ما قد يكون صحيحا، لأننى لا أعتقد نظرا لسمعة السيد الوزير الطيبة أن ذلك تم دون علمه.

ما بين هذا التصريح وتصريح السيد رئيس الوزراء بأن هناك حالة رضا بين المواطنين على زيادات الوقود!.. فاضت مواقع التواصل الاجتماعى بالنكات والتعليقات الساخرة.

لكن..وبعيدا عن كل هذا وذاك.. هناك حالة لا تخطئها العين من الاكتئاب التى يعانى منها المواطنون بسبب تلك الزيادة التى أتبعها زيادة فى كل شىء.. وحالة من الترقب والقلق وسؤال يطرحه كل شخص سواء فى العلن أو فى سره: احنا رايحين على فين؟!.

الحقيقة أنا نفسى لا أجد إجابة لهذا السؤال.. هل نحن حقا بصدد إصلاح اقتصادى حقيقي؟ كيف والأرقام تؤكد عكس ذلك..هل الغد سوف يكون أفضل دون شك لأبنائنا لو قمنا نحن ببعض التضحيات أم أنهم سيسلكون نفس الطريق؟

أرى أنه كان من الضرورى أن تتعامل الدولة ببعض الشفافية مع المواطن الذى يتحمل وحده دون شك عبء الإصلاح وكأن المواطن هو موطن الرزق الوحيد للدولة!.

كان يجب على الحكومة أن تخرج على المواطنين بخطة واضحة تقر فيها بالخطوات التى سوف تتبعها لسداد قرض الصندوق، وتوضح بالتواريخ مواعيد رفع الدعم وعدد المراحل التى سوف يتم فيها رفع الدعم للنهاية..أليس هذا من حق المواطن؟!.

كما أن تأكيد رئيس الحكومة على أن الأسعار تحت السيطرة، هو الكلام الأغرب من الخيال، لأن الأسعار بلا رقيب وليست تحت السيطرة بأى شكل من الأشكال..فبعد رفع الدعم بساعات كانت أسعار السلع عادية جدا بدءا من التين الشوكى قد بدأت فى الارتفاع!..

والتاجر لا يردد سوى: ما هو البنزين غلى!.

نعم..لم يدفع ثمن خطة الإصلاح الاقتصادى سوى المواطن الكادح..ببساطة لأن الطوابير على المولات لا نهاية لها.. وحفلات الفووم بارتى فى الساحل تكتظ بالشباب، والإقبال على حجز الكومباوندات غير مسبوق.. إذن الهدف هو المواطن الكادح.

وانقسمت مواقع التواصل إلى ثلاث فئات تتراشق بالشتائم والاتهامات.. فئة إخوانية حقيرة شامتة وسعيدة فى الوضع وطبعا تنفخ فى النار دون توقف.. وفئة الأثرياء التى لا تكتوى أبدا بالأسعار وهى فئة دائمة التطبيل والدفاع ببساطة لأنها لا تتحمل فاتورة الإصلاح ولم تشعر لحظة بالغلاء.. وفئة تعيسة بحق وهى الطبقة المُعدمة التى تكبش الحكومة من جيوبهم لإصلاح الوضع وهؤلاء يبكون حالهم ويندبون طول الوقت.

ثم يتبدل الحال فجأة..وتتجه كل الأنظار إلى غادة عبد الرازق..وتذهب قصة الدعم إلى طى النسيان: (هى غادة كانت سكرانة؟..لأ يا عم دى ممثلة غيرانة منها هى اللى لفقت لها الفيديو!..أيوه يا عم بيقولك مأجرة جزيرة تصيف فيها)!.

هذه هى مواقع التواصل الاجتماعى.. وهذا هو الشعب المصرى.. ولا عزاء للطبقة المتوسطة!..