د. نصار عبدالله يكتب: ذكريات فاطمة اليوسف (2)

مقالات الرأي



مازلنا مع مذكرات الفنانة المقتدرة، والرائدة الصحفية الرائعة: «فاطمة اليوسف»، والتى صدرت طبعة لها بعنوان: «فاطمة اليوسف – ذكريات» عن الهيئة العامة للكتاب عام 2008، وقد قسمت ذكرياتها إلى قسمين أو كتابين رئيسين هما: «أيام الفن»، و«أيام الصحافة».. وفى كتاب الفن تروى لنا كيف دخلت إلى هذا العالم الرحيب وكيف تألقت فيه غير أنها تغفل فى ذكرياتها ذكر أى شىء عن المرحلة السابقة لدخولها عالم الفن أى مرحلة النشأة مكتفية بالإشارة إلى أن الصفحات التى تكتبها وتقدمها إلى القارئ ليست «مذكرات» وإنما هى على حد وصفها ذكريات متزاحمة، وأن القارئ إذا وجد أحيانا أن وقائعها ليست منتظمة وفق تسلسلها التاريخى، فإن علة ذلك فيما يشير تنويهها الذى أوردته فى بداية كتابها، علة ذلك فيما تقول هو أن الفترة التى تؤرخ لها هذه الذكريات كان طابعها عدم الاستقرار، وكان الاضطراب هو «نظام» حياة أبطالها!، على أى حال فإن الفترة التى سبقت دخولها إلى عالم المسرح ليست بالفترة الطويلة إذ إنها دخلت إلى ذلك العالم مبكرة جدا وهى لما تزل طفلة فى العاشرة. وهى السن التى تجمع كل المصادر أنها كانت بداية حياتها فى مصر فقد كانت فى الأصل فتاة لبنانية من أصل تركى، والدها محيى الدين يوسف تاجر تركى ثرى دائم الأسفار، وقد توفيت زوجته عقب ولادتها لابنتهما فاطمة فى طرابلس عام 1898، وعندما حان موعد سفره تركها فى رعاية أسرة مسيحية فى بيروت بعد أن جلب لها مربية خاصة هى خديجة، وترك للأسرة مبلغا من المال فى مقابل تكبدها أعباء الرعاية وأجر المربية، بعدئذ انقطعت أخبار الأب فما كان من الأسرة إلا أن قامت بتبنى الفتاة وأخفت عنها حقيقة نسبها وأطلقت عليها اسم روز وهو الاسم الذى اشتهرت به فيما بعد!، وحينما كانت فى سن العاشرة أبدى أحد أصدقاء الأسرة رغبته فى أن يصطحب معه هذه الفتاة الجميلة لكى تسافر معه إلى أمريكا، ولقد أدهش روز يومها أن تفرط أسرتها فيها بهذه البساطة، وحينئذ باحت لها مربيتها خديجة بالسر، وهى أنها ليست مسيحية، ولكنها مسلمة، واسمها الحقيقى هو فاطمة!، وهو ما جعلها توافق ظاهريا على السفر، لكنها كانت فى باطنها تضمر أمرا، فحينما رست السفينة على ميناء الإسكندرية تسللت منها روز، وانطلقت منها إلى الميناء، ومن الإسكندرية إلى القاهرة. حينما كانت تتردد على المسرح كمتفرجة، لكنها كما روت فى مذكراتها أو ذكرياتها كانت تتسلل أحيانا من الصالة التى تطل على الكواليس وتقف عند هذا الحائط أو ذاك تحدق فى الممثلين والممثلات وهم يروحون ويجيئون، تحاول أن تتعلم طريقتهم فى الإلقاء الممطوط وتنغيم الكلمات، وتتمنى لو أصبحت مثلهم تتكلم بالأشعار الرقيقة وتهتف بالكلمات الحماسية وكانت واقفة، تائهة هكذا يوما حين رآها الـممثل الكبير عمر وصفى، وكان عمر وصفى ضخما جدا عريض الصوت واسع العينين معروفا بنظراته المخيفة، وسدد إليها نظرة مرعبة فأجهشت بالبكاء حين دخل رجل آخر عيناه مفعمتان بالطيبة والإنسانية هدأ من روعها، وطلب لها واحد شربات وكان هو عزيز عيد الذى دخلت على يديه بعد ذلك عالم الفن.