عزيزة أمير.. "أميِة" جعلها المرض رائدة السينما المصرية

منوعات

عزيزة أمير
عزيزة أمير


نشأ فعليًا الفن السابع فى فرنسا عام 1895 على يد الأخوين لوميير ومن ثم انتقل إلينا لنكون ثانى دولة تدخلها السينما الصامتة ومن ثم الناطقة، وكانت أول امرأة تدخل هذا المجال مبكرًا جدًا عام 1926 من خلال فيلم سينمائي روائي بعنوان (نداء للرب) والذى أنتجته ومثلت فيه “عزيزة أمير” لتبدأ تاريخها السينمائي وتخوض بذلك مغامراتها بين التمثيل والإخراج والتأليف والإنتاج، لتصبح أول امرأة تقتحم صناعة السينما ليس فى مصر فقط بل فى العالم بأسره، في وقت لم يكن للمرأة ظهور في أغلب المجالات وخاصة المجالات المثيرة للجدل كتلك، وحتى نتعرف على هذه المرأة التي استطاعت بجدارة الحصول على هذا اللقب “أم السينما في مصر”، نحاول فيما يلى المرور على أبرز محطات أول سينمائية فى العالم.


النشأة فى الإسكندرية وحب "الفن" يبدأ من أوروبا:

ولدت “مفيدة محمد غنيمي” وهو اسمها الحقيقي في محافظة دمياط في 17 ديسمبر1901 ونشأت يتيمة، بعد أن مات والدها بعد خمسة عشر يومًا فقد من ميلادها، عاشت طفولتها في الإسكندرية، ثم انتقلت مع أسرتها إلى القاهرة لتلتحق بمدارسها ولكنها لم تكمل تعليمها، لكنها كانت قد أجادت القراءة والكتابة، واللغة الفرنسية ودرست مبادئ العزف على البيانو حيث كان حلمها فى الطفولة أن تصبح موسيقية، فتشكل وعيها وثقافتها، إلى جانب ذلك تأثرت شخصية “عزيزة” برحلة قامت بها مبكرًا إلى أوروبا مع أحد أصدقاء أسرتها، وساهمت هذه الرحلة فى توسيع مداركها وفتحت أبواب عقلها لعشق الأدب والفن، حيث ترددت هناك على المسارح واستديوهات السينما، ويقال بأنها قد تزوجت من هذا الرجل، إلا أن الزواج لم يستمر طويلًا، بسبب كبر سنه ولكونه متزوجًا.

خلال رحتلها إلى أوروبا تعرفت على المخرج العالمي دافيدوارك جريفيت مؤسس السينما في هوليود، وعرض عليها الظهور في أحد أفلامه العالمية إلا أنها عادت لمصر ولم تتمكن من المشاركة فى الفيلم.

لما عادت إلى مصر بدأ مشوارها الفنى بالمسرح، بعد أن قرأت ذات يوم إعلانًا في الصحف المصرية عام 1925م ومفاده أن يوسف بك وهبي يطلب وجوهًا جديدة لفرقة رمسيس المسرحية فأرسلت إليه خطابًا وأرفقت به صورتها، وأبدت فيه رغبتها بالعمل في المسرح، وطلبت منه أن يعطيها دور البطولة، فأعجب يوسف وهبي بثقتها في نفسها، واختار لها اسم “عزيزة أمير” كاسم فني لها وقدمها في دور العروس الخجولة في مسرحية بعنوان "الجاه المزيف".

قضت "أمير" مع يوسف وهبي موسمًا واحدًا فحسب، ثم تنقلت بين فرقتي "شركة ترقية التمثيل العربي" و"نجيب الريحاني"، ومثلت مع الفرقة الأولى مسرحيات "ليون الأفريقي"، "إحسان بيك"، "المجاهدون"، "فرانسيسكو"، “الشرف "الياباني"، ومع الفرقة الأخرى مثلت مسرحية "الآنسة بطاطا"، ثم عادت الى فرقة رمسيس مع "يوسف وهبيو" قامت ببطولة مسرحية "أولاد الذوات"، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي، كانت مرشحة لتمثيل دورها فيه، إلا أن الدور ذهب إلى الفنانة "أمينة رزق".


طرقت أبواب السينما..فنصبتها السينما سيدتها الأولى:

ما أن عرفت “عزيزة أمير” طريقها للسينما واختارت أن تكرس حياتها من أجل تطويرها، واعتزلت بالفعل المسرح لصالح العمل فى السينما وأتخذت أولى خطواتها فى هذا الشأن بإفتتاحها شركة انتاج سينمائي باسم “إيزيس” والتى أنتجت 25 فيلمًا سينمائيًا وكان باكورة إنتاجها فيلم “ليلى” والذى يعد أول فيلم روائي طويل مصرى وبدأت قصة الفيلم من المخرج التركي “وداد عرفي” عام 1926، عندما أقنعها بإنتاج هذا الفيلم الذى سبق وأخرجه في فصلين باسم “نداء الله” وقام فيه بدور البطولة أمامها، وتحمست “أمير” وقتها للتجربة وخاضت غمارها حتى خرج الفيلم للنور فى نوفمبر 1927 وحضر حفل الافتتاح أمير الشعراء “أحمد شوقى” والإقتصادى الأبرز فى تاريخ مصر “طلعت حرب” وقال لها “شوقى” حينها ” لقد نجحتِ فيما عجز عنه الرجال”.

وللأسف فيلم”ليلى” لا توجد منه أية نسخ الاَن، حيث يقع ضمن قائمة الأفلام السينمائية المصرية المفقودة.

“نشأ فيلم السينما فى كل الممالك وتطور فى كل مملكة بحسب الظروف وبحسب استعداد الفنانين فيها لمتابعة سير هذا الفن والعناية به..وهذا الفن كان لايزال معدومًا فى مصر إلى مدة شهر تقريبًا حيث تشجعت السيدة عزيزة أمير وجازفت بوضع النواة الأولى فى سبيل نهضة السينما” 


رحلة عشق السينما.. بين خسارة ونجاح وتوقف وعودة:

بعد فيلم “ليلى” قدمت “بنت النيل” والذى لم تكتف بإنتاجه فحسب، وإنما أخرجته وعرض في ديسمبر عام 1928م.

وأيضًا في بداية الثلاثينات أنتجت فيلم “كفري عن خطيئتك” وهو فيلم صامت عرض في مارس 1933، إلا أنها تكبدت فيه خسائر كبيرة نظرًا لعرضه بعد ظهور السينما الناطقة، وكانت الخسارة سببًا فى توقف”عزيزة أمير”عن الانتاج لفترة حتى عادت من جديد عبر فيلمها الناطق “بياعة التفاح” وقد شاركها البطولة زوجها الثانى”محمود ذو الفقار”.

“ذوالفقار” شاركها أيضًا الكتابة السينمائية في أفلام “الورشة” 1940 و“عودة طاقية الإخفاء” 1947 و”خدعني أبى” 1952.


أول فيلم سينمائي عن القضية الفلسطينية.. إنتاج وقصة “عزيزة أمير”"

استخدمت “عزيزة أمير” السينما كأداة لخدمة القضية السياسية الأهم والأبقى والأكثر إيلامًا فى تاريخنا العربي “القضية الفلسطينية”، وقدمت عبر شركتها “إيزيس”فيلمًا باسم “فتاة من فلسطين” والذى عرض فى نوفمبر 1948 وكان أول فيلم سينمائي يتناول القضية الفلسطينية، وكتبت هى قصة الفيلم والسناريو الخاص به وأخرجه “محمود ذو الفقار” ضمن سلسلة التعاون الطويل بينهما، وقام ببطولته: سعاد محمد – محمود ذو الفقار – حسن فايق – زينب صدقى.


الرحيل بعد "اَمنت بالله)":

ختمت مشوارها الفني في فبراير 1952م بإنتاج فيلم (آمنت بالله) الذي عرض في نوفمبر عام 1952 بعد أن احترقت بعض فصوله في حريق القاهرة في 26 من يناير عام 1952، وفى العام نفسه رحلت رائدة السينما المصرية وأمها “عزيزة أمير”.


الزواج فى حياتها:

بعيدًا عما يذكر عن قصة زواجها من صديق للعائلة وهى فى سن صغيرة،ما هو معروف للجميع أنها تزوجت مرتين، الأولى عام 1927 من عمدة سمالوط “أحمد الشريعى” وكانت قصة الزواج صعبة والاستمرار فيها أصعب.

بدأت القصة بلقاء بينهما خلال إحدى حضوره عرضًا لإحدى مسرحياتها وتطورت قصة الحب بينهما حتى قررا الزواج لكن هذا القرار لاقى رفضًا من أهله نظراُ لتحفظهم الشديد على عملها بمجال "الفن".

images ويقال أن “عزيزة أمير” عندما اتخذت قرارها بإعتزال المسرح لم يكن فقط من أجل السينما وإنما كان تنفيذًا لرغبة زوجها الذى أراد أن يتقبل أهله الزواج منها بهذه الطريقة، لم يستمر زواج “عزيزة” من “الشريعى” طويلًا وانفصلت عنه حتى تستمر مسيرتها السينمائية دون قيد

الزواج الثانى كان من المخرج “محمود ذو الفقار” والذى شاركها التمثيل والكتابة والإنتاج واستمر زواجهما حتى وفاتها عام 1952 وبعد وفاتها بستة أشهر تزوج “ذو الفقار” من الفنانة مريم فخر الدين.

للاَسف اسم "عزيزة أمير" لا يتكرر ذكره كثيرًا وقلما يُنسَب لها الفضل فى فتح الباب للأفلام الروائية الطويلة وللظهور النسائي فى هذا المجال وهذه اَفتنا "النسيان".