حراس الحضارة في خطر.. مفتشو آثار يكشفون مفاجآت بالجملة لـ"الفجر".. والوزارة ترد (مستندات)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


حراس الحضارة.. لقب يحصل عليه كل من يسعده الحظ ويتم تعيينه بوزارة الأثار كمفتش للأثار، ولمن لا يعلم فمفتش الأثار هو مسؤول عن موقع ما، يراقبه ويعتني به ويلاحظ أي خلل يحدث بجدرانه أو بزخارفه، ويقف في وجه أي اعتداء يحصل من أي جهة سواء رسمية أو غير رسمية على الأثر، ويعمل علي تطوير العمل به، والدعاية له أيضًا إن أمكن، ولمفتش الأثار عدة مميزات منها الضبطية القضائية فهو يستطيع أن يضبط كل من يتعدي على أثر وتوقيفه، إذًا فهو بالفعل حارس للحضارة.

 

وعلى الرغم من مكانة مفتش الآثار وسلطاته الواسعة ومن أنه يملك تحت يديه حضارة تقدر بالملايين إلا أنه يتعرض لهضم شديد لحقوقه المالية، والمعنوية، ولذلك تحاول بوابة "الفجر" كشف العديد من الأسرار والكواليس الخاصة بتلك المهنة، وما يتعرضوا له من تهميش.

 

تقول السيدة مروة عبد الحافظ مفتشة أثار بمنطقة القاهرة التاريخية، إن العاملين بالأثار يواجهون أقصي درجات التعنت الإداري لأخذ مستحقاتهم المالية، حيث أن رواتب العاملين بالوزارة تقل عن الحد الأدني المناسب للمعيشة.

 

وأوضحت أن مربوط الدرجة بوزارة الأثار وعلى سبيل المثال "الدرجة الثالثة التخصصية" يتراوح ما بين 40 و 50 جنيه شهريًا، وبالبدلات والحوافز يصل راتب مفتش الأثار إلي ما يقترب من 1200 جنيه شهريًا، وتقول أن قرار رئيس الوزراء في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور الدكتور حازم الببلاوي، والذي يحمل رقم 22 لعام 2014 م بأحقية العاملين بالدولة من لم يصل حوافزهم ورواتبهم إلي 400 %، بأحقيتهم في الحافز 400 %، ولكن من عام 2014 إلي الأن لم يتم تطبيق هذا القرار.

 

وتضيف السيدة "مروة" وهي مفتشة أثار بالقاهرة، أن موظف المالية يتقاضي ما يقرب من 10 آلاف أو 15 ألف جنيه شهريًا، وذلك كي لا يقوم بسرقة ما يحرسه من أموال المواطنين علي حد قولها، فما الحال مع حراس الحضارة "مفتشي الأثار" والذين يحرسون مقتنيات بملايين، فعلي سبيل المثال يوجد متحف بمدينة طنطا يحوي 5000 آلاف قطعة أثرية، ومفتش الأثار المسؤول عنه وهو متعاقد يتقاضي ما يقل عن الألف جنيه شهريًا، فهل إن أهمل فيما تحت يده بأي شكل من الأشكال مما تسبب في فقد الأثر أو إتلافه سيتم عقابه؟ بالطبع نعم، بل ويجب معاقبته أقصي عقوبة ممكنة، إلا أنه في نفس الوقت يجب أن يتقاضي راتبًا يغنيه عن السؤال، وعن الإحتياج إلي عمل إضافي يستهلك معظم وقته كي يتمكن من أن يحيا حياة كريمة.  

 

وفجرت السيدة مروة مفاجأة أخرى، خلال حديثها لـ"الفجر"، حيث قالت إن بدل المخاطر للعاملين بوزارة الأثار هو 20 جنيهًا لا أكثر، وهو أمر يثير الدهشة، حيث أن المخاطر التي يتعرض لها مفتش الأثار مرتفعة للغاية.

 

وهنا يقول باسم الأشقر مدير التعديات بالأزهر والغورية، أنهم في أثناء رفع المخلفات من قاعة الدرديري هاجمتهم عقارب وثعابين سامة، ولو تعرض في هذه الأثناء أحد المفتشين للدغ لا قدر الله فلا حياة لمن تنادي ولن يتلقي التعويض المناسب.

 

وأضاف أيضًأ أن الكثيرين من مفتشي الأثار تعرضوا لمخاطر إما بسبب لصوص الأثار، أو بسبب مخاطر الترميم والتعامل مع المواد الكيميائية، أو بسبب رفع وإزالة التعديات والتي غالبًا ما تكن مليئة بالزواحف الخطرة، وضرب علي ذلك عدة أمثلة منها مفتش أثار بمنطقة حلوان تم الإعتداء علية وبتر أصابعه من قبل بعض تجار الأثار بسبب أحد التقارير التي رفعها والتي تثبت تعديهم علي الأثار بالمنطقة، والذي نتج عنه إزالة التعدي، وكذلك تعرض بعض زملائها لإطلاق نيران بالصعيد وتحديدًا بمنطقة أبو صير ببني سويف أثناء جولة بأحد المناطق الأثرية حيث تفاجئوا بوجود عدد من الملثمين يقومون بالحفر في أحدي المناطق الأثرية، وقام هؤلاء الملثمين بإطلاق النار عليهم ولاذوا بالفرار.

 

وفي السياق ذاته قالت مروة عبد الحافظ، إن الإداريين أو من بيدهم الشأن المالي بالوزارة يتم صرف حوافز أكبر بكثير من المفتشين العاملين بالمواقع الأثرية أو بالمتاحف وضربت مثال علي ذلك بأحد مسئولي المالية بالوزارة والتي صرفت مكافأة 700 جنيه لمديرين عموم الشئون المالية والإدارية، في ظل وجود تدني شديد في مرتبات العاملين حيث ان مرتب مفتش الأثار يصل إلي 2000 جنيه وأقل بعد عمل 20 عام ويبدأ مرتب المفتش بعد التثبيت بمرتب يقترب من 1300 جنيه شهريًا أو أقل.

 

وهنا قال أحمد السيد أحد مفتشي الأثار بالقاهرة، إن الإهمال الواقع علي الأثار أحد أهم جوانبه هو إهدار الوزارة لحقوق مفتشي الأثار والعاملين المالية والإدارية، حيث أن تدني رواتب العاملين يؤدي إلى احتياجهم لمصدر دخل إضافي مما يترتب عليه قدر من الإهمال في متابعة الأثر المسؤول عنه.

 

ومن جهته قال محمد عبد الرحمن مفتش أثار بالغورية، إن متابعة الأثر يجب أن تكون يومية ولا يصح أن يكتفي مفتش الأثار بمتابعة أسبوعية أو شهرية، معللاً ذلك بقوله أن "الترييح" في الأثر قد يحدث بين يوم وليلة وإن لم يتم تداركه قد يتفاقم ويصبح الأثر بدلاً من أن يحتاج إلي ترميم بسيط، يتحول الأمر إلي مشروع ترميم كامل، فلو تم الإعتناء بالمفتش ماليًا ومراقبته إداريًا فسنوفر الملايين علي الوزراة جراء الإهمال الذي يؤدي إلي تدهور حالة الأثر وإحتياجه للترميم في النهاية.

 

بينما قالت مروة عبد الحافظ، إن بدل الضبطية القضائية لمفتش الأثار 25% من الأساسي، ولكن علي الورق فقط ولم يحدث وأن تقاضاها أحد من قبل، والضبطية القضائية كما أوضحت عبد الحافظ هي سلطة أعطتها الدولة لمفتش الأثار كي يضبط أي مخالف أو معتدي علي الأثر مما تمثل من خطورة علي المفتش علي حد قولها.

 

وتابعت: "راتب مفتش الأثار لا يجب أن يقل عن 4000 آلاف جنيه شهريًا، فإضافة إلي ما يعاني منه العاملين بالوزارة من تدني في مستوي الرواتب، أيضًا يعانون من إهمال في الجانب الصحي، حيث أن الخدمة الطبية المقدمة للعاملين سيئة للغاية، ومنعدمة في بعض المناطق، فكل من يمرض من العاملين، يتم جمع مبالغ ماليه له بواسطة زملاؤه لإستكمال ما ينقص من علاجه".

 

 ومن ناحيته قال أحمد السيد إنه بعد مطالبات لفترة تزيد عن الثلاث سنوات وافقت الوزارة علي علاوة الحد الأدني وكانت المفاجأة أن العلاوة فقط 300 جنيه، وبعد أن وافقت وزارة المالية علي العلاوة بتاريخ 15-6-2017م، تم إصدار قرار ثاني من نفس الجهة بتأجيل صرف العلاوة حتي يتم التأكد من إستحقاق العاملين.

 

أما عن الردود الرسمية لوزارة الأثار فقد صرح الدكتور مصطفى أمين والذي يحتل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأثار، أنه تمت مطالبة من الوزارة للمالية بضرورة رفع رواتب العاملين بالأثار.

 

وأوضح أمين لـ"الفجر"، أن خالد العناني خاطب وزير المالية في السادس عشر من مايو الماضي بضرورة رفع رواتب العاملين كي تصل إلي الحد الأدنى المقرر من الحكومة.

 

وأفادت المالية في منشورها الصادر لوزارة الأثار بتاريخ 19 / 7 / 2017 تحت رقم 11198 بموافقتها علي منح تسهيلات صرف لوزارة الأثار بمبلغ 225 مليون جنيه بدءًأ من أول يوليو 2017 وحتي نهاية سبتمبر 2017 م لصرف رواتب وأجور العاملين بالوزارة، علي أن تتحمل الوزارة هذا الدين والذي بلغ إجماليه حتي الأن 4352 مليون جنيه.

 

كما أفادت في نفس المنشور بأن العاملين بالأثار لا يحق لهم صرف علاوة الحد الأدني لأنهم يتمتعون بحافز إثابة أعلي وهو حافز 410%، وذلك لإنتفاء تطبيق شرط العلاوة عليهم لكون أجورهم الشاملة غير ممولة من الخزانة العامة للدولة.

 

ويقول أحد العاملين بالوزارة أنه علي الرغم من أن الوزارة ذاتية التمويل إلا أنها تخضع لقانون الخدمة المدنية الجديد وليست معفاه منه أسوة بباقي الوزارات الذاتية التمويل، ونسبة الـ 410% التي تتحدث عنها وزارة المالية هي نسبة غير قانونية، ومتفاوتة من موظف لآخر، ولا تصرف إلا في أضيق الحدود، حسب أحد المنشورات الصادرة من الوزارة.

 

وكان الدكتور خالد العناني قد صرح أثناء زيارته لكوم الناضورة بالأسكندرية وأثناء حديثه الودي مع العاملين فيه بأنه يعي ويعرف بأن رواتب مفتشي الأثار لا تكفي المجهود الذي يبذلونه وأن الوزارة تسعي جاهدة لتحسين دخولهم بشكل عام، حيث أن الوزارة ذاتية التمويل، ولا تتلقي دعمًا من المالية إلا في أضيق الحدود.

 

ولكن يبقي الوضع حتي الآن علي ما هو عليه، فصرف علاوة الحد الأدني توقف، ورواتب العاملين لم تشهد تحسن، وردود المسئولين بالوزارة غير واضحة حتى الآن.