قصة "البر والبر الآخر".. حياة بلا أي شيء لأطفال جزيرة الوراق (فيديو)

أخبار مصر

بوابة الفجر



عاشوا طفولتهم بين المعديات ذهابًا وإيابًا، وبين نقص الخدمات داخل الجزيرة من مدارس ومستشفيات وأماكن للتنزه، ربما لم يحلموا بأكثر مما عاشوا فيه، فقط تمنوا أن يعيشوا في سلام، بعيدًا عن تخوفاتهم الدائمة من هدم منازلهم، التي تجدد بين الحين والآخر.

 

أوقات لهوهم بسيطة، تتلخص بين السباحة في قنوات المياه الصغيرة بين الأراضي والمساحات الخضراء، وبين التنزه بالحمار داخل الغيطان والأراضي الزراعية، أو ربما ركوب المعديات يوميًا، لملئ المياه من البر الثاني، حتى يستطيعوا أن يأكلوا ويشربوا، فلا مياه داخل منازلهم ولا صرف صحي.

 

يعيش أطفال جزيرة الوراق بين حياتين لا يفصلهما سوى الماء فقط، حياة الريف البسيطة، التي تحوي منازلهم الصغيرة، وحياة الحضر والمدينة، التي يصبحون مُجبرين على التعايش فيها كل يوم حتى ولو ساعات قليلة، فلا مدارس داخل الجزيرة ولا مستشفيات، ولا حتى أسواق للخضار أو محال لبيع الملابس والمستلزمات.

 

قصة البر والبر الآخر
شرد أحد الأطفال بذهنه وألقى بعينيه الصغيرتين تجاه البر الثاني من المياه، قائلًا: "كان بالنسبة لنا البر الآخر من الشاطئ حياة لا نعلم عنها أي شئ، ربما كان المجهول، وعندما كبرنا واجهنا الحقيقة، وهي أننا كبرنا قبل أواننا، وأصبح يجب علينا العبور للبر الآخر من أجل قضاء احتياجاتنا".

 

ربما ليس كافيًا أن تعيش داخل جزيرة الوراق، رغم جمال مساحاتها الخضراء، وريفها البسيط الذي يقبع في وسط المدينة، إلا أن شبح العزلة يطارد الأطفال قبل الكبار داخلها، خاصة وأنها تفتقر لكل المقومات الأساسية للحياة.

 

ورد طفل آخر: "كنت أظن هذه المعدية شبحًا عندما كنت صغيرًا، وعندما كبرت قليلًا، أصبحت لا أخاف منها، ولكني أخاف مما وراءها، الشط الآخر للمدينة، عندما أتوجه للمدرسة كل يوم، لا أعلم أشخاصًا هناك سوى مدرستي الصغيرة، ولا أعلم لو توقفت المعدية في ذات مرة، كيف لي أن أعود لمنزلي".

 

عندما تسقط هذه الكلمات داخل أذنيك، تعتقد أن تتلقى أطراف الحديث من شاب بالغ، وليس طفلًا لم يتعد عمره 13 عامًا، أفقدته ظروف الحياة الصعبة داخل الجزيرة طفولته.

 

ماذا ينتظر مستقبل أطفال الوراق؟
الوضع كما هو عليه، لا مدارس ولا لهو ولعب، ماذا ينتظر مستقبل أطفال الوراق؟ هذا السؤال تردد على أذهاننا طيلة تجولنا داخل الجزيرة، أطفال ضربهم الشيب، كبروا قبل أوانهم، وعقول ودعتها الطفولة قبل أن تُولد.


ربما كان الأطفال هم القصة الغائبة لجزيرة الوراق، لم ينتبه لهم أحدًا خلالل صراع "بيع الجزيرة"، فلكل حرب ضحايا، ولكن أصعبهم تلك التي يكون ضحاياها الأطفال، ممن ليس لهم ذنب.


عندما يتحول الواقع إلى قصة درامية أو سينمائية فهذا أمر طبيعي، أما عندما يحدثُ العكس، وتتحول القصة الدرامية لحقيقة، يصبح الأمر أكثر بؤسًا وألمًا، فعندما تطأ قدماك للجزيرة، تعتقد للوهلة الأولى أنك فتحت التلفاز على أحد المسلسلات الدرامية، وتبدأ نفسك في التساؤل: هل هذا المكان داخل القاهرة بالفعل؟ كيف للأطفال أن يتعايشون بدون أي مقومات للحياة؟ كيف لهم أن يقطعوا كل هذا الطريق والمعدية بلا خوف أو رهبة؟ كيف لطفل يبدأ عامه الدراسي الأول عند عمر 4 سنوات أن ينطلق في هذه الظروف ومن المفترض أن يملؤه المستقبل أملًا في الغد؟

 

أطفال وشباب جزيرة الوراق يتحدون صعوبة الحياة
لم تمنعهم صعوبة الحياة من الوصول لمرادهم، حيث قال يحيى المغربي رئيس مجلس محلي أسبق بالجزيرة، إن الكثير من أطفال الجزيرة، خريجو كليات الطب والهندسة وكليات القمة، على الرغم من صعوبة الانتقال منها وإليها، إلا أن صعوبة الحياة في الجزيرة لم تنعهم من التفوق النجاح.

 

ولم يمنعهم فقر الحياة داخل الجزيرة من الاستمتاع، فعندما تتجول داخلها، ترى الأطفال هنا وهناك، داخل الزراعات وداخل قنوات المياه الصغيرة في الأراضي، يعلو ضحكاتهم، غير مكترثين بتلك الهموم.

 

أطفال جزيرة الوراق يفقدون عذرية طفولتهم
عيناه صغيرتان، مليئتان بالأمل واليأس معًا، أملٌ في أن يخرج من الجزيرة التي اعتبرها "سجنًا"، ويأسًا في أن يستطيع أن يُكمل حياته خارجها وحده دون أهله، الطفل الصغير محمد عنتر، الذي يبلغ من العمر نحو 7سنوات، تعتقد للوهلة الأولى أنه طفل كبقية الأكفال بالجزيرة، انتظرته للحظات ليهرول ناحيتي ويطلب مني التقاط صورة بالكاميرا كغيره، ولكنه لم يأت.


بدأت في خطواتي الصغيرة تجاهه، وقبل أن انطق أي شي، وكأن صدره كان مليئًا بالكلمات التي انتظر طويلًا ليخرجها لأي شخص يسمعه، قال: "اسمي محمد عنتر، هتقدري تساعدينا؟"، وقعت هذه الكلمات وقع الصاعقة على أذني، ربما لأنني لم أجد لها إجابة، أو لأنني لم أتوقع أنها قد تخرج من طفل في عمر السابعة.


وفي لحظات معدودة، بدأت عيناه السوداوان في التجول حوله، ينظر إلى ما تم تدميره من منازل، وينظر إلى البراح، وأردف الطفل قائلًا: "نفسي أخرج من هنا، أنا في سجن كبير، حاسس إني مخنوق، ممكن بكرا أقدر أكون حاجة؟ هعيش إزاي منغير أهلي، ليه بيعملوا فينا كدا؟".


ماذا حدث حتى يفقد هذا الطفل عذرية طفولته؟ وماذا حدث له خلال 7 سنوات حتى يفقد الأمان في الحياة؟ أطفال جزيرة الوراق ضحية صراعات الجزيرة لسنوات طويلة ونتاج سئ لها.