رمضان الفقير.. كيف يستقبل المواطنون الشهر الكريم؟

أخبار مصر

أرشيفية
أرشيفية


لم يعرف رمضان مصر شد الأحزمة على البطون من قبل، لكنّ الغلاء هذا العام فرض قواعد صارمة بفعل اتخاذ قرارات اقتصادية قاسية أسمتها الحكومة المصرية بالإصلاحية؛ فاختفت الأسواق التي كانت تعج بالزحام، وانخفضت أصوات الباعة المنادين على بضاعتهم، وقلّت حركة النساء الباحثات عن ضالتهم من أفضل الأسعار.. وخطّ تأثير ارتفاع الأسعار على وجوه البسطاء ملامح التعب والإنهاك.

زمن الإسراف ولى وفات
جاء رمضان هذا العام متوكئًا على انخفاض طموحات الأسر المصرية المعروفة بالإسراف والبذخ مع قدوم الشهر الكريم، لتتحول إلى الحرص والتقصير؛ فزمن شراء السلع المُصنفة بـ"الكماليات" ولى نتيجة تبعات قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية، أواخر العام الماضي. 

نظرات حائرة
نظرات منيرة أحمد (ربة منزل)، الحائرة وهي تجوب أحد أسواق القاهرة للسلع الغذائية ومحلات "الياميش" بمنطقة حي الأزهر وسط القاهرة، رسمت أحوال الاقتصاد بعد ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى مستوى قياسي جديد، وصل إلى 31.7%، وذلك وفق بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء والمشروبات بنسبة تصل نحو 41%، كما ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بنسبة تصل لـ34.6%.

أسعار ياميش رمضان "مجنونة"
كانت تخطط منيرة أحمد إلى شراء الكمية السنوية المعهودة من السلع الغذائية مع قدوم رمضان، لكّن ميزانيتيها أجبرتها على اللجوء إلى التقشف "ومسك اليد"، وجعلتها تُفكر فيما تقتنيه من "ياميش رمضان" بعد الارتفاع الكبير في أسعار السلع الموسمية التي تزدهر بيعها قبيل شهر رمضان، إذ وصل سعر كيلو الفستق إلى 500 جنيه مصري مقارنة بـ180 جنيهًا العام الماضي بزيادة أكثر من 150%، والبندق وعين الجمل واللوز بـ240 جنيهً.

وتقول ربة المنزل الأربعينية إن تضاعف الأسعار لزيادة غير مسبوقة مقارنة بالعام الماضي ليست في السلع الأساسية، فحسب بل امتدت إلى السلع الموسمية من الياميش، ما دفعها للاكتفاء إلى الاستغناء عن المكسرات باهظة السعر واستبدلها بالسلع البسيطة من الفول السوداني الذي يبلغ 40 جنيهًا للكيلو، والزبيب البالغ 60 جنيهًا للكيلو.

 رمضان 2017 "بخيل" 
وتضيف وهي تفتح الأكياس التي تحملها: "أعطاني البائع الخضروات بأقل قليلًا من سعرها لأنها مضروبة أو أوشكت على فسادها"، متابعة: "هكذا الحال حتى نستطيع أن نُدرك رمضان.. والمؤكد أن مائدتنا ستقتصر على صنف أو اثنين على الأكثر من الأطعمة عكس الأعوام الماضية من رمضان الذي اشتُهر بالكرم، إذ جاء هذا العام بخيلًا أو فقيرًا".

"التعويم" السبب
العارفون ببواطن الاقتصاد يرجعون سبب ارتفاع الأسعار الجنوني، إلى القرارات الاقتصادية الصعبة التي بدأت بتخفيض دعم المواد البترولية في يوليو 2014، ورفع أسعار الكهرباء والمياه، مرورًا بقانوني ضريبة القيمة المضافة والخدمة المدنية، وتحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه، تزامنًا مع تراجع حاد في سعر الجنيه مقابل الدولار، وزيادة عجز الميزان التجاري بعشرات المليارات.

هل من بديل؟ 
بينما البسطاء غير العارفون ببواطن الاقتصاد غارقون في همهم باحثين عن بديل في السيارات التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة التي تبيع سعلًا غذائية بأسعار مخفضة، إضافة إلى معارض "أهلًا رمضان" للسلع الغذائية التي أنشأتها الحكومة بالتنسيق مع الغرف التجارية، في جميع محافظات مصر بواقع 122 معرضًا؛ لإتاحة السلع بأسعار مخفضة قبيل الشهر الكريم؛ ومواجهة التضخم الكبير في الأسعار، خصوصًا أن متوسط الدخل السنوي للأسرة في مصر يبلغ 44,2 ألف جنيه (2440 دولارًا) بحسب الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء.

ورغم أن سكرتير شعبة العطارة بغرفة القاهرة التجارية محمد الشيخ سكرتير، يرى أن رمضان هذا العام لـ"الأغنياء فقط" بعدما قفزت الأسعار إلى نحو 100% نتيجة التعويم, إلا  أنّ رئيس الوزراء شريف إسماعيل يؤكد في تصريحات صحفية سابقة أن معارض "أهلا رمضان"، تُركز على توفير السلع الغذائية الأساسية وضخ كميات كبيرة لمواجهة الاستهلاك بأسعار مُخفضّة. 

هل تسد الرمق؟
مواطنون يرون أن أسعار سلع "أهلا رمضان" مُخفضة مقارنة بنظيراتها في الأسواق العادية، إلا أن آخرين أعربوا عن خيبة أملهم من الأسعار المرتفعة التي أعيتهم وجعلهم لم يظفروا بما يسد حاجتهم في رمضان، مؤكدين أن التخفيضات التي تتحدث عنها الحكومة مجرد تصريحات لا أساس لها على أرض الواقع.  

المشهد لم يخلو من السيارات التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة التي تُقدم سلعًا غذائية بأسعار مخفضة بنسبة تزيد عن 20%، وهي تجر خلفها طابور من الفقراء يمتد لنحو عشرين مترًا، يتزاحمون تحت أشعة الشمس الحارقة، علّهم يحصلون على ما يسد حاجتهم. 

"جنيهان أو ثلاث نوفرهم من وقفنا تحت أشعة الشمس، وإن ورمت أرجلنا، وإن أصبنا بضربة شمس".. يلخص الأربعيني محمود عبد الشافي رحلته للحصول على سلع القوات المسلحة، مضيفًا: "هذه السيارات بمثابة نجدة لنا في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار".