د. رشا سمير تكتب: عفوا.. ممنوع دخول المحجبات!

مقالات الرأي



ترددت كثيرا قبل أن أكتب عن هذا الموضوع الذى يعتبره الكثيرون شائكا.. ترددت وأنا أرى قدرة مواقع التواصل الاجتماعى على ذبح أصحاب الرأى والرؤى.. ترددت وأنا أدرك تماما المواقف المعلنة مسبقا من قبل الجميع عن أى موضوع مطروح على الساحة..

فمن ليس معنا هو ضدنا دون نقاش!..ومن لا يؤيدنا لا يستحق أن يكون منا!..

وفى النهاية قررت أن أكتب وأقولها بكل شجاعة..نعم..نحن شعب نمارس ديكتاتورية الرأى بكل تبجح!.

لقد احتل موضوع لباس البحر للمحجبات ساحة النقاش فجأة، وكأن البوركينى هو المشكلة الوحيدة التى تواجه مصر كدولة عظيمة طالما ظللت بسمائها جميع الأطياف والطوائف.. وكأن تخلصنا من البوركينى سوف ينقل مصر إلى مرتبة الدول العظمى!.

سن الجميع سكاكين الرأى منتظرين موقف وزير السياحة من السماح للمحجبات بنزول حمامات السباحة بالأوتيلات..لو منعه  لحملناه على الأعناق وأصبح رجلا متحضرا.. ولو أقره لذبحناه واتهمناه بالرجعية والسلفية التشددية!

فى الواقع لم يستوقفنى موضوع البوركينى بقدر ما استوقفنى موضوع آخر وهو منع المحجبات من دخول بعض أماكن السهر والمطاعم ذات الأسماء الرنانة بين الشباب..طبعا سيهاجمنى الكثيرون بجُملة: هو ليه المحجبات عايزين أصلا يدخلوا أماكن فيها رقص وشُرب؟!.

أنا هنا يا سادة أتحدث عن الطبقة فوق المتوسطة التى يجتمع فيها الأصدقاء من أجل أعياد الميلاد والاحتفالات فى هذه المطاعم، وبالتالى أصبح فرضا على المحجبات أن يمتنعن أو يعتذرن ويهمشن بعيدا عن أصدقائهن بأمر مجتمع قرر أن يصادر حريات الآخرين بكل قسوة..فمن تضع غطاء رأس تُمنع بأمر التحضر من حضور التجمعات مع أصدقائها..مع العلم أن المجتمعات الغربية تتقبل غطاء الرأس الراهبات والطاقية للحاخامات وحتى غطاء الرأس كنوع من الموضات الغربية.

فنحن شعب لا يتحدث طوال الوقت سوى عن الحريات ولكننا لم نتعلم أن نحترم حريات الآخرين..

يا سادة إن هذا الموضوع لا علاقة له بالبرج العاجى ولا بالمستوى الاجتماعى، إنه موضوع له علاقة بتقبل الآخر واحترام خصوصيته ومعتقداته..

لماذا ترحب الشواطئ والحفلات الغنائية بالبكينى كمظهر حضارى وترفض الحجاب؟ فكلاهما حرية عقيدة..أنت حر ما لم تضر!

حكت لى إحدى صديقات ابنتى كيف سمحوا لها فى ديزنى لاند بأمريكا بالدخول بالمايوه الشرعى دون قيد ولا همز ولا لمز من الآخرين محترمين حريتها فى الاختيار، وكيف على النقيض رفضت إحدى القرى السياحية دخولها إلى حفل غنائى لحماقى لمجرد أنها ترتدى الحجاب!

أنا هنا لا أتحدث عن شرعية الحجاب ولا عن فرضيته لأننى لست من رجال الدين، أنا هنا أتحدث عن حرية الرأى وعن حرية العقيدة والمظهر..

لقد تحول الساحل الشمالى هذا العام إلى دولة داخل الدولة ولم يشعر أحد بغرابة هذه الحفلات ولا مدى مجونها ولم توصم بوصمة الرجعية والتخلف على الرغم من كونها صورة دخيلة على المجتمع المصرى وكأننا عدنا إلى عصر الجاهلية الأولى..

لقد حكى لى مجموعة من الشباب كيف أصبح دخولهم إلى أى مطعم فى القاهرة دون أن يطلبوا خمورا هو مظهر غير مقبول بل وصل الأمر إلى أنه تتم معاملتهم بكل دونية وتعال لمجرد أنهم لا يطلبون خمورا وبالتالى ففاتورة الحساب لا ترتقى إلى المستوى المطلوب تحقيقه!. 

إنها الصورة التى تصدرها الأعمال الدرامية بشكل عفوى كل رمضان..الشباب المستهتر الذى يشرب الخمر فى الكافيهات (عادى خالص وكأنه طالب شاى بلبن كُشرى!).. العلاقات غير الشرعية التى تتقبلها الأسرة والمجتمع بحجة الحرية..

آن الأوان لصناع الدراما والكلمة أن يراجعوا أنفسهم لأنهم يسوقون المجتمع إلى هاوية خطيرة.

المسألة لم تعد بوركينى أو بكينى.. ولم تعد حرية زى أو رداء..فحرية الزى هى حرية الرأى ومصادرة الاثنين غير مقبولة.

المجتمع الأوروبى والأمريكى يتقبل المحجبات والعاهرات والشواذ والحاخامات على حد السواء دون تحيز ولا اضطهاد..

ونحن فى مصر نتحدث عن الحرية بجدارة ولا نمارسها..فمصر قديما كانت حضنا اتسع الجميع دون تصنيف واليوم أعادنا التحضر للخلف فوقعنا فى قبضة رجعية ثقافية وتخلف ذهنى لم نعرفها يوما.

إنها دعوة حقيقية لتقبل الرأى الآخر والجنس الآخر والوجه الآخر..دعوة نرتدى الحرية ثوبا ولا نرفعها لافتة على صدورنا.

إن الوطن الذى يعتقل الحريات ويخنق العقائد لهو وطن فاشل لا يستحق سوى الرثاء.