عادل حمودة يكتب: انشغل العرب بمعاركهم الأهلية وسابوا إسرائيل تجهز نفسها للانقضاض علينا!

مقالات الرأي



لأول مرة منذ 50 سنة: أسرار هزيمة يونيو بصوت عبد الناصر فى تسجيلات سرية

■ أمريكا تصر على اعتراف العرب بإسرائيل وتبارك احتلالها للقدس ونزع سلاح الجولان!

■ لو لم نسترد الضفة الغربية فى ظرف شهر ستبتلعها إسرائيل إلى الأبد!

■ سيناء كعكة من الرمال ليس فيها سوى فئران وثعابين وسنستردها مهما طال الزمن

■ اتفاقية الهدنة فى حرب فلسطين تعنى اعترافا بوجود وحدود إسرائيل


منذ نصف قرن ونحن نقرأ روايات عن حرب يونيو بمختلف اللغات، لكن هذه هى المرة الأولى التى نسمع فيها الرواية مباشرة من أبطالها.

فى 10 يوليو 1967 بدأت مباحثات سرية بين جمال عبد الناصر وحكام الجزائر (هوارى بومدين) والأردن (الملك حسين) وسوريا (نور الدين الاتاسي) والعراق (عبد الرحمن عارف) ورئيس الحكومة السودانية محمد أحمد محجوب وسجلت محاضر الاجتماعات السرية ــ التى ننشرها لأول مرة ــ الحقيقة مجردة على لسان صناعها.

نشرنا فى العدد الماضى تشخيص عبد الناصر لما حدث فى محضر اللقاء الأول بينه وبين بومدين وننشر هنا المحضر الثانى بعد انضمام الملك حسين إليها.

عبد الناصر: فرصة الملك حسين يروى لنا ما حدث فى زياراته الخارجية.

حسين: أثناء لقائى مع (ليندون) جونسون (الرئيس الأمريكي) فهمت من كلامه أنهم يؤيدون حق إسرائيل فى العيش إلى جانب أشياء أخرى متعلقة (بحرية) الملاحة والقدس وأن تكون المرتفعات السورية (الجولان) منزوعة السلاح.

بعد كده وصلت لندن وأبدوا استعدادهم للمساعدة فى التسليح.

وفى فرنسا الرئيس (شارل ديجول) له موقف شجاع وقال: إنه يقف إلى جانب الحق ويهيألى أنه قد يساعد فى حل الأزمات فى الشرق الأوسط وأكد لى أنه على استعداد لتقديم جميع أشكال المساعدة.

وأثناء زيارتى إلى إيطاليا وجدتهم ناس عايشين فى الخيال وطلبوا أن نسمح لليهود بالعيش والمياه وخلافه.

الخسائر فى المعدات والأرواح كانت كبيرة جدا.. نسفوا قرى بكاملها فى القدس.. وكانت عمليات نهب.. وبالنسبة للفلسطينيين والفصائل أنا مش متفائل.. فقد يحدث لهم نوع من الإغراءات الإسرائيلية.

عبد الناصر: إغراءات على أى أساس؟.

حسين: إما ضم كامل ويكونوا جزءًا من إسرائيل أو عقد صلح وتنتهى القضية.. معلومات ثانية إن أهالى غزة ينتقلون إلى الضفة الغربية.

عبد الناصر: إحنا جالنا حوالى 120 ألفًا من غزة.. هم أرسلوا الشبان من المقاومة الداخلية.. وإحنا دلوقتى مقعدينهم فى مديرية التحرير.. باعتين ناس بثيابهم بدون حاجة.

حسين: التعبئة على الجانب الفلسطينى لم تكن على المستوى المطلوب.. عندنا عيوب كثيرة ولابد من معالجتها.. عندنا عيوب كثيرة.. علم وثقافة وتكنولوجيا.

عبد الناصر: هم (اليهود) عارفين عنا كل شىء وأنا شفت الخرائط مع الطيارين.. هم عندهم مخابرات كويسة جدا جدا.

حسين: ودا راجع أيضا إلى ضعفنا.

عبد الناصر: هم الحقيقة البلد كلها تشتغل كجيش برجالها ونسائها.

بومدين: نسبة الجيش إلى الشعب 17 %.

عبد الناصر: وبعدين الطيارين كانوا احتياطى.. الطيار اللى اتمسك كان ترزى.. يعنى الناس هنا قاعدين ياخدوا مهيات ولكن هناك يستدعونهم وقت ما يحتاجونهم.

حسين: الإنسان العربى فى أساسه وعزمه وتصميمه ضعيف ولابد من إعادة بنائه من جديد.. بيننا مشاكل وخلافات وأوضاعنا اليوم مصيرية.. لابد من الوعى الصحيح.

عبد الناصر: والحل؟

حسين: الحل.. نجتمع ونعرف أى واحد رأيه إيه.. هذه الصدمة تصحى الأموات.. ما يهمنى هو أن أى خطوة نخطوها فى المستقبل تكون نتيجة بحث جيد.

عبد الناصر: هو وضعهم فى سيناء غير الضفة الغربية لأن سيناء إن شاالله يقعدوا عشر سنين بيقعدوا مع الفئران يعنى! لأنه بيجيب مياه وأكل للى على قناة السويس من داخل إسرائيل.

موضوع سيناء ما فيش ناس تقاسى فيه الحقيقة.. موضوع الضفة الغربية موضوع أخطر.. كل وقت بيمر وهم فى الضفة الغربية يجعلهم متمسكين بيها.. وهى فلسطين.. وعلى هذا الأساس يبقى بعد كده مستحيل إنهم يمشوا.. وهى منطقة غنية يعنى أحسن من النقب ومن كل اللى عاوزينه.

بومدين: ما هو الحل؟.

حسين: نوع من التعاون بين الدول الإسلامية على المدى البعيد.

عبد الناصر: وقفوا ما عدا إيران لأن إيران تصدر لهم البترول إلى إيلات.. تركيا موقفهم كويس وباكستان.

وبعدين فيه شىء غريب.. الحقيقة اليهود عندهم قضية والعرب مش باين إن عندهم قضية.. يعنى اليهود عندهم قضية يموتون من أجلها.. حرب دينية.. العرب على قدر ما بنقول فلسطين لكن القضية ماهياش عميقة بالعمق اللى يخلى الواحد يموت.

حسين: معلوماتنا إن كل طيارة إسرائيلية لها 3 طيارين يعنى ترجع ينزل منها طيار ويركب التانى وقاذفات القنابل تحمل تانكات (وقود إضافية).

بومدين: هو اليهودى ليه متقدم؟ لأنه بيقول بدون إسرائيل ليس لى وجود.

حسين: لازم تحسب قدراتنا بالضبط.

عبد الناصر: برضو إحنا ظروفنا كانت وحشة إحنا كنا واقعين معاكم وإنتم واقعين مع السوريين وكنا فى صدام وعراك مستمر أكثر من العراك اللى بينا وبين إسرائيل وكنا سايبين إسرائيل ونسب فى بعض الحقيقة هو دا الموقف اللى كان موجود.

والتقينا قبل المعركة بفترة.. لكن الكلام ما كانش جدى.. ده بيتلكك لده والعكس.. وأعتقد أن ربنا جزانا على عملنا.. الموضوع ما كانش دخول قوات أو عدم دخول قوات ولكن برضو النوايا.. ربنا جزانا على النوايا.

بومدين: ماذا عن المستقبل سيادة الرئيس؟

عبد الناصر: ونحن نتحدث عن المستقبل نأخذ درس الماضى أنا قلت النهاردة للملك حسين: إنت وقفت موقف لن أنساه لك وقلته إمبارح للأخ بومدين كان (حسين) يقدر ما يحاربش.. ماذا نعمل فى المستقبل؟.. الحقيقة أنا ما عنديش خط واضح.. وبالنسبة لينا إحنا الأمر مبنى على نقطتين يا إما نسلم يا إما نناضل.. إحنا طبعا لا نستطيع أن نسلم لإسرائيل أو لأمريكا من وراء إسرائيل.. وأنا أعتبر أن جونسون فى كلامه (مع حسين) منافق لأنه كان يقدر يضغط على إسرائيل وما يأيدهاش فى الأمم المتحدة.. هو منافق وكذاب.

بومدين: ما فى (حرب) 56 الأمريكان تدخلوا.

عبد الناصر: وهم اللى مشوا اليهود.. إيزنهاور اللى أخذ الموقف وهو يختلف عن جونسون.. عنده مبادئ أما جونسون فهو راجل...

بومدين: راعى بقر.

عبد الناصر: أنا الحقيقة النهاردة أبدى مشكلة الأردن على مشكلة سيناء علشان اليهود إذا تشبثوا بالضفة لن يتركوها ولازم فى خلال شهر على الأكثر ينسحبوا منها.

أنا بأقول الملك حسين يروح يقعد مع الأمريكان.. طب قول أنا هناضل وعندى إمكانيات أستطيع بيها استعادة سيناء لكن الملك حسين هيناضل إزاى؟.. بياخد من أمريكا فى السنة 50 مليون دولار بيدفع بيها مرتبات الموظفين.. والله أنا ببكى على الضفة أكثر ما بابكى على سيناء والله وحده يعلم ليه؟.. أنا سيناء تجرحنى وطنيا ولكن الضفة تجرحنى إنسانيا.. وإذا سبنا الضفة إسرائيل عايزة فلسطين كلها والملك حسين ما يقدرش يعمل حاجة.

بومدين: أنا مش مؤيد.

عبد الناصر: طب يعمل إيه؟ هل نترك عرب الأردن لليهود.. هل هم يطلبون اعتراف؟.

حسين: حق الوجود.

عبد الناصر: الوجود.. ولكن ما يطالبون به اعتراف وتبادل تمثيل وبعدين القدس.. باين الأمريكان مسلمين القدس لليهود.

مشكلة سيناء غير مشكلة الضفة بيسيبوا القناة ما تشتغلش عنها ما اشتغلت بناكل بدل الرغيف نصف رغيف ونستحمل وضع سيناء وبعدين إحنا يمكن نبتدى بعد 3 أو 4 شهور حرب عصابات فى سيناء وممكن نكفرهم فى سيناء وما نوصلش لهم مياه ولا أكل وما عندناش المدنيين اللى هينضربوا فى سيناء لأن سيناء تقريبا كعكة رمل فاضية فأنا مع الأمريكان ما هاسلم لغاية ما يوصوا إلى البيت فى منشية البكرى وييجوا ياخدونى ويعملوا اللى عاوزين يعملوه ده بالنسبة لوضعى.

أنا عندى إمكانية أعمل أنا باطلب من الروس ييجوا هنا باطلب سلاح وطيارات وطيارين وأعمل معاهم دفاع مشترك ومستعد أصل إلى أقصى مدى لأن الأمريكان عايزين يذلونا.

وأنا طلبت الأسطول السوفيتى.. وصل بورسعيد النهاردة بعد ما طلبته أول إمبارح.

بومدين: وصل بورسعيد؟.

عبد الناصر: وصل بورسعيد لأن أول إمبارح اليهود جايبيين معدات قتال علشان يعدوا القناة.

وأنا اعتبر أننى مش واقف قصاد إسرائيل باعتبر إننى واقف قصاد أمريكا ومش هاوصل إلى حلول وسط إذا قدروا يخلصوا على وجابوا حد غيرى يبقى أنا ماليش فى هذا بقى اللى هييجى يبقى هايمشى زى ما هو عايز (ضحك) واللا إيه يا أخ بومدين؟

بومدين: بالنسبة لمصر الموقف واضح لكن السؤال هو وضع الدول مثل سوريا والأردن.

عبد الناصر: سوريا ما عندهاش مشكلة المشكلة كلها عند الأردن.

بومدين: هل هناك إمكانية للتوصل فى مؤتمرات القمة إلى حلول أم مزايدات فقط؟ العراق أيضا بالنسبة للأردن ومساعدته.

عبد الناصر: العراق دلوقتى هو الخاسر الوحيد لأنه مانع الضخ (البترول) خالص ما عدا فرنسا وإسبانيا وتركيا كلنا نعرف أن العراق لن يستطيع أنه يقعد شهرين بدون ضخ البترول.

أنا أقول فى مؤتمر القمة أو غيره: إحنا مسئولين هذا الرجل كيف يحل مشكلة غرب الأردن هل يترك الضفة فى إيد اليهود لغاية ما نستعد بعد 10 سنين أو يعمل إيه؟

أقوله سيبها وناضل وابنى جيش؟ كيف سيسترد الملك حسين غرب الأردن؟ بالجيش؟ مستحيل بالحرب؟ مستحيل بالنضال؟ الوضع كده (ضحك) إذا هى عايزة عمل سياسى مع مين؟ العمل السياسى قطعا مع الأمريكان.

حسين: إذا كان هذا هو الحل فاحنا سنذهب (إلى مؤتمر القمة).

عبد الناصر: وإحنا هانروح معاك.

بومدين: وشروط إسرائيل مثل الاعتراف بالحدود والوجود؟.

عبد الناصر: إذا كنا هنجتمع فى مؤتمر القمة ممكن نتفق ونبعت واحد لأمريكا يقابل جونسون ويقول له: آدى الأوضاع ولازم تنسحب إسرائيل وإذا لم تنسحب إسرائيل بنكون واخدين قرار.. كل الدول العربية تقطع علاقاتها مع أمريكا مثلا.

هل ده ممكن يتم؟ مش ممكن! لأن اللى ما قطعش علاقته بأمريكا مش هيقطع علاقته بأمريكا! أنا شايف مش حنقدر نعمل حاجة.

حسين: خلينا نذهب إلى المؤتمر ونثبت الأهداف إللى عايزينها.. (ونسأل) اجتماعاتنا فى القيادة الموحدة لمدة ثلاث سنوات هل كانت تقديراتها صحيحة؟ وهل نحتاج إلى أسلحة جديدة؟ ذرية مثلا؟

عبد الناصر: لا هم ما بيشتغلوش على الذرية وإحنا ما عندناش معلومات صحيحة.

حسين: إحنا كأمة عربية أصبحنا على المحك وقضية الضفة الغربية ليست قضية الأردن فقط.

بومدين: إحنا خسرنا الحرب وإسرائيل عندها شروط واضحة هل يمكن أن نقبل بها؟

عبد الناصر: الاتفاق مع الأمريكان بدون شروط إسرائيل هل ممكن يوصل إلى شىء خلال كلامك مع جونسون؟.

حسين: لا.

عبد الناصر: ما اتفاقية الهدنة «سنة 48» هى اعتراف بالأمر الواقع بوجود إسرائيل وإلا ما كنا نعمل معاهم اتفاقية هدنة! كيف تعمل اتفاق هدنة مع واحد غير موجود.

لما نجيبها النهاردة ونقرأها هنجد فيها كلام كتير فى معناه هو الكلام اللى بيطالبوا بيه الأمريكان النهاردة.

حسين: فيها نص استمرار الهدنة حتى توقيع الصلح.

عبد الناصر: والله أنا محتار وأنا أفكر فيه مجردا من كل شىء والله والله الواحد عايز الموضوع يحل.. بالحرب لن يحل الموضوع واللا إيه يا أخ بومدين؟

بومدين: الأخ حسين هو من يستطيع أن يقرر بدى نتشاور مع سوريا والعراق.

عبد الناصر: عسكريا.

بومدين: نعم.

(صوت أحد يهمس فى أذن الرئيس).

عبد الناصر: وزير خارجية سوريا يريد الاتصال بك.

بومدين: لى أنا.

عبد الناصر: نعم.. جهزوا التليفون فى أوضه فاضية.. الواحد مخه تعبان من يوم خمسة يونيو لغاية النهاردة. نتقابل بكره الصبح.


العدد القادم:
■ مستحيل إسرائيل تقبل بعودة المناطق التى ضربت منها ترجع إلى العرب
■ ليس أمام الأردن إلا الخضوع للأمريكان فليس هناك مقومات الدولة
■ أنا ما عنديش ناس فى سيناء لكى نناضل بحرب عصابات