أحمد فشير يكتب: مِن على جبل عرفات (٢)

مقالات الرأي

أحمد فشير
أحمد فشير


أبادلكم الغاية والأمنية والرغبة السنوية التي من المؤكد أنكم تشاركوننى إياها، وهي الوقوفُ جميعًا على "جبل عرفات" العام القادم، لنستحضر الموقف بعد أن انشغل البال بتخيله واضطربت النفس لتأخر تحقيقه، فلربما ينقضي الأجل وينحصر العمر ولا تتمتع الأبصار بالنظر إلى الكعبة المشرفة ولا تتطأ الأقدام الأراضي المقدسة، ونسئل الله أن يكتبها لنا قبل الممات. 


حرصت على استئناف الكتابة واقتناء أحاديث جديدة أطرحها خلال سطور هذا المقال، ذو العنوان المعهود، عازمًا على عدم تغييره "من على جبل عرفات"، اللهم إلا الكلام الذى أسطره تحت عنوانه المقرب إلى قلبي، الصديق لى منذ الكلمة الأولى فيه وحتى مثوله للنشر. 


حج الفقراء.. 

ارتفعت فاتورة الحج وازدادت التكلفة فأصبحت المشكلة ليست قلة الزاد أو عدم توافر الرحلة، ولكن صعوبة الحصول على "التأشيرة" رغم وحدة الدين والوطن،  فما أكثر الشعارات والكلام على الورق، أما وقت التنفيذ فيتصدر المشهد وحشية الجميع لاقتناص الدينار والدرهم، فأصبحت رحلة الحجاز ذهابًا وإيابا "حلم" صعب المنال، وإذا استفضنا فى الحديث فلقد اتبعتُ جماعة يجلسون عقب صلاة الفجر وحتى طلوع الشمس طوال الأيام العشر، لكي نجني ثمار حج وعمرة تامة بالثلث وبتوكيد حديث خير مَن حج واعتمر محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا إلى أن يكتب الله لنا الوقوف بعرفات. 


متفقون حول الكعبة .. شتاتًا فيما خارجها 

نرى الملايين من المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها مختلفين الألوان والألسن، يطوفون حول الكعبة ويقفون على عرفات، يلبون ويكبرون، متضرعين إلى إله واحد، سائلين العفو من ربٍ واحد، فحتى إذا تجردوا من ثوب الإحرام وارتدوا ملابس الدنيا (المخيط)، تفرقوا وذهب كل منهم يروج لفكره، واستحضر فى هذا الموقف ما قاله الدكتور مصطفى محمود- رحمه الله- في كتابه السؤال الحائر ( و لو أن العرب طافوا في سياستهم حول نقطة واحدة كما يطوفون الآن ، و لو أنهم اجتمعوا أبيضهم و أحمرهم و أسودهم في رحاب رأي واحد كما يجتمعون في الكعبة لما ذلوا و لما هانوا و لما أصبحوا عالماً ثالثاً أو عالماً رابعاً .. كما نراهم الآن) . 


وصية النبى بهن في حجة الوداع..والمتشدقون بحقوق المرأة

بين ما يقرب من ١٠٠ ألف ملسم، يقفون على عرفات منصتين ومنتبهين إلى ما يقوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإذ به يوصي بالنساء خير ويمنحهن حقوق عدة، ويوضح لأمته كيفية التعامل معهن، فلقد قال: ( إن لنسائكم عليكم حقًا ولكم عليهن حق.. فاتقوا الله فى النساء واستوصوا بهن خيرا)، والله أعطى المرأة حقوق فى القرآن الكريم تفوق حقوق الرجل، أزاح عن عاتقيها المسئولية ورفع عنها السعى والعمل وعززها فى بيتها منذ أن تولد وحتى تموت، وحرم وأدها كما كان يُفعل بها في الجاهلية، وخصص لها سورة فى كتابه باسمها ألا وهي سورة "النساء" فلا يوجد للرجال سورة باسمهم، ثم تأتي طائفة من أصحاب العقول الضالة ومن المتاجرين باختلاف الجنس تتشدق بحقوق المرأة المهدورة، بعد أن أعزها الإسلام منذ ما يزيد عن ١٤٠٠ عام، يتشدقون بالمساواة بينها وبين الرجل وكأنهم يعلمون طبيعتها أكثر ممن خلقها (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). 


أحكام المواريث..والمرتدون الجدد 

بينما حكم الله وهو خير الحاكمين، حينما أوصى أن للذكر مثل حظ الأنثيين فى الميراث، وأبان ذلك بالفصل القاطع فى بداية سورة النساء، مشددًا: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين)، والرسول الكريم يذكر فى حجة الوداع: (أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية..)، ثم يأتى من يطالب بمساواة المرأة والرجل فى الميراث؛ ( قل أَأَنتم أعلم أم الله)، وليس هذا المنتهى بل تأتى البقية وما خفى كان أعظم.


الخاتمة.. 

لبيك اللهم لبيك ..لبيك اللهم وإن لم أكن ملبيًا بين الزحام..لبيك ربى وإن لم أكن بين الحجيج ساعيا.. الله أكبر ما أحرم حاجٌ واعتمر..الله اكبر ما لبى ملبٍّ لله وذكر..الله اكبر ما دعا الله داعٍ وشكر.. وكل عام والأمة الإسلامية والعربية بخير.

للتواصل مع الكاتب: [email protected]