المقهى الثقافى يحيى ذكرى سيد عويس ويلتقى بالقليوبى

المقهى الثقافى يحيى
المقهى الثقافى يحيى ذكرى سيد عويس ويلتقى بالقليوبى

أحيا المقهى الثقافي أمس ذكرى عالم الاجتماع الكبير د. سيد عويس ضمن نشاطه اليومى الذى ينظمه تحت عنوان رموز مصرية ويحتفى فيه برموز الوطن.

بدأ طلعت رضوان الحديث عن الراحل الذي كان واحداً من أهم علماء الاجتماع في مصر ونموذجاً فريداً جمع بين العلم والتواضع الشديد .. وقال: سيد عويس الراصد والمحلل الدقيق للثقافية الشعبية المصرية عبر تاريخها الطويل ليصل في النهاية لتقرير حقيقة أن الحضارة المصرية كانت حضارة اتصال وليس انقطاع.

الطقوس المصرية كسبوع الطفل وأربعين المتوفي والكعك والنقوش وأكثر منها التي استمرت منذ عهد القدماء والتي استمرت حتى اليوم رغم اختلاف الأديان واللغات التي توالت على مصر.. لقد كان مشروع عمر سيد عويس هذا البلد ذو الطابع الغريب الذي يُمصر كل ما يجد عليه .. لم يكن الراحل ضد الدين ولكنه كان يرى وجوب سيادة العلم في أمور الدنيا.. العلم الذي يقف عند الأشياء لماذا حدثت وكيف حدثت.

بينما أكد د. فتحي أبو العنين الكاتب والباحث في علم الاجتماع أن ندوة اليوم ذات طبيعة خاصة فمثل هذا العالم الكبير يجب أن تكون ذكراه والاحتفاء بها شديدي التميز.. سيد عويس الذي استحوذت على ذهنه فكرة أساسية وهب لها أكثر عمره وهي فكرة المصرية .. ذلك الولع والشغف الكبيرين بالتاريخ المصري والثقافة المصرية.. والأهم من ذلك الطريقة التي تعامل بها الراحل معهما حيث كان منهجه في البحث منهجاً علمياً تحليلياً لم يتوقف عند النظرة الرومانسية المعتادة التي تعامل بها الكثير من المتعرضين للتاريخ المصري.

وقال: كان دائم السعي للتعرف الصادق على اتجاهات أعضاء المجتمع المصري وما وراء هذه الاتجاهات من تراث ثقافي قديم ومتجدد.. هكذا كان يرى التراث المصري فرغم قدمه إلا أنه كان دائم التجدد تميزه قدرة عجيبة على الاستمرار وهو ما يعطي مصر والشخصية المصرية الحيوية مهما حدث حتى وإن كانت الظروف يائسة لا تدعو إلا للإحباط.

وأضاف: الراحل كان صاحب إنتاج علمي غزير فمن أشهر كتبه من ملامح المجتمع المصري المعاصر و الخلود في التراث الثقافي المصري و هتاف الصامتين ودراسة بديعة بعنوان حديث عن المرأة المصرية المعاصرة و الازدواجية في التراث الديني المصري .

ويرى د. فتحي أن أجمل وأبدع ما كتبه الراحل كان سيرته الذاتية التي نشرتها دار الهلال في ثلاثة أجزاء بعنوان التاريخ الذي أحمله على ظهري .. ليس هذا فحسب فقد كان سيد عويس من أكبر المهتمين بالأدب فقد كان مولعاً بكتابات حسين فوزي ويحيى حقي ويوسف إدريس، أما عن نجيب محفوظ فقد كان يرى أن أحداً لم يعبر عن الشخصية المصرية والمجمتع المصري كما عبر عنهما نجيب محفوظ وكان يحكي كثيراُ أنه كان يرى في والده شخصية السيد أحمد عبد الجواد التي كتب عنها محفوظ في ثلاثيته الشهيرة.

وكانت دراسته الشهيرة رسائل إلى ضريح الإمام الشافعي التي حلل فيها ظاهرة ذهاب المصريين البسطاء إلى ضريح الإمام الشافعي وترك رسائلهم في صندوق الضريح .. تلك الظاهرة التي رصدتها أيضاً من زاوية أخرى الباحثة المعاصرة ضُحى عاصي في دراسة بعنوان محاكمة مبارك بشهادة السيدة نفيسة .. أيضاً وثق الراحل للأمثال الشعبية المصرية ومعانيها والدوافع من ورائها في كتابه هتاف الصامتين الذي جمع فيه ما اعتاد المصريون كتابته على عربات النقل والأجرة.. تلك العبارات التي تعبر عن همومهم وأفكارهم ورؤيتهم للحياة المُعاشة وتعكس مخاوفهم وهواجسهم، فبتلك العربات التي تطوف البلاد شرقها وغربها .. شمالها وجنوبها صنع الشعب المصري دون أن يشعروا جهازاً إعلامياً متنقلاً يعكس ثقافتهم.

وكانت من أهم الانتقادات التي أخذها د. فتحى على د. سيد عويس كونه كان يقف دوماً عند النقد والتحليل دون أن يخرج بقرار واضح ربما لضيق مساحات الحرية آن ذاك أو ربما لأسباب أخرى لم يفصح عنها الراحل.

بعد ذلك تحدث د. صالح سليمان أستاذ علم الاجتماع عن حجم حضور سيد عويس بأعماله وعطائه الفكري عبر الانترنت الذي وجد أنه نظراً لرحيله عام 89 قبل ظهور الفضاء العنكبوتي بسنوات، حرم هذا أعماله من الحضور على الانترنت بالصورة التي يستحقها كما وجد أيضاً أن الراحل يتم التعامل معه بشكل احتفالي أكثر منه علمي.

رحيل الفقيد قبل ظهور الانترنت لعب دورا كبيرا في عدم وجوده بشكل كبير على صفحات الانترنت.

وخُتمت الندوة بكلمة للدكتور مسعد عويس ابن الراحل الذي قدم الشكر لوزارة الثقافة وهيئة الكتاب ولكل المهتمين بسيرة والده الراحل صاحب القلب الكبير المؤمن بالإنسانية، الباحث العلمي المتفائل المتطلع دوماً نحو للمستقبل المتمرد الذي أخرجه جده من المدرسة عقب وفاة والده ليجلس في محل عمله لكنه عاند وأصر على إكمال تعليمه فكان المفكر وكانت الرحلة.

وأكد الدكتور مسعد أن والده كان مؤمناً بالناس إلى أبعد مدى حيث ذهب للنوبة مع خمسة عشر باحث وباحثة ليسألوهم عن مطالبهم في فترة بناء السد العالي.. وقدم دراسات مجتمعية كان قوامها الناس عقب هزيمة 1967 المريرة التي لم يكن يستحقها الشعب المصري كما كان يؤمن به.. وقال: كان الراحل شجاعا في اختيار موضوعاته البحثية.. لم يسعَ يوماً إلى سلطة.. كل ما كان يهمه هو الإنسان المصري البسيط.. ترك الدنيا كلها ورائه ليتفرغ للبحث العلمي.

وبكلمات مؤثرة تعجب د. مسعد من التجاهل الذي تعرض له والده وتساءل: هل يُعقل أن رجلاً في قامته وقيمته يأخذ جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية قبل وفاته بشهور!! .. كان الراحل مجدداً في علم المجتمع مُضيفاً بشكل حقيقي للتجربة الإنسانية وليس مجرد ناقلاً أو مُترجماً عن الغرب وكانت من أشهر نظرياته في علم الاجتماع هي نظرية المصالح التي يقول فيها أن: المصالح تصنع النوايا والنوايا تحدد المواقف والمواقف تحدد أنماط السلوك الاجتماعي.

وعقب إحياء ذكرى د. سيد عويس وضمن محور لقاء مفتوح قدم المخرج سيد سعيد صديقه محمد كامل القليوبي المخرج وكاتب السيناريو لجمهور المعرض.

وفى البداية قال سيد سعيد: إن القليوبي كان محظوظاً جداً في رحلته فقد نشأ في حي شبرا الذي كان يعد وقتها أحد الأحياء المصرية الراقية لأسرة برجوازية ميسورة الحال حيث كان والده موظفاً كبيراً في الجهاز المركزي للمحاسبات وكانت والدته جامعية تنحدر من أسرة عريقة.. في هذا البيت المثقف المُحب للفنون والعاشق لفن السينما نشأ محمد كامل القليوبي وبدأ خطواته الأولى نحو عالم الفن والإبداع.

بعدها تحدث محمد كامل القليوبي عن مسيرته وكيف أنه بدأ طالباً لدراسة الهندسة ثم دفع به حبه للثقافة والفنون إلى مسار آخر خاصةً أن الأجواء الثقافية في الستينيات كانت ثرية للغاية فكان ذلك الجيل المتطلع الذي تمرد على كل شيء.. اكتشف القليوبي شغفه الشديد بالسينما وميله للعمل بهذا المجال فبدأ في دراسة الإخراج والسيناريو.. ساهم القليوبي في الحياة الثقافية بصور متعددة حيث اهتم بالمسرح في مطلع مسيرته الفنية وكتب العديد من المقالات كانت أولها في مجلة الحرية التي عرّفت به في أوساط المثقفين وقدم للمكتبة المصرية سبعة كتب.. هذا بخلاف عطائه الأساسي من خلال مجموعة كبيرة من الأفلام الطويلة والقصيرة .

جدير بالذكر أن القليوبيشغل مناصب عديدة منها رئيس المركز القومي للسينما ومقرر لجنة الفنون بمكتبة الإسكندرية وترأس مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر الأبيض المتوسط في عام 2003، ونشر في الصحف العربية والأجنبية العديد من البحوث والمقالات في الأدب والفن التشكيلي والمسرح والسينما.

وكان المقهى قد بدأ نشاط أمس بمحور نصوص سردية ناقش من خلاله رواية هل آتاكَ حديثي للكاتبة السعودية زينب حفني وهو اللقاء الذى شارك فيه الأديب ربيع مفتاحود. محمود الضبع وأدار الندوة الصحفى هشام أصلان .. وتناول المشاركون رواية الكاتبة التي قرأت مقاطع كثيرة منها وسط إقبال وحفاوة من جمهور المعرض.