حكايات المصريين على عرفات

العدد الأسبوعي

حجاج
حجاج


■ سيدة تفك عُقد بنت جارتها على جبل الرحمة وتدعو لها بالزواج وتيسير الحال


اللحظات التى تستحق التخليد فى حياة كل منا نادرة، وعلى قدر الندرة تبقى القيمة، فرغم أنها قد لا تتكرر فى حياة الكثيرين مرتين.. إلا أن لها قدرة حقيقية على منح سعادة لا نهائية بتفاصيل تأبى النسيان.

«الفجر» عاشت تجربة الحج هذا العام، وعلى جبل الرحمة زادت التجربة بهاءً، فالجميع يجتهد فى الدعاء إلى الله والاستغفار، لم يكن هناك متسع من الوقت للأحاديث الجانبية مع أحد، لكن لفت انتباهنا تصرفات غريبة من البعض، أولها بدأ مع وقوف سيدة مسنة تجاوزت العقد السابع من عمرها، شيئًا فشيئًا علا صوتها وانهمرت دموعها، لم أقصد التلصص عليها، ولكن ما فعلته تلك السيدة كان واضحًا للجميع.

أخذت تتوسل إلى الله أن يرزق أبناءها العمل الصالح والستر والصحة والرزق، ودعت لكل حفيد من أحفادها باسمه، وبعدما انتهت من دعائها طلبت منى أن أساعدها فى فك خيط تم تعقيده بعُقد كثيرة وكبيرة، فسألتها عما تفعله، قالت: «طلبت منى جارتى أن أفك هذا الخيط المعقد على جبل الرحمة، حتى تتزوج ابنتها، وأثناء فك الخيط»، ظلت السيدة تدعى وتقول يا رب أرزقها الزوج الصالح وفك كربها هى وبنتى وبنات المسلمين.

الحكاية الثانية احتضنتها إحدى الخيام التى كانت موجودة بجوار جبل عرفات، حيث تعرفت بعد نزولى على سيدة، دخلت الأراضى السعودية بتأشيرة زيارة، فى الوقت الذى منعت فيه السلطات السعودية تماما شركات الطيران من أن تقل أى شخص يحمل تأشيرة زيارة، الغريب أن تلك السيدة لم تكن بمفردها، وإنما يرافقها حوالى خمسة أحفاد أكبرهم لم يتجاوز العاشرة من عمره، ظلت تتحدث طول الوقت عن مغامراتها أثناء محاولات دخولها إلى الأراضى المقدسة، وعن علاقات ابنها بالسلطة السعودية التى كسرت كل القوانين.

أغلب الدعاء يتلخص مضمونه فى سعة الرزق والعمل الصالح والعتق من النار، ولكن أغرب دعوة سمعتها أن ينتقم الله من شخص قام بظلم زوجته، والدعاء عليه بالخسارة وخراب البيت، وهناك دعوة سمعتها من سيدة أخرى كانت شبه منهارة بالبكاء أمام جبل الرحمة، لم أستطع سؤالها ولكن انهيارها كان يدل على أنها مكسورة، الغريب أن ابنتها تجلس بجوارها دون صوت، وكأنها فاقدة للوعى. ولكن.. بين مناسك الحج الممتعة تختبئ بعض التفاصيل التى قد تعكر الصفو وتؤرق الرؤوس.

أول تلك التفاصيل السخيفة التى تصاحب مواسم الحج كل عام هى تأشيرات المجاملة أو «الفرادة»، وتحصل مصر منها على حوالى 45 ألف تأشيرة سنوية، تخصص كلها للمجاملات، ويتم توزيعها على الوزارات والهيئات الحكومية ومجلس النواب ونقابة الصحفيين وبعض المواطنين، ويقع كل من حصل على تأشيرة مجاملة فى فخ النصب، من قبل شركات السياحة، لسبب بسيط.. هو أن التأشيرة تصدر قبل السفر لأداء فريضة الحج قبل الوقوف بعرفات بسبعة أّيام على أحسن تقدير. وهى الفترة التى يكون الحجز فى جميع الفنادق قد انتهى تقريبا، فيضطر الحاج إلى اللجوء لشركات سياحة، تتولى الحجز له على برنامجها، والذى انتهى أساسا من تسكين الأفراد الحاصلين على التأشيرة من خلاله، وربما يكون قد أغلق المسار الإلكترونى أيضا، وبالتالى أصبح الحاصل على تلك التأشيرة قد حصل على برنامج لا وجود له، فيذهب إلى مكة لأداء الفريضة فيفاجأ هناك بأنه فى الشارع، وعليه أن يقبل بأى مكان حتى لو كان سيئا أو خارج نطاق الحرم.

المشكلة الثانية التى تواجه الحجاج تتمثل فى شركات السياحة التى تبيع لهم الوهم، وهذا ما شاهدته بنفسى، بعدما تركت إحدى الشركات السياحية حجاجها فى الشوارع بعد نزولهم من «الباص» المخصص لنقلهم إلى عرفات، وأصبح الحجاج فى الشوارع دون مشرف أو مسئول يتولى رعايتهم أو خيمة تحميهم من درجات الحرارة التى تعدت الـ٥٠ درجة مئوية، ليس ذلك فحسب، بل قامت إحدى الشركات السياحية بالنصب على عدد كبير من أصحاب تأشيرات المجاملات. سائقو سيارات الأجرة داخل المملكة يمثلون أكبر المشاكل التى تواجه الحجاج بشكل عام والمصريين بوجه خاص، حكى لى رجل وزوجته فى عقدهما الثامن عن كم الاستغلال الذى يقوم أصحاب سيارات الأجرة والسيارات الملاكى غير المرخصة فى شوارع مكة.