محمد أكرم دياب يكتب: قتلته الإسعاف

ركن القراء

محمد أكرم دياب
محمد أكرم دياب


في طريقي من المهندسين الي منطقة وسط البلد اعتدت ان اقطعه مستخدما قدمي خاصة ان كان المشي في وقت الليل فهناك متعه خاصة تتذوقها اثناء سيرك بين ابنية الزمالك و مشاهدة الطبقة الارستقراطية جالسه خلف نوافذ "كافيهاته"  ، لكن المشهد في تلك الليله خرج عن المألوف و أخرج عناصر الارستقراطيه في تجمع امام العقار ١٠٢ علي رصيف شارع ٢٦ يوليو . 

مهنة الصحافة زرعت فينا الفضول تلك الصفه التي تحمل العيوب ان ذادت عن المعقول و تحمل المميزات اذا اكتفت بالمطلوب ، زجت بي الصفة لاقتحام الجمع لابحث عن السبب الجامع لرواد  الكافيهات بعامليها خارج حدود الطاولات في مشهد قد يسعى لاقتباسه  مخرجين السينما  فيصح ان يكون سيناريو جبار عن تلاحم طبقات الشعب من اجل عمل انساني او باللغة العامية من اجل "الجدعنة".

وجدته يتجاوز الخمسين بلحية تمتزج بين الابيض والاسود يغلف جسده الثقيل ملابس رياضية بسيطة تحمل ماركات عالمية ثمنها لا يتناسب مع الرصيف الذي شهد علي اخر انفاسه .. سألت بلهفة بعدما رأيته " ايه اللي حصله" اجابني احدهم نزلناه من عربيته فاقد الوعي وطلبنا الاسعاف بقالها نص ساعة ومجتش.. جسست نبضه مع الواقفين رغم جسه مسبقا انتابتنا الراحه مع قلق العجز بنجدته عندما سمعنا دقات قلبه.

اجتهد المتواجدون علي افاقته فلسوء الحظ لايوجد بين الجمع طبيبا احدهم اخرج عطره واخر قال غيبوبة سكر بخلاف من رفع رجله لايصال الدم للمخ واخر سند دماغه و انفعال من الباقي "ابعدوا خلوه يتنفس".

كنت في خلفية  المشهد اتحدث مع ١٢٣ اسعاف اعطيتهم البلاغ للمرة الرابعه بعد الحضور السابقين ابلغتهم بهويتي الصحفيه متابعا في عصبية "الراجل بقاله نص ساعه مرمي و محدش هيسكت " قابلني الصوت بهدوء مع نبرة صوتيه لخدمة عملاء الجمعيات الخيرية ربنا يجازيك علي فعل الخير سيارة الاسعاف في الطريق وبلاغك برقم ٧٠٠ + كسر لا اتذكره.

بعد انتهائي كان فاعل خير اخر من المتواجدين بطريقة تلقي اتصالات هيئة الاسعاف ذهب ليحضر طبيب من احد الصيدليات المجاورة ، قام بقياس نبضه وضغطه وقال النبض ضعيف وقبل ان يعطي مشورته للانقاذ قالوا في صوت واحد "صوت الاسعاف .. الاسعاف جت".

نزل المجاور لسائقها وافسحنا له الطريق لينقذ الحالة التي يأست من تأخرهم قابل يأسها بمجموعه ضغطات علي صدره محاولا انعاش القلب وبعد رفع اذنيه من فوق القلب قال بوجه يابس مفيش نبض ونظر لامين الشرطه "بلغ دي مسؤليه مش هينفع اشيله".

هاج الواقفين جميعا "شيله في العربيه ،نزله جهاز الاكسجين ، وديه المستشفي واحنا معاك انقذوه " لكن الاخير صمم علي خوفه من المسؤليه دون ادنى نظرة انسانيه للواقعه فقط اكتفى بإنزال جهاز الضغط من السياره وبعد استعماله اشار بتاكيد تشخيصه السابق اكد  ، قابله رد فعل عنيف من "جدعان الرصيف" ممزوج بسب و دعاء علي القطاع الصحي بأكمله توسطه عباره ممن انزله من سيارته "احنا طالبينكم بقالنا ساعه وكان عايش انتم اللي قتلتوه" بسبب سلبية المسعف الذي اتى بدون طبيب ..  ازاحه المنفعلون وفتحوا ابواب الاسعاف انزلوا الترولي ووضعوا قتيل إهمال هيئة الاسعاف فوقه وقبل ان يضعوه في السياره وصل ضابط المباحث.

موقف ضابط المباحث كان مشرف قال دخلوه العربيه الميت له حرمة ، ثم طلب متعلقاته و اغلاق سيارته ،راقبت الترولي حتى توارى خلف الابواب البرتقاليه ، وذهبت مع الزهول وتمتمة الفاتحة على روحه الصاعدة لسماء لاتميز بين الارستقراطي او ساكن الرصيف.

بعيدا عن القدر و "الاعمار بيد الله" تلك الحاله بالطبع لم تكن الاولى التي ساهم تأخر الاسعاف في موتها ولن تكون الاخيرة التي سيكون الاهمال الطبي سبب في قتلها لكن ظروفها تجعلنا في صدمة لما وصلنا له من تدني في القطاع الصحي وصدمة اخرى اذا تصورنا جرائم التدني المقبله فالواقعه كانت في الزمالك اكثر المناطق الحيوية ولم تكن في احدى القرى منزوعة الخدمات ،قتيل الاهمال لم يكن من قاطني العشوائيات .. الامر يحتاج وقفه صارمة وحقيقية تزداد عنفا وحرقه عن الجمع الذي عجز عن انقاذ من تولاه الله في رحمته.