عادل حمودة يكتب: أسئلة جنائية لا سياحية فى شرم الشيخ

مقالات الرأي



■ كيف يمتلك ليبيون وإيطاليون وقبارصة وقطريون الفنادق والقانون يمنع الأجانب من تملك الأراضى والعقارات؟

■ كيف ستحل وزيرة الاستثمار هذه المشكلة لتستوعب 800 مليون دولار استثمارات جديدة للوليد بن طلال فى ظل هذا القانون؟

■ مبارك منح قطعة أرض إلى ملك البحرين باعها لمستثمر مصرى أقام عليها فندقا

■ المشير طنطاوى أصدر القانون خشية أن يصل الإخوان إلى السلطة وينفذوا مشروع إقامة الدولة الفلسطينية فى شمال سيناء

■ أهالى سيناء غضبوا عندما أصبح عليهم إثبات جنسيتهم المصرية قبل تملك عقار أو أرض فى سيناء فعدلت الحكومة القانون


لم أتوقف عند الضجة الصحفية التى انفجرت عقب استقبال الوليد بن طلال لوزيرة الاستثمار سحر نصر بـ«الشورت» يوم 6 أغسطس الماضى فى اليخت الخاص به الذى كان راسيا فى شرم الشيخ.

لكننى توقفت عند إعلان الوزيرة أن ابن طلال سيستثمر 800 مليون دولار هناك فى مشروعات سياحية بكلمة واحدة: كيف؟

لقد خشى المشير حسين طنطاوى أن يفرط الإخوان فى أرض سيناء إذا ما وصولوا إلى الحكم ويسمحوا لغير المصريين بتملك الأرض فى سيناء بما يغرى بتنفيذ مخطط إقامة دولة فلسطينية فى شمال سيناء فأصدر القانون رقم 14 لسنة 2012 الذى يحظر ذلك.

بل إن القانون اشترط أن يثبت أهالى سيناء جنسيتهم المصرية لو شاء أحدهم تملك أرض أو عقار هناك وهو ما أثار غضبهم وشكك فى أصولهم ووطنيتهم.

فى عام 2015 عدلت الحكومة القانون ورفعت شرط إثبات الجنسية عن أهالى سيناء وإن أبقت على منع غير المصريين من التملك فى سيناء بعد أن فرضت موافقة وزارتى الدفاع والخارجية والمخابرات العامة على مزدوجى الجنسية إذا ما رغبوا فى شراء أرض أو عقار فى سيناء.

ومنح القانون الحق فى تملك أراض فى سيناء للشركات والكيانات الاعتبارية إذا كان رأسمالها مملوكا بالكامل لمصريين وفى حالة وفاة المستثمر الأجنبى الذى يمتلك أرضا هناك فى ظل القوانين السابقة، فإنه لابد أن يتصرف الورثة بنقل حصتهم فى الملكية إلى مصرى خلال ستة أشهر مهما كانت المبررات.

أما الأجانب فمن حقهم الانتفاع بوحدات للإقامة فيها لمدة لا تزيد على خمسين سنة.

هل سيقبل الوليد بن طلال بهذه الشروط وهو يضخ الاستثمارات الضخمة التى وعد بها؟.. هل سيقبل بتملك مشروعاته القادمة دون تملك الأرض المقامة عليها؟

لقد أعاد الوليد بن طلال المياه إلى مجاريها بعد سنوات من التوتر مع شريكه هشام طلعت مصطفى وتمتلك شراكتهما فندق فور سيزونز شرم الشيخ.

ولا شك أن الوليد بن طلال يتمتع بحس استثماري عالٍ حتى يأتى إلى شرم الشيخ فى هذا التوقيت بالذات والأهم أنه يمتلك معلومات مؤكدة عن مستقبل تلك المنطقة سياحيا بعد عودة جزيرتى تيران وصنافير إلى بلاده والتفكير فى جسر أو نفق يربط مصر بالسعودية.

والشاهد أن هناك شركات عالمية كلفت بوضع مخطط متميز لجذب المزيد من السياح بأعداد هائلة إلى هناك بما يجعل من الذكاء الرهان عليها من الآن فى وقت تشعل فيه الحكومة المصرية أصابعها العشرة شمعا للمستثمرين الأجانب وتقدم إليهم من المميزات ما يتجاوز التدليل.

إنها فرصة لمن يقرأ الطالع ببراعة ليحصل من الحكومة المصرية الآن على ما لن تفرط فيه بسهولة فيما بعد وهو ما أعاد الوليد بن طلال الذى يملك مجموعة محترفة من خبراء الاستثمار إلى مصر بعد الضجة التى أثيرت حول الأراضى الشاسعة التى اشتراها بسعر متواضع فى مشروع توشكى.

هنا يجب على وزيرة الاستثمار أن تكشف لنا عن المبررات القانونية التى سنسمح بها للأجانب بالاستثمار فى سيناء.

هل ستكون هناك استثناءات؟.. ومن سيمنحها؟.. وهل له سلطة منحها؟.. وما السند القانونى لمنحها؟

كل ما عرفته أنه سيسمح للأجانب بتملك أسهم فى الشركات القابضة التى تستثمر فى مشروعات كبرى على أرض سيناء «ليس أكثر من الأسهم» على أن تزيد نسبة المصريين على 51 % حتى تكون لهم السيطرة الكاملة على الإدارة العليا.

ولو كان ما عرفت صحيحا فعلى وزيرة الاستثمار أن تشرح ذلك علنا حتى لا يؤدى سوء الظن بالبعض إلى الخوض فى بحار من الظلمات خاصة أن الشركات القابضة تطرح أسهمها فى البورصة وهو ما يتيح للمتآمرين على سيناء شراءها بسهولة أو بعبارة أخرى يمكنهم شراء ما يتاح لهم من أسهم أكثر من شركة تستثمر فى سيناء بما يخلق لهم ثقلا متميزا هناك.

إننى أهوى شرم الشيخ إلى حد التمنى بالتقاعد فيها للاستمتاع بسحرها الخاص بجانب فرصة التأمل الصافى للحياة بعيدا عن الصخب والتلوث.

وقد بدأت علاقتى بشرم الشيخ قبل أن تعود إلى السيادة المصرية وفى وقت كانت فيه مجرد صحراء وجبال ومياه بها عدد قليل من المبانى الإسرائيلية المتواضعة التى يسهل تدميرها أو تركها.

كنت مراسلا عسكريا لـ«روزاليوسف» أغطى عمليات الانسحاب الإسرائيلى من سيناء التى أشرفت عليها اللجنة العسكرية المشتركة وهى لجنة رأس جانبها المصرى اللواء محسن حمدى قبل أن تصبح مسئولية اللواء صفى الدين أبو شناف.. رئيس الأركان فيما بعد.

فى يوم 5 يونيو 1981 التقى الرئيس أنور السادات برئيس الحكومة الإسرائيلية مناحم بيجن فى فندق وحيد مبنى من الأخشاب يسمى أوفيرا ينزل فيه محبو الغوص الإسرائيليون فى شرم الشيخ وانفرد السادات وبيجن فى اجتماع خاص لم يحضره غيرهما وجلسنا مع مرافقيه وعلى رأسهما صهراه عثمان أحمد عثمان وسيد مرعى نتابع وقفة غاضبة من إسرائيليين بملابس الغوص يطالبون بعدم التخلى عن شرم الشيخ أو على الأقل السماح لهم بمستوطنة خاصة بهم فى خليج نعمة يمارسون فيها رياضتهم بالقرب من مدرسة البيئة التى كانت غطاء للموساد وأصبحت فيما بعد فندقا شهيرا.

وفى المطار بدا السادات متوترا وهو يجيب على أسئلة الصحفيين وبدا مساعدوه أكثر توترا حتى ينهى المؤتمر الصحفى ويركب الطائرة قبل غروب الشمس لعدم توافر أجهزة للإقلاع الليلى فى المطار.

من السرعة ترك السادات نظارته الطبية فمددت يدى إليها ولكنى خشيت الاحتفاظ بها فقدمتها إلى أحد أمناء الرئاسة (اسمه على ما أتذكر المنجورى) وعندما سألته عن سر وزنها الذى لا يزيد عن وزن ريشة أجاب: إنها مصنوعة من القشرة الخارجية لصدفة سلحفاة.

بعد يومين أقلعت طائرات إسرائيلية من قاعدة فى سيناء لتضرب المفاعل النووى فى العراق منفذة العملية العسكرية التى سميت أوبرا وهو ما جعل البعض يشكك فى أن السادات كان على علم بها ويفسر سر توتره فى المطار، ولكنى أعتقد أن ذلك لم يكن صحيحا.

ومنذ أن عادت شرم الشيخ إلينا وأنا أتابع نموها.. بدأت بفنادق ومقاهٍ فى خليج نعمة ثم زحفت إلى منطقة الهضبة وامتدت إلى منطقة السوهو لتحقق نموا سريعا وصل فيه عدد الغرف الفندقية إلى 15 ألف غرفة فى سنوات قليلة.. وحققت دخلا سنويا يزيد على ستة مليارات دولار.

واهتم مبارك بتلك المدينة التى ترقد بين خليجى السويس والعقبة وحرص على ألا تتحول إلى مدينة بيروقراطية تتفجر بالموظفين واحتج على إنشاء محكمة بها تاركا مدينة الطور عاصمة لمحافظة جنوب سيناء وإن شجع على إقامة قاعة مؤتمرات فى شرم الشيخ دفع ثمنها الملك عبد الله بن عبد العزيز بعد أن بناها حسين سالم لتعقد فيها مؤتمرات القمة العربية ونقلت ملكية القاعة إلى المخابرات العامة.

ورغم أن قانون عدم تملك الأجانب أرضا أو عقارا فى سيناء كان ساريا بنصوص مشابهة لنصوص القانون الحالى، فإنه لم يحترم احتراما كاملا.. فهناك أجانب من جنسيات مختلفة يمتلكون عقارات سياحية هناك تتحدى القانون وتخرج له ألسنتها.. مثلا يمتلك قطريون فندق رينساس.. ويمتلك ليبيون فندق هيلتون شلالات.. ويمتلك قبارصة فندق كيلوبترا.. ويمتلك الإيطاليون قرية الشيخ كوست.. وهناك بالقطع جنسيات أخرى تمتلك فنادق ومنتجعات متنوعة بما يجعلنا نتساءل عن كيف حدث ذلك؟ ومن سمح به؟

أكثر من ذلك منح مبارك أرضا على البحر إلى ملك البحرين وسمى شارعا باسمه فى شرم الشيخ، ولكن صاحب الجلالة باعها إلى مستثمر مصرى هو عصمت نيسان الذى باعها بدوره إلى مستثمر عربى بنى عليها فندقا قريبا من قاعة المؤتمرات.

والغريب أن صاحب الجلالة طلب من مبارك قطعة أرض أخرى لكن المحافظ وقتها هانى متولى أبلغ الرئاسة بعد مراجعة الملفات بالأرض الأولى التى أخذها وباعها، فتجمد الطلب وإن امتلك الملك فيلات هناك كانت لبندر بن سلطان من قبل.

والمؤكد أن هناك مصريين بمثابة واجهة لشخصيات عربية تمتلك الكثير فى شرم الشيخ لكنها لأسباب سياسية لا تظهر فى الصورة أو فى الدفاتر الرسمية التى تسجل الملكية، ولكن لا أتصور أن ذلك غائب عن الأجهزة الأمنية.

إن التشريعات أقرت لتحترم فإن لم تحترم فهناك عيب فيها أو فيمن ينفذها أو هناك ضرورة لتعديلها بما يسد الثغرات فيها أو يمنع التحايل عليها.

والحقيقة أننى أجد من المناسب الآن إعادة النظر فى قانون تملك الأجانب لمساكن أو فنادق فى جنوب سيناء مع الإبقاء عليه كما هو فى شمال سيناء بسبب ما يجرى هناك.. يمكن زيادة مدة حق الانتفاع عشر سنوات أخرى حتى نضمن وجود عدد من الأجانب يعيشون فى جنوب سيناء بما يحافظ على حيوية شرم الشيخ ويزيد الطلب عليها.. كما أنه يمكن زيادة نصيب الأجانب من ملكية الفنادق المشتركة مع المصريين حتى يوفروا سياحًا من بلادهم، كما هو الحال فى دبى وقبرص واليونان مثلا.

إن حالة شرم الشيخ الآن تصعب على أكثر القلوب قسوة.. فنادق وأسواق مغلقة.. ديون متراكمة على أصحابها.. سياح فقراء يتجولون فى شوارعها بحثا عن سندوتش رخيص.. ومستثمرون تعبوا من تحمل الخسائر يبحثون عن مشترين ولو كانوا شياطين لممتلكاتهم.

أنقذوا شرم الشيخ.. حافظوا عليها.. فمستقبلها أكثر ازدهارًا مما نتصور.. لكن.. أخشى أن يأتى إليها المستقبل ليجدها فى خبر كان.