ربيع جودة يكتب: حكاية محارب‎

ركن القراء

ربيع جودة
ربيع جودة


قام من فراشه الدافئ ليلا يجر الخطوات..  يجاهد الوصول الي كرسيه الهزاز ناحية الشرفه ..وقد صار عجوزا يذروه العمر.. الي ان استقر علي كرسيه ببطء شديد.. فتسللت اليه من النافذه نسائم الليل تداعب لحيته البيضاء وتجاعيده التي افرط الزمن في صياغتها بعد عناء عمر طويل.. فاستنشقها مغمضاً عينه  التي لا تزال تدخر بين جفنيها بقية نور.. عجزت السنوات الطوال عن سلبه..

كرسيه الهزاز يجعل كل ما حوله يتحرك في رتابةٍ وصمت، لكنه يحب الجلوس عليه .. ذلك لأنه الشيء الوحيد الذي يشعره انه لا يزال علي قيد الحياة.. نظر من نافذته يراقب السماء بنظرةٍ تحمل الانتظار أكثر  مما تحمل التأمل .. لكن ما الذي ينتظره بهذا الشغف ؟؟ . كانت السماء مظلمة.. والنجوم منتثرة فيها .. وكأنها تشكيلات عسكرية   .. هكذا كان العجوز يتصورها ..  فدائما ما يراها انعكاساً لما يدور علي الأرض من رحايا الحروب..

فما أشبه الليله بتلك الليله منذ أربعة وأربعين سنه ..حين ألقته الاقدار مجروحا في خندق في تلك المعركه المجيده التي خلدها التاريخ في السادس من أكتوبر .. سقط مصابا يكابد النزف غير ان دمائه الذكيه لم تنضب .. وقلبه الأبي لم يتوقف عن قولة .. الله اكبر .الله أكبر.. الله أكبر ..انني حيٌ أُكبر .ان لي علي الاعداء بأس ..انني باق علي وعد الرسول بأنني خير الجنود.. الله أكبر . الله أكبر. حتي استيقظ كل من بالبيت علي صراخه ..والتفوا حوله . نظر الي أحفاده بابتسامه  تحكي الأمل فيهم ..ونظر الي أبناءه .. وهمس فيهم قائلاً .. علموا أولادكم التاريخ  بحب ..لا تجعلوا التاريخ  كتباً صماء . ردوا علي من زعموا بأن دراسة التاريخ لا تُجدي ..وان رِكاب من رحلوا لم تترك لهم اثرا يهتدوا به .. أخبروا أولادكم ان رجالاً شرفاء .. بذلو دمائهم من أجل ذاك الحب ... ثم ابتعد بناظريه الي السماء ..يبدوا وكأنه رأي ما كان ينتظره ...نعم  .. أخيراً رأيتكم.. أيها الأحباب.. انهم اصدقائه القدامي .. شهداء الحق ..ثم أخذ يردد.. إني أراكم من جديد . انني معكم شهيد .. إنني معكم شهيد .حيث فاضت روحه اليهم .. بعد أن سكن كرسيه تماما  عن الحراك..