د. رشا سمير تكتب: أيوه أنت.. أنت يا أستاذ!

مقالات الرأي



لا يتحدث الفاشل سوى عن نجاحه.. ولا ينعت الفاسد نفسه إلا بالشريف.. ولا يرفع الضعيف صوته إلا فى وجه من هم دون منه.. ولا يلوم الظروف إلا القائد المرتبك.. ولا يرى المغرور أى صورة أخرى فى المرآة سوى نفسه.. ولا يدعى الشرف إلا العاهرات..

هذه هى قوانين الحياة بكل قسوتها ومعانيها التى اختلطت على الجميع حتى بات المكان لا يتسع للصالحين وكأن الهواء امتلأ بالفساد حتى اختنقت الصدور..

لطالما سألت نفسي سؤالا لم أجد له إجابة، عندما يتحدث اللص أمامك عن الفضيلة ويتحدث الفاشل عن إنجازاته، يكون السؤال هو: هل يُدرك اللص فى قرارة نفسه أنه لص؟ أم أنه من كثرة الحديث عن الشرف أمام الآخرين قد صدق أنه شريف؟!.

سؤال لو أجبنا عنه لكشفنا كل أغوار النفس البشرية..

النبرة السائدة فى المجتمع المصرى حاليا هى نبرة لا تخلو من الملل والشعور بالإحباط.. وهى نبرة موجودة فى كل مكان سواء المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وبين كل الفئات العمرية سواء شباب أو كهول.. فماذا لو بحثنا عن الأسباب؟

كلما تحدثت مع أى شاب على أعتاب الحياة، تجده يحزم حقائبه ويبحث عن وطن آخر وعن فرصة أخرى حتى وإن كانت موجودة فى وطنه فهو يتصور أن اقتناصها بالخارج هو الحلم الكبير، والسبب أن المساواة والعدالة الاجتماعية هى الفريضة التى غابت عن المجتمع المصري!.

إذن هى هجرة العقول من جديد.. لقد كانت هناك مرحلة فى تاريخ مصر، سافر فيها كل من كانت لديه فكرة أو رؤية أو جملة لم يستطع قولها هنا..

لو سألت أى شخص يعمل فى مؤسسة أو شركة أو وزارة أو حتى عمل خاص، عن أسباب إحباطه، لاعتلى الأسى فجأة كل ملامح وجهه، وانطلق مثل القنبلة الموقوتة يشكو لك من مديره الذى يبطش به لأنه تجرأ ورفض تعنته، وزميله الذى يحاول أن يطيح به ليصعد على جثته إلى أعلى، وشريكه الذى يرتشى وسط صمت المحيطين به وغفوتهم.. وجاره الأصغر منه سنا الذى بفضل خاله الوزير استطاع أن يصل إلى مستوى وظيفى أعلى منه بثلاث درجات، وزميلة الدراسة الفاشلة التى فازت بمقعد والدها فى البرلمان وهى لا تعرف فى عهد من من الرؤساء اندلعت حرب أكتوبر؟!.. والإعلامى الذى يتلعثم فى كل الحروف وهو مذيع برنامج التوك شو الشهير! أو رجل الأعمال النصاب الذى أصبح فجأة رجل المرحلة على الرغم من دفاتره السوداء!.

هل هى أشياء تدعو حقا للإحباط أم تدعو للتوقف والنظر جيدا فى أعماق الأمور؟!..

تحدثت مع فنان شهير قرر منذ بداية حياته أن يقدم فناً راقياً، فن له قيمة، فن قد يصنع تاريخا مشرفا ولا يصنع رصيدا فى البنك، فقال لى: «حين ارتضيت الجلوس على قمة الفن الحقيقى لم أعد أنظر حولى وأقارن نفسي بكل هؤلاء المتربحين من فن الدرجة الثالثة، فقد اخترت طريقى واقتنعت به ولم أندم يوما على اختيارى».

تلك هى الرسالة التى أبعث بها إلى كل شخص فقد الأمل فى مجتمع تربع فيه الكلب على عرش الأسد متصورا أنه ملك الغابة!..

إلى كل شريف ومحترم ومجتهد، إلى كل صاحب فكر وصاحب حق وصاحب مبدأ..

أنتم يا سادة اخترتم الطريق الأطول والأشق، ولكنه الطريق الذى يأخذكم فى نهايته إلى مقام تلك النخلة الباسقة التى تناطح السماء شموخا وتطرح تمرا دون أن تنحنى ولا تنكسر.. الطريق الذى تدخلون منه إلى مخدعكم فتنامون هانئين، غير آبهين بمال ولا جاه، لأنه طريق ملأ قلوبكم بطمأنينة الله ورضاه..

إلى كل من ارتضى أن يكون حقيقيا غير زائف، أمين غير خائن، قوى غير مائع.. لا تنظرون حولكم، فالساحة اكتظت بالسفهاء والفاشلين والنصابين.. اخترتم الطريق فلا تنظروا إلى الطرق الأخرى التى قد تبدو أقصر.

أما الرد عن السؤال الذى طالما راودنى: هو صحيح الحرامى عارف أنه حرامى؟..

الرد هو، وحتى لو لم يكن يعلم، فهو واجب كل منا أن يشير إليه حتى يعرف هو ويعرف الآخرون..

أنت.. أيوه أنت.. أنت يا أستاذ!!