"لحم رخيص" فى الدقهلية

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


"زواج القاصرات" نهايته الطلاق وتشريد الأبناء

■ قانونيون: العقوبة تصل للسجن 10 سنوات


أن تبيع لحم ابنتك لتعيش.. فأنت مجرد تاجر، قدم سلعته وجنى ربحًا مريحًا من ورائها، تاجر بلا قلب، لست أبًا، فالآباء لا يبيعون لحمهم، يفضلون الموت ألف مرة لأجل ابتسامتها الهادئة المطمئنة، على أن يتخلى عنها لأحضان مُسن يتمتع بها قبل حتى اكتمال نموها.

ومؤخرًا.. تحول الزواج إلى «سبوبة قاصرات»، يبيع بموجبها الأب الفقير ابنته «فلذة كبده» إلى ثرى عربى، يقدر جسدها الممشوق بأمواله، حتى إن لم تبلغ السن القانونية للزواج، ليس عليه سوى أن يتفق مع مأذون شرعى بلا ضمير، ليعقد الزواج دون توثيق، كيف سيوثق عقدًا لعروس لم تبلغ الـ15؟

قالت «سلمى .أ.م» لـ«الفجر»: كنت طالبة متفوقة بالمرحلة الإعدادية وفوجئت بوالدى يجلس مع عائلتى، وأحضرت والدتى لى ملابس جديدة، وأصرت على أن أرتديها وأخرج أجلس بجوار والدى، وتبين أن الحديث عن زواجى من نجل عمى الذى يكبرنى فى السن بـ4 أعوام، وتم الاتفاق على أن تكون الخطوبة بعد أسبوع والزواج بعد 3 سنوات لحين الانتهاء من دراستى الإعدادية.

وتعالت الزغاريد واضطررت للتعايش مع الأمر، وتم عقد قرانى على يد مأذون شرعى بلا ضمير، لا أقدر أن أقول عنه سوى ذلك، أوهمنى بتسجيل العقد، وانكشف الأمر مع ظهور مشاكل الزواج وما تعرضت له من ضرب وإهانة وحجر بعدم الحديث أو الخروج، وفى النهاية لم أتمكن من تسجيل ابنى على اسم والده؛ لعدم اكتمال سنه، وبعد أن اكتملت سن زوجى وسنى القانونيتان، إذا بحادث سير يلقى زوجى خلاله مصرعه، ولم يتم تسجيل نجلى حتى الآن لأننى لا أحمل وثيقة رسمية للزواج.

أما «سعاد.ع.ق»، ربة منزل، فقالت: «عندى بنت فى الحادية عشرة من عمرها، هى الآن مخطوبة وأنا ووالدها رحبنا بقرار خطبتها؛ لأن البنت مالهاش غير بيت جوزها، وابنتى مبسوطة وفرحانة وبتحب خطيبها وهتتجوز كمان سنتين ومفيش أى مشاكل بتقابلنا».

التقينا مع فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، انهمرت فى البكاء بمجرد ما قصت علينا حكايتها، قالت: «تمت خطبتى منذ سنة وأجبرنى والدى على هذه الخطوبة بحجة أن خطيبى حالته المادية ميسورة وعندما عارضت الخطوبة أجبرونى بشدة، ولم أجد امامى طريقا آخر سوى فعل ما يريدونه، ثم صمتت والدموع تذرف من عينيها وتابعت: «كنت عايزة أكمل تعليمى عشان أنفع نفسى، بس دلوقتى مش هقدر أكمل، وكمان زوجى مش معاه غير الإعدادية، ومش عارفة أعمل إيه، وفيه مشاكل مستمرة بينى وبين زوجى وطلبت الطلاق لكن لم يستجب.

وروت «بثينة.ن.ع» لنا «أنها تزوجت عندما كان عمرها 16 سنة، من رجل عمره 43 سنة بعقد عرفى؛ لأن المأذون لم يرض بعقد قرانهما رسميا، لعدم بلوغها السن القانونية، وعندما أبلغت زوجى أننى حامل فى شهرين قام بطردى من المنزل وقالى إحنا ما اتفقناش على كده، وأنتى مالكيش حاجة عندى، وبعدها مات زوجى بفترة قصيرة، ولم أقدر على تسجيل ابنى ولم يعترف أهل زوجى بالطفل، لكى لا يكون لى أو له أى حقوق.

واستنجدت بنا أخرى كانت فى محكمة الأسرة، جالسة تبكى وتقول: أعمل إيه؟ منهم لله، أهلى ضيعونى فى الاول وابنى دلوقتى اتشرد، اتجوزت ولم تكتمل سنى القانونية ولم يحرر عقد زواج رسمى، وحدثت مشاكل بينى وبين زوجى طلقنى وقالى مالكيش حاجة عندى وأصبحت أنا ونجلى فى الشارع.

وقالت «إيمان .ر»: «تزوجت من نجل خالتى وخرجت من التعليم من المرحلة الإعدادية، عملنا فرح كبير وحضره كل أهلى وأهل العريس، وحصل خلافات على قائمة الجهاز التى قدرت بـ150 ألف جنيه، ولم أطلب من زوجى ذهبا، بل اقتصر الأمر على دبلة وخاتم، وانتقلت لبيت الزوجية ولم أستمر أكثر من عام، فمنذ بداية الزواج والمشاكل مستمرة، وذهبا لوالدى أكثر من مرة، وتدخل الأقارب لأعود مرة أخرى، وإذا بى حاملا ووضعت طفلة، لا أعرف مصيرها ولم أتمكن من تسجيلها، بل تطور الأمر إلى تشكيك زوجى فى أن الطفلة ابنته، ووضعت ابنتى عند والدى وضاعت حياتى ومصير ابنتى مجهول.

وعقبت فرحة الشناوى، مقرر المركز القومى للمرأة بالدقهلية على ذلك، قائلة: زواج القاصرات له عواقب وخيمة؛ لأن الفتاة لا تكون جاهزة ولا نمت فكريا ولا عقليا ولا جسديا، فكيف تكون مسئولة عن أسرة بأكملها؟ وهى فى وقت من المفترض أن يكون والداها مسئولين عنها، والقانون يجرم توثيق عقد الزواج قبل السن القانونية، وهى 18 سنة، وبالرغم من ذلك يقوم رب الأسرة بزواج ابنته دون الخوف عليها من مخاطر جسيمة.

وأشارت الشناوى إلى أنهم ينظمون العديد من الندوات للتوعية بحقوق المرأة والتشديد على عدم زواج القاصرات، والأمر يزيد بالقرى، وقالت «الناس مبقاش عندها ضمير، وحالات الطلاق فى المجتمع المصرى معظمها ناتج عن زواج صغار السن، الذين لا يعرفون المعنى الحقيقى للأسرة وتحمل المسئولية، نجد حالات كثيرة مشردة ومتسولة فى الشارع، وعندما سألنا عن السبب قالوا أنهم تزوجوا فى سن صغيرة وتخلى عنهم الأهل.

وقال الشيخ نشأت زارع، إمام وخطيب بالدقهلية: الزواج فى الإسلام مرهون بالبلوغ والرشد، مصداقاً لقوله تعالى: «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم»، والبلوغ والرشد فى الزواج أولى لتحمل مسئولية بناء أسرة ورعاية الزوج والأطفال، وزواج القاصرات له أسباب: منها الفقر والجهل والعادات والتقاليد وثقافة شعب، أجمع على أن البنت إذا وصلت إلى سن الـ19 ولم يأت إليها العريس فهى «عانس»، ولذلك تحتاج إلى علاج وحلول يشترك فيه الكثير، الدولة والإعلام والمسجد والمدرسة.

وأوضح أن زواج القاصرات صفقة بيع وجريمة، يشترك فيها أطراف عدة، الأب لأنه فقير يبيع ابنته لثرى خليجى، يأخذها يستمتع بها فترة ثم يرميها، وهذا يحدث غالبا فى القرى، مشيرا إلى أن هذه المشكلة تحتاج عدة حلول منها التوعية الإعلامية وليست الصحفية، برامج توعية عن أخطار هذا الزواج، وكذلك دور المسجد، على الائمة أن يتكلموا مع الناس عن حرمة هذا الزواج، لأنه ضار بصحة البنت، التى لم يكتمل نمو جسدها بشكل طبيعى، وبالتالى ضرر صحى، والإسلام يرفض الضرر، ودور المدرسة أيضا التحذير، ودور الدولة وهو الأهم، عقاب أى مأذون يعقد مثل هذه الصفقات بعقاب شديد، ويجب أيضا منع التسنين إلا بضرورات معينة.

وقال المحامى أحمد الشرقاوى، نائب مجلس الشعب عن مدينة المنصورة، إن القانون حدد سن 18 سنة لزواج البنات، والأقل من ذلك تعتبر قاصرا ولا يجوز زواجها، ولو تم يتعرض المأذون للمساءلة الجنائية؛ لأنه قام بعمل تزوير بوضع تاريخ ميلاد مخالف للحقيقة، والحد الأدنى للعقوبة من 3 إلى 10 سنوات، عقوبة جنائية، والجريمة يعاقب عنها كل من شارك بها.

وأضاف: «زواج القاصرات مش مشكلة قانونية بقدر أنها اجتماعية، ويجب تشديد الرقابة على وثائق الزواج، من خلال الجهات المختصة، المحكمة والأحوال المدنية، زواج القاصرات لم يكن فى محل تشريعى، ولكن أضعها قيد البحث للوصول لتعديل تشريعى بصرامة، وتقديم شهادات الميلاد ونلزم المأذون باستخراج الشهادات، وحتى يتسنى لنا مضاعفة العقوبة فى حالات إثبات التزوير.