منال لاشين تكتب: كواليس اليونسكو من فاروق لمشيرة

مقالات الرأي



■ صفقة تجارية مع المغرب لسحب مرشحها ضد مصر

■ غياب ليبيا أضاع على مشيرة أصوات إفريقيا

■ مندوبة مصر فى اليونسكو: هوسنا بالمناصب يثير العرب

■ قطر وقفت ضد القاهرة فى انتخابات فاروق حسنى والإمارات تدخلت لدى ماليزيا وباكستان لوقف تأثير الرشاوى

■ إسرائيل طلبت من مصر 4 مطالب لتأييدها فى معركة اليونسكو


الحكيم الذى قال إن التاريخ يعيد نفسه مرتين لأننا لا نستمع له فى المرة الأولى لم يكن يقصدنا، لأن مصر لا تستمع للتاريخ لا فى المرة الأولى ولا حتى المائة، وعندما يتعلق الأمر بالمناصب الدولية أو تنظيم المسابقات العالمية يفقدنا الهوس الحس بالتاريخ والجغرافيا معا، وهذا ما حدث فى انتخابات اليونسكو والتى خرجت منها مرشحتنا السفيرة مشيرة خطاب فى الجولة قبل النهائية وفى إطار التمثيل المشرف هلل البعض لهذه النتيجة، كما أن بعضنا اتهم قطر بإبعاد مصر عن منصة اليونسكو والمركز الرفيع، وكلا الفريقين وقعا فى أخطاء فى التحليل لأنهم لم يستمعوا للتاريخ فى المرة الأولى أو بالأحرى تجربة انتخابات فاروق حسنى والتى حقق فيها وزير الثقافة السابق نتائج أفضل من هذه الانتخابات، فقد خرجت مصرفى المنافسة النهائية وبأصوات أكثر مما حصلت عليه مرشحة مصر فى الدورة الأخيرة، المثير أن الوزير ومعاونيه رووا قصة وكواليس الترشيح فى شهادات حفظتها الزميلة فتحية الدخاخنى فى كتاب، الكتاب أصدرته الدار المصرية اللبنانية وحمل عنوان «فاروق حسنى وأسرار معركة اليونسكو»، ولكن الكتاب أو بالأحرى كواليسه يكشف الكثير من ألغاز أو دعاوى انتخابات مشيرة خطاب.


1- سر إفريقيا

فى انتخابات مشيرة لم تحصل مصر على أصوات إفريقيا، وبحسب مدير حملة مشيرة فقد حصلنا على ستة أصوات من إفريقيا فى الجولة الأولى، ولكن الأصوات الإفريقية وقعت من مصر فى الجولات التالية، وقد علل البعض هذه الخسارة على مستوى القارة بعدم اهتمام مصر بإفريقيا وقال آخرون إن قطر لعبت فى إفريقيا، ولكن المثير أن نفس هذه الدول الإفريقية منحتنا معظم أصواتها فى دورة فاروق حسنى أيام مبارك، ومبارك كان أكثر إهمالا لإفريقيا من أى عصر آخر، والإجابة الصحيحة ليست قطر، ولكنها ليبيا أو بالأحرى غياب ليبيا والرئيس معمر القذاقى، فقوة القذاقى فى ليبيا واستثمارات ليبيا فى معظم الدول الإفريقية هى السر وراء حصولنا على أصوات إفريفيا، قد رفضت بعض الدول الإفريقية تقدم مصر بمرشح فى انتخابات اليونسكو وكان على رأس الدول الرافضة دولة جنوب إفريقيا، وعندها طلبت مصر من القذافى التدخل لإقناع بعض الدول الإفريقية وهو ما حدث بالفعل، بل إن القذافى تدخل لإقناع البرازيل بسحب ترشحها فى اليونسكو، وذلك نظرا للعلاقات الاقتصادية واستثمارات ليبيا هناك والتى تصل لمليارات الدولارات، وقد طلب فاروق حسنى فى خطاب من القذافى التدخل لدى البرازيل، وقال له فى الخطاب: «أنا على يقين أن مخاطبة منكم لرئيس البرازيل ليست كفيلة فقط بإثناء البرازيل عن الترشيح، وإنما سوف تساهم فى إعلان البرازيل عن تأييدها لترشحى أيضا» وبالفعل نجحت المساعى الليبية وحصل فاروق حسنى على صوت البرازيل.

وفى وثائق حملة فاروق حسنى خطاب شكر خاص للرئيس معمر القذافى على جهوده فى دعم المرشح المصرى، ولكن مصر كالعادة تنسى المواقف ولذلك لم يحسب مسئولو حملة مشيرة خطاب أثر غياب الدعم الليبى على أصوات إفريقيا.

المشكلة الأخرى فى إفريقيا أنها ليست كتلة واحدة كما تروج الخارجية المصرية أو بالأحرى تتوهم، فإفريقيا موزعة ما بين الهوى الفرنسى والهوى الإنجليزى، بالمثل موزعة ما بين نظم يسارية وأخرى يمينية والمصالح الاقتصادية تلعب دورا كبيرا فى لعبة الانتخابات، والآن هناك عدة دول بالإضافة لفرنسا وبريطانيا منها الصين والإمارات وقطر، وليس صحيحا أن الاستثمارات القطرية تحتل المركز الأول فى إفريقيا، وأن قطر لعبت ضدنا فى إفريقيا فخسرنا أصوات إفريقيا، ولكن بعدنا نحن عن إفريقيا وعدم قيام المرشحة المصرية بجولات فى كل الدول الإفريقية ساهم فى خسارة إفريقيا.

فمن بين أسوأ عاداتنا فى التعامل مع إفريقيا هو قلة زياراتنا للدول الإفريقية، ونتعامل بتعال معهم، وفى انتخابات فارق حسنى حدث موقف موحٍ وكاشف لهذا التعالى، فقد كانت السنغال ضد المرشح المصرى، ولكن مندوب السنغال فى اليونسكو كان متعاطفا مع فاروق، ولذلك أخبره أن مجرد اتصال هاتفى من الرئيس مبارك للرئيس السنغالى سينهى الأزمة، وأضاف المندوب السنغالى أن بلاده تستطيع إقناع دولتين إفريقيتين بترشيح فاروق، وبذلك يحصل فاروق حسنى على ثلاثة أصوات، وسارع فاروق حسنى بالاتصال بمبارك وإبلاغه الرسالة، ولكن مبارك رفض إجراء الاتصال لأنه لا يحب هذا الرئيس بالذات، ولو تم هذا الاتصال الرئاسى فربما تغيرت النتيجة.


2- صفقة المغرب

يلعب مندوب مصر فى اليونسكو دورا مهماً ويقف على الكثير من الأسرار والكواليس، ولذلك كانت المؤلفة موفقة عندما سجلت شهادة مندوب مصر فى اليونسكو خلال انتخابات فاروق حسنى شادية قناوى، وشادية لا تنتمى للسلك الدبوماسى فهى أستاذة جامعة، ومن أكثر ما لفت نظرى فى كلام أو بالأحرى شهادة شادية هو حديثها عن سؤال مصر، تقول شادية إن تعليمات وزير التعليم العالى هانى هلال «فى ذلك الوقت» كانت الترشح لأى لجنة أو منصب شاغر فى لجان اليونسكو، وتصف شادية هذا السلوك بأنه كان يثير الغضب، ولذلك عملت هى على إصلاح هذا الخطأ وترك بعض اللجان لمندوبى سوريا والعراق بل وحثهم على الترشح، ولا يقتصر الهوس المصرى على اللجان فقط، فنحن مولعون بالترشح لأى منصب والحصول على تنظيم أى مسابقات أو فعاليات رياضية، وهذا السلوك يغضب الدول العربية والإفريقية، ولعل هذا السبب وراء حصولنا على صفر المونديال الشهير، فقد فازت مصر بتنظيم كأس العالم للشباب، ولكنها أصرت على المنافسة على تنظيم كأس العالم، وذلك على الرغم من إعلان المغرب عزمها للمنافسة على التنظيم منذ سنوات، ولذلك غضبت الدول العربية الإفريقية من مصر وأرسلت لها رسالة الصفر لعل الحكماء يدركون الرسالة.

ومن كأس العالم لليونسكو فإن مصر لم تحسب الأصوات جيدا، فقد خسرنا صوت المغرب لأن مرشحة فرنسا مغربية ووالدها مستشار للملك السابق والحالى ورجل غاية فى القوة فى المغرب، والمغرب أعلنت تأييدها لبنت بلدها علنا، ويتردد أن الجزائر لم تمنحها صوتها لأنها ترى أن مصر استنفدت حظوظها للترشح مرتين لليونسكو، وقد كانت الجزائر داعمة لنا فى دورة فاروق حسنى وبمنتهى القوة، بل إن الجزائر كانت تخشى أن يحصل وزير ثقافتها السابق الذى رشحته كمبوديا على صوت واحد، وذلك حتى لا تظن مصر أو أى دولة أن الجزائر صوتت لمواطنها.

أما عن المغرب فقد رشحت فى دورة فاروق حسنى عزيرة بنالى وهى سيدة مغربية قوية وذات سمعة دولية مهمة، وتكشف شادية قناوى عما تم بين مصر والمغرب، فقد قدمت مصر للمغرب صفقة اقتصادية لشراء سيارات رينو لوجان المجمعة فى المغرب بدلا من شرائها من أوروبا، وفى المقابل سحبت المغرب مرشحتها ودعمت ترشيح فاروق حسنى، هذه ليست رشوى ولكنها صفقات مشروعة جدا فى معارك الانتخابات، ولا أدرى لماذا لم تحاول مصر أن تعقد مثل هذه الصفقات المشروعة مع كل من العراق ولبنان لسحب ترشيحهما أمام مشيرة خطاب، هل لا تستطيع مصر تقديم صفقات مشروعة أو الضغط الدبلوماسى المشروع على أشقائها العرب، وهل كان من الحكمة نزول حلبة الانتخابات بدون أدوات وأوراق ضغط مناسبة، سؤال متأخر جدا ولكنه يظل يحتاج إلى إجابة، وإن كان البعض سيقول الإجابة قطر.


3- أزمات قطر

لم يكن موقف قطر مفاجأة لمصر، وللعلم فإن قطر لعبت ضد مصر فى دورة فاروق حسنى وبصورة أقذر من دورة مشيرة خطاب، فخلال دورة فاروق كانت قطر أول دولة أعلنت تأييدها لترشح فاروق حسنى ودعمها له، ولكن قطر لعبت ضد مصر ومرشحها، فلم تكتف قطر بعدم منح مصر صوتها، ولكنها ضغطت على دول إسلامية أخرى مثل أذربيجان وباكستان حتى لا تمنح مصر صوتها، ويروى فاروق حسنى أنه قام بالاتصال بوزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد، وطلب منه دعم مصر فى هذه الدول، وهو ما حدث، بالمثل قامت الإمارات بواجبها فى عدم تراجع ماليزيا عن تأييد مرشح مصر، إذن قطر تلعب ضد مصر سواء كان لقطر مرشح أم لا، ولكن كل أموال قطر وحدها لا تستطيع أن تهزم مصر، لأن كل أموال قطر لم تستطع أن تضمن لها الفوز.

ثمة سبب آخر أقوى وأخطر من قطر، وهذا السبب ألمحت إليه مشيرة خطاب فى حوارها مع لميس الحديدى، ولكن فاروق تحدث بوضوح وتفاصيل أكبر عن الدور العالمى الأمريكى والإسرائيلى فى وصول مصر للمنصب، يقول فاروق حسنى إنه لم يكن من الممكن وهم يبحثون تقسيم العالم العربى أن يوافقوا على وصول مصرى مسلم عربى للمنصب.

ويروى الدكتور محمد غنيم عضو حملة فاروق ثمن تأييد إسرائيل لوصول فاروق حسنى للمنصب، فقد طلبوا منه التطبيع الثقافى والسماح لهم بعمل حفائر فى منطقة البساتين فى محاولة لإثبات وجودهم فى مصر واسترداد ممتلكاتهم فى مصر التى تخلوا عنها بالبيع وكانوا يحلمون بوجود دليل على أنهم بناة الأهرامات، وبالطبع رفض فاروق حسنى الطلبات، وبالطبع لم تقبل مصر فى دورة مشيرة خطاب قبول هذه الطلبات، ولذلك لم تغير إسرائيل ولا الحركة الصهيونية العالمية موقفها من ترشح مصر أو بالأحرى وصولها إلى منصب اليونسكو، ولهذا لا يجب أن نضخم فى دور قطر رغم ألاعيبها القذرة، لأن الأهم هو موقف الصهيونية العالمية من ناحية وموقف الاتحاد الأوروبى الذى لا يرضى أن يصل للمنصب دولة عربية وليست مصر فقط، لأننا وبمنتهى الوضوح مستوردو ثقافات ونعيش على ثقافات غيرنا، ولذلك لا ترى معظم الدول المتقدمة حقا لنا فى اليونسكو.