عادل حمودة يكتب: حينما سأل الرئيس.. أين الحقيقة فى حادث الواحات؟

مقالات الرأي



■ تحقيقات عليا مع الرؤوس الكبيرة فى الداخلية فأطيح بهم

■ وزراء الداخلية يرحلون لأسباب سياسية تسبق الاعتبارات الأمنية

■ مصر تستعد لمواجهات شرسة مع تنظيمات إرهابية قادمة بالأمر من العراق وسوريا وليبيا


يحب مصر فعلا من يؤمن باستمرارها

يحب مصر حقا من يؤمن بطاقتها على التوليد والإنجاب.

إن حركة التاريخ ترفض مبدأ الإيجارات الطويلة.. فلا أحد يستطيع أن يبقى فى كل الأزمنة.. أو أن يظل على كرسيه فى كل العصور.

التغيير سنة التطور.. والتجديد أصل الخبرة.

إن الشجرة فى حاجة إلى إزالة الأوراق الصفراء والفروع الميتة حتى تنمو.. والمياه الراكدة إن بقيت على حالها هلكت بفعل العفن.

لكن.. لا تغيير دون تبرير وتفسير.

إن حركة التنقلات التى جرت فى غير موعدها بين قيادات الداخلية لم يصحبها ذكر الأسباب التى دعت إليها.

وما يضاعف من الحاجة أن نعرف أن التنقلات شملت رءوساً كبيرة مثل اللواء محمود شعراوى مساعد الوزير لقطاع الأمن الوطنى واللواء هشام العراقى مساعد الوزير لقطاع أمن الجيزة واللواء مجدى أبوالخير مدير العمليات الخاصة فى قطاع الأمن المركزى فلم يكن أمامنا إلا أن نستنتج أن السبب هو العملية التى جرت مؤخرا فى الواحات.

وربما يبرر عدم الإفصاح أننا فى حالة حرب حقيقية مع التنظيمات الإرهابية مغطاة بفضائيات إخوانية تفرض علينا الحذر فى كل كلمة تخرج من الداخلية حتى لا يستفاد منها أو على الأقل حتى لا تنتهى بالشماتة.

وقد طالب الناس فور وقوع عملية الواحات الداخلية بأن تكشف عن ملابسات الحادث واتهمت بالتقصير بسبب التأخير.. لكن.. كان لابد من مرور بعض الوقت حتى تعرف الداخلية حقيقة ما حدث بدقة دون أن تتورط فى معلومات تحسب عليها فيما بعد.. كما كانت تنفذ عملية إخلاء الجرحى ولا تريد أن تواجه بما يضاعف الضرر.

وفى الاجتماع الذى حدث فى الرئاسة صباح اليوم التالى كان السؤال: أين الحقيقة؟

واحتاجت الإجابة عن السؤال إلى فتح تحقيق عاجل ومكثف ودقيق مع كل الأطراف المسئولة بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة وكانت نتيجة التحقيق الإطاحة بتلك الرءوس الكبيرة فى الداخلية.. فلا أحد فوق الحساب.

وكانت تلك الإطاحة تعنى اعترافا بتقصير الذين طالتهم.

وفى الوقت نفسه كشفت التحقيقات عن جرأة الذين استشهدوا فى العملية فقد حموا بصدورهم مدنا قريبة كانت ستتعرض لعمليات إرهابية أشد عنفا مما جرى فى الواحات.

ولابد أن نتوقع مزيدا من العمليات الإرهابية بعد أن أصبحت مصر هدفا للتنظيمات الإرهابية التى أجليت من العراق وسوريا لتتواصل الحرب بكل ما فيها من انتصارات وتراجعات وهو أمر يجب أن نستوعبه.. فكل نجاح تحقق للسياسة المصرية فى الداخل والخارج سيزيد من ضغوط المتآمرين على تماسك الدولة المصرية.

وربما.. كان السؤال الملح: لماذا لم يخرج وزير الداخلية من الحكومة بعد ما حدث؟

والحقيقة أن الوزير يدير الداخلية بمساعديه كل فى الإدارات والأجهزة والهيئات.. يمنحهم السلطات والصلاحيات.. ويحاسبهم على التقصير والفشل دون أن يقبل منهم مبررات.

وهو أمر كثير الاعتياد فى وزارة الداخلية.. فاللواء زكى بدر لم يقل رغم تصاعد العمليات الإرهابية فى الشارع المصرى وإنما أقيل بسبب شتائمه التى نالت المعارضين والمؤيدين ولم يسلم منها زملاؤه فى حكومة الدكتور عاطف صدقى.. واللواء عبد الحليم موسى لم يقل لضعفه فى مواجهة التنظيمات الدينية المسلحة وإنما أقيل لتفاهمه معها سرا دون علم الرئيس.. واللواء حسن الألفى ظل فى منصبه رغم محاولة اغتيال عاطف صدقى وحادث الاعتداء على مجموعة من القانونيين الدوليين فى فندق سميراميس وحادث تفجير أتوبيسات أمام المتحف المصرى فى ميدان التحرير ولم يقل بسبب حادث الاعتداء على السياح فى الأقصر وإنما أقيل لأنه لم يكن يعرف معلومات عما حدث.

لكن.. كل هذه التفسيرات استنتاجات أو اجتهادات.. لم تكشف عنها الحكومات فى وقتها.. سواء وقت اتخاذ القرار أو بعده.. إنها قواعد الحرب التى تحدد ما يباح وما يحجب.. بشرط أن تكون السلطة صادقة فى حمايتها للأمن القومى.

كما أنها من جانب آخر.. عادة بيروقراطية مستقرة ألا يعترف المسئولون بالخطأ وهم على قيد السلطة.. فهم ليسوا أحرارا فى ذلك.. فهم منفذون لتعليمات من هو أكبر منهم ولا يستطيعون تجاوزها أو رفضها.

ولغياب الشفافية جانب آخر غير مستحب.. فالعتمة تفرض على الناس أن تستنتج الأخبار حسب مزاجها.. لو لم يحضر وزير اجتماعا أو احتفالا فهو مغضوب عليه.. ولو تجرأ آخر وأدلى بتصريح حاد فهو سيخرج من الحكومة.. ولو هاجم ثالث زملاءه فهو قوى ومسنود.. إن هذه الطريقة تصلح عند قراءة الطالع فى فنجان أو فى كف يد.. لكنها لا تصلح لعلاقة سياسية طبيعية مستقرة بين الشعب والسلطة.

إننى واحد من المعجبين بأداء رئيس الحكومة شريف إسماعيل فقد تحمل مسئولية مستحيلة فى تنفيذ البرنامج الصعب للإصلاح الاقتصادى وما ترتب عليه من ارتفاع جنونى فى الأسعار اشتكت منه كل الطبقات.. لكن.. يبدو من صوره على شاشات التليفزيون أنه يعانى صحيا من أمر ما.. والمرض حق على البشر.. لا يقلل من شأنهم.. فكلنا مرضى بنوع أو آخر.. على أن البيان الذى خرج من مكتبه اكتفى بالقول: «إنه يمارس عمله بكفاءة» متجاهلاً حالته الصحية.. وهو ما فتح الباب على مصراعيه فى جلسات النميمة لتشخيصها وأعراضها وعلاجها.

وتمتد النميمة إلى عمله.. فهناك من نشر أنه قدم استقالته.. ولكنها.. رفضت مؤقتا.. وهناك من يصر على أنه سيرحل هو وحكومته فى تغيير وزارى سيجرى فى نهاية العام.. لتأتى حكومة جديدة تستقبل الانتخابات الرئاسية القادمة.

انتهى عصر كان فيه مرض المسئول سرا حربيا.. فلم يجرؤ أحد أن يتحدث عن إصابة جمال عبد الناصر بمرض السكر وما ترتب عليه من آثار على القلب حتى أطباؤه.

وحدث أن حاول كامل الشناوى الذى اشتهر بخفة ظله أن يتباسط مع عبد الناصر قائلا: «نحن بلديات يا ريس» فتعجب عبد الناصر مما سمع قائلا: «كيف وأنا صعيدى وأنت من الدلتا؟».. فأجاب كامل الشناوى: «احنا الاتنين عندنا سكر».. وغضب عبد الناصر منه.. وأبعده عنه.

وأحست فرنسا بالخطر عندما أصيب رئيسها جورج بومبيدو بالسرطان فقد كان يعلق فى رقبته سلسلة محفورًا عليها شفرة التفجير النووى فلم يتردد قصر الإليزيه فى الكشف عن حقيقة مرضه ليشرك الشعب فى القرار.

ويكشف البيت الأبيض عن الحالة الصحية للرئيس الأمريكى كل ستة شهور ولا يستثنى التقرير الأمراض الخفيفة مثل نزلات البرد.

وتحتفظ تسجيلات يوتيوب بفيديو يثبت تاريخه أننى أول من طالب بعد ثورة يناير بالكشف الصحى والنفسى على المرشحين للمناصب العليا وهو ما حدث فعلا.

لكن جرى الاكتفاء بالكشف الأول دون الكشف عن التغيرات الصحية والنفسية التى تحدث بعد ذلك.

على أننا لا نعرف الحد الأدنى من المعلومات عن كل من يتولى منصبا رسميا رفيعا.. لم أختير؟ أو لم استمر؟ ولم أبعد من سبقه؟ فنحن لسنا آخر من يعلم بل نحن لابد ألا نعلم.

ولا شك أن بقاء مسئولين فى مناصبهم سنوات طوالًا يجمد الخبرة.. ويحرم أجيالاً جديدة من الكفاءات من فرصة تطوير الحياة فى بلادها.

لقد حول مبارك السلطة إلى أوقاف أميرية أو أملاك خاصة تنتقل من يد إلى يد بالوراثة.. أو بمجلس وصاية على العرش.. دون أن يدرك أن سلطته سلطة زمانية لا سلطة إلهية.. أبدية.

لقد بقى إلى جانبه وطوال معظم سنوات حكمه شخصيات تجمدت فى مكانها مثل صفوت الشريف وزكريا عزمى وجمال عبدالعزيز وإبراهيم نافع وسمير رجب وغيرهم مما أضاع خبرة التجديد فى مواجهة التحنيط.

وبتحويل العائلة الرئاسية إلى عائلة ملكية أطيح بكفاءات وخبرات فى مختلف المجالات ترفض التوريث واختيرت مكانها شخصيات لينة مطيعة تحمل لافتات الترحيب بولى العهد ولو لم تكن تصلح للمناصب التى وضعت فيها.

لقد جاءوا على سبيل المثال بدبلوماسى شاب من سفارتنا فى واشنطن هو هشام النقيب ليؤهلوه لمنصب وزير الخارجية وليتخطى كل كبار الدبلوماسية.. بدأوا بوضعه رئيسا لهيئة الاستعلامات.. وأمدوه بكل المعلومات فى الملفات التى يهتم بها الرئيس.. ليقتنع به.. وينال رضاءه.. ويختاره لذلك المنصب الرفيع.. ولكنه.. فشل فى ترتيب لمؤتمر صحفى.. فأطيح به.

وتكرر النموذج ذاته فى الصحف القومية والغرف التجارية والجمعيات الأهلية والمؤسسات الحكومية والبرامج التليفزيونية لتشكيل فرقة موسيقية تستقبل الوريث على طريقة حسب الله السابع عشر.

وبين حكم جيل التوابيت وحلم جيل الجينز فقدت الكفاءات الوسطى فرصها فى القيادة لكن خسارتها هانت أمام خسارة مصر كلها.

وفى الحالين لم يكن الاختيار ليخرج عن أهل السمع والطاعة وبشرط أن يكون المرءوس أقل فهما من رئيسه حتى لا يناقش أو يجادل فيترك منصبه قبل أن يستقر على مكتبه.

صاحب المنصب الأعلى يفهم أكثر.. فما أن يبدأ عمله حتى يهبط عليه الوحى والإلهام.. يغير طاقم مكتبه.. وكأن كل من طردهم منه خونة.. ويلقى بملفات من سبقه فى الأرشيف.. وربما سخر منه.. ويفتح ملفات جديدة.. ويضع خططاً مختلفة.. وكأن المنصب ولد على يديه.. وهو يشعر أنه لو أكمل مسيرة من سبقه سيفقد تميزه.. ويفتح الباب للتشكيك فى قدراته.

ومن جانبه لا يتردد المسئول السابق الراحل فى أن يحمل معه كل ما جمع من معلومات طوال خدمته حتى لا يستفيد منها خليفته.. بما فى ذلك دليل التليفون.. وخريطة الشخصيات المؤثرة والمعوقة فى المكان.. والملفات الخاصة والسرية التى لم يطلع عليها غيره.

كل يحمل خبرته ويمضى.. وكل يبدأ خبرته بنفسه.. ولنهدر الوقت والجهد والمال.. ولتظل الدولة محلك سر.. ولتذهب مصالح الأمة إلى الجحيم.

فى الأكاديميات العسكرية الأمريكية مراكز خاصة تستقبل تقارير كل ضابط سافر فى مهمة خارج بلاده.. عليه أن يذكر كل شىء عن الدولة التى زارها ولو كانت بعيدة عن تخصصه.. الديانة.. الجريمة.. الزى الوطنى.. نظام المرور.. العلاقات الخاصة بين الجنسين.. قوانين الضرائب.. شكل رغيف الخبز.. واللعبة الشعبية.. والنكات الشائعة.. والرقصات المشتركة.

وتوضع كل التقارير فى كمبيوتر مجهز ببرنامج يسمح بضم ما لديه عن دولة ما فى ملف خاص أو يضع كل صفة من صفات الدول المختلفة فى ملف منفرد لتسهل المقارنة بينها.

أما مبرر ذلك فهو أن الحرب ليست مجرد أسلحة وذخائر وجنود إنما تسلل من ثغرات الشعوب للسيطرة عليها.

إنها الخبرة المتواصلة التى لا تذهب أو تدفن أو تندثر برحيل أصحابها عن مناصبهم.

وفى الخارجية البريطانية يعرف السفير البلد المرشح له قبل أن يهبط إليه بستة شهور ليدرس كل ملفاته وليجلس مع الدبلوماسيين الذين سبق أن خدموا فيه وقبل أن يصله يكون قد عرف كل شىء عنه.. نظام الحكم.. مستوى المعيشة.. الشخصيات المؤثرة.. طبيعة العلاقات الاجتماعية.. جدية التعامل مع الفساد.. ووضع المرأة.. وقوانين الجمارك والضرائب.. وغيرها.

يأتى السفير إلى البلد الذى اختير له جاهزا للعمل من أول يوم.. لا يضيع وقته فى البحث والاكتشاف كما يحدث عادة مع سفرائنا.

إن أخطر وأسوأ ما نعانى منه هو أننا دائما نبدأ من الصفر وهو مرض مزمن يصعب على البيروقراطية العريقة تجاوزه.. لكن.. لا أمل فى التغيير ما لم نعالج منه.. ويبدأ العلاج ببيان رسمى يجيب عن أسئلة الشعب البسيطة: لم أقيل من أقيل؟ ولم اختير من حل محله؟