عبدالحفيظ سعد يكتب: الأمير الشاب يقود المملكة للتأسيس «الرابع»

مقالات الرأي



ثورة التغيير الثقافى والسياسى فى السعودية

قرارات محاربة الفساد فى المملكة سبقتها إجراءات ثقافية تدعم حرية المرأة والخدمات الترفيهية بهدف إحداث تغيير اجتماعى

تدور عجلة التغيير فى السعودية بخطى سريعة، متجاوزة محطات ومسلمات بالية، ظلت مقيدة لعدة عقود "المملكة" ذات المكانة السياسية والاقتصادية الضخمة، لذلك جاءت التغييرات والقرارات الصادرة من قيادة المملكة مساء السبت الماضى بمثابة صدمة، وصفها البعض بأنها "ثورة"، لم يكن يتوقعها أحد.

رغم أن ما يدور فى السعودية الآن لا يقتصر فقط على القرارات "الثورية" التى اتخذتها الهيئة العليا لمحاربة الفساد، المنشأة حديثا بقيادة ولى العهد محمد بن سلمان، والتى وجهت ضربتها الأولى لأعلى الأسماء فى المملكة سواء على المستوى الاقتصادى أو السياسى وطالت شخصيات، لم يكن أحد يتخيل أن تمتد لها يد ليس داخل السعودية فحسب بل فى مختلف قارات العالم، مثل الوليد بن طلال رجل الأعمال صاحب النفوذ الاسم الأشهر فى فضاء الاقتصاد، على المستوى الإقليمى والعالمى، ومعه زميله محمد العمودى، المصنف على قائمة "فوربس" ضمن أغنى أثرياء العالم، يضاف إليهما أيضا رجل الأعمال الشهير صالح كامل ومعه الوليد الإبراهيمى صاحب مجموعة "mbc"، يضاف إليهم عشرات من الأسماء من العائلة المالكة يعد أبرزهم الأمير متعب بن عبدالله، الذى أقيل من منصبه كقائد لـ"الحرس الوطنى" قبل عملية توقيفه، ومعه العديد من أفراد العائلة السعودية، فى القضية التى أطلقت عليها وسائل الإعلام السعودية فساد "سيول جدة" وحدثت قبل 8 سنوات، ويتهم فيها ما يزيد على 320 مسئولا سعوديا منهم عشرات من الوزراء والمسئولين السابقين والحاليين، بالإضافة لـ11 أميرا من العائلة الحاكمة.

لكن ليس ما يدور فى السعودية فقط، يقتصر على عملية ملاحقة قضايا الفساد، والتى يراها البعض أنها تأتى فى إطار "الحراك السياسى"، بما يمكن من تصعيد "ولى العهد" ونقل سلس للسلطة من جيل أبناء مؤسس الدولة السعودية " الثالثة" الملك عبدالعزيز آل سعود، إلى جيل الأحفاد للملك عبر الأمير محمد بن سلمان، الذى يسعى لتغيير شكل المملكة، من خلال ما يطلق عليه التأسيس "الرابع" للمملكة.

خاصة أن التحركات التى يقوم بها محمد بن سلمان، بدعم من والده خادم الحرمين، لا تقتصر فقط على الجوانب السياسية والاقتصادية، الرؤية المستقبلية التى يتبناها الأمير الشاب "استراتيجية 2030"، والتى كان أبرزها مشروع "نيوم"، والذى أعلن عنه ولى العهد قبل أيام، وهو يسعى لعملية تحديث ترفيهى وخدمى جديد عبر الاستثمارات فى شمال شرق المملكة، بالتواصل مع مصر والأردن من خلال خليج العقبة.

لكن لا تقتصر الجوانب والتحركات فى السعودية على الجوانب الاقتصادية والسياسية فقط، بل تمتد أيضا لثورة تغيير ثقافية واجتماعية، تتمثل فى عملية تحجيم دور المؤسسات الدينية والأفكار المتشددة فى المملكة، وهو أمر حظى بإشادة من خصوم السعودية قبل أصدقائها، لدرجة أن جريدة "الأخبار" اللبنانية الموالية لحزب الله، وصفت فى عددها 28 سبتمبر الماضى، ما جرى فى المملكة بأنه "ربيع" بن سلمان، وذلك عندما تناولت التغييرات والقرارات الثقافية وتحركات بن سلمان عقب القرار التاريخى بمنح المرأة حق قيادة السيارات، وهو المنع الذى وقف وراءه لعشرات السنين، الموقف المتشدد فى المؤسسة الدينية السعودية، وكان إعطاء المرأة هذا الحق المسلوب، بمثابة تحطيم "تبوهات"، ظلت تثير المواقف المضادة والمنتقدة للمملكة.

ومن هنا يمكن النظر للتغييرات فى السعودية، بأنها نقطة حاسمة فى تاريخ السعودية، ليس على الجانب السياسى فقط بل الثقافى والاجتماعى أيضا.. ويمكن اعتبارها جسر عبور إلى "سعودية جديدة" بنسختها الرابعة، ربما يحدث تغييرا نوعيا فى المملكة، وتضعها فى مسار آخر مختلف عن الفكرة التقليدية التى عاشها الشعب السعودى، فى عدم تمكنهم فى الحصول على الخدمات الترفيهية فى بلدهم واضطراهم للحصول عليها فى الخارج، سواء فى مصر ولبنان ودبى أو عواصم أوروبية، بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار، كما أشارت إليها وسائل إعلام سعودية.

ولذلك كانت القرارات الملكية الخاصة بالسماح للعائلات السعوديين "نساء ورجالا" بحضور المباريات الرياضية وتجهيز عدة ملاعب لاستقبالهم، يضاف إلى ذلك الإعلان عن إنشاء عدة مدن ترفيهية، والتوسع فى تقديم الخدمات الترفيهية بالإعلان عن إنشاء مدن ترفيهية أبرزها أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية نوعية فى المملكة جنوب الرياض، وصفتها وكالة الأنباء السعودية، بأنها "تعدّ الأولى من نوعها فى العالم بمساحة تبلغ 334 كيلومترا مربعا"، بالإضافة للعمل على تنظيم حفلات موسيقية وغنائية وافتتاح دور عرض سينمائية، غابت عن السعودية، وهو ما يعد تطورا، يعمل على إلحاق السعودية بالثورة الثقافية، التى تراجعت عنها السعودية، خاصة بعد واقعة اقتحام الحرم المكى على يد متطرفين من الطائفة الإسماعيلية "حادثة جهيمان العتيبى" فى نوفمبر 1979، والتى أدت لانغلاق المملكة عقبها، ما أدى لزيادة نفوذ المؤسسات الدينية وعلى رأسها "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"، والتى بدأت بالفعل السلطات السعودية فى اتخاذ قرارات، تسعى للحد من نفوذها، وسحب منها حق القبض على المواطنين فى الشوارع، وهو ما تزامن أيضا مع الحد مع نفوذ بعض الشيوخ المتطرفين.

ومن هنا لا يمكن النظر للتغييرات فى السعودية على المسارين الاقتصادى والسياسى فقط، بل لابد من رؤية الصورة بشكل أشمل، من خلال الثورة الثقافية والاجتماعية التى تحدث فى المملكة، والتى يمكن النظر إليها بأنها قد تحدث تغييرا نوعيا فى المنطقة العربية والإسلامية، وذلك للمكانة الروحية التى تتمتع بها المملكة، كرمز ومرجعية مكانية وتاريخية للمسلمين، وهو ما يضع التغييرات فى السعودية كمصدر اهتمام، يترقبه وينتظره العالم بأثره.