رحاب عبدالله تكتب: أقيلوا وزير الآثار

مقالات الرأي

الدكتور خالد العنانى
الدكتور خالد العنانى


■ اختفاء 600 مليون جنيه قيمة القرض الإسبانى لتطوير أهرامات الجيزة والبر الغربى 

■ تسلم 68 مليون جنيه منحة لترميم المتحف الرومانى رغم إغلاقه

■ الوزارة حصلت على 200 مليون جنيه لترميم قصر إسماعيل المفتش الآيل للسقوط

أثار الدكتور خالد عنانى، وزير الآثار، حالة من الجدل بعد تصريحه بأن حال الآثار لا يسر أحداً بسبب عدم وجود موارد بالوزارة التى تقترض 81 مليون جنيه شهرياً لدفع رواتب موظفيها، إذ إن ميزانيتها لا تتجاوز 23 مليون جنيه، فيما كشف تقرير النيابة الإدارية عن العام المالى 2016- 2017 ليعلن أن الوزارة تتصدر قائمة الوزارات الأكثر فساداً، حيث بلغ عدد القضايا التى تم التحقيق فيها 1840 قضية.

أراد الوزير أن يبعد الأنظار عن وزارته التى يجب أن تكون مؤسسة غنية، ومصدراً للدخل وليس بلاعة لأموال الدولة والمنح الأجنبية، كما تجاهل كشف الأسباب الحقيقية لإفلاس الوزارة وإلا أدان نفسه، لأن المؤسسة التى يترأسها أكثر الوزارات التى تشهد قضايا إهدار مال عام، منها قضية 30 مليون يورو قرضاً إسبانياً الذى تم توقيعه نهاية عام 2010 لتطوير منطقة آثار البر الغربى بالأقصر ومنطقة آثار أهرامات الجيزة، حيث اختفى القرض ولا أحد يعرف عنه شيئاً.

الدكتور محمد عبد المقصود، رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق، قال إن القرض الإسبانى كان مخصصاً لتمويل مشروعات إضاءة آثار الأقصر وأهرامات الجيزة، لكنه كان من أشد الرافضين لهذا القرض لعدة أسباب أهمها عدم دراسة الأمر من الناحية العلمية، حيث اكتشفت الوزارة فيما بعد أن تكييف المقابر الفرعونية وتزويدها بإضاءة حديثة سيضر بحالتها، ولذا لم توافق إحدى اللجان بالوزارة على المشروع، ما أهدر جزءاً غير قليل كان يمكن خصمها من القرض حتى لا تتحمل الدولة أعباء فوائده.

ووصف عبد المقصود القرض الإسبانى بالكارثة المؤجلة التى ستتحملها الأجيال القادمة، مشيراً إلى أن أجهزة الإضاءة التى سيتم تركيبها ذات تقنية عالية جداً غير متوافرة فى مصر وبالتالى على المدى البعيد، ستضطر الوزارة إلى اللجوء لإسبانيا للصيانة وشراء قطع الغيار وبأى سعر، كما أن المشروع المرتبط بالقرض تسبب فى هدم مشروع الصوت والضوء الذى أنفقت عليه الحكومة مبالغ طائلة لاستبداله بالتقنية والأجهزة الإسبانية.

وفى واقعة مشابهة حصلت الوزارة عام 2014 على منحة بـ500 ألف يورو لتطوير منطقة آثار دهشور وسقارة، ووفقاً لتصريح وهيبة صالح، مسئول آثار دهشور وقتئذ، فإنها لم تر مليماً واحداً من هذه المنحة مؤكدة أن آثار دهشور لم تستفد منها على الإطلاق.

الدكتور محمد إبراهيم، وزير الآثار الأسبق، نفى علمه بأى شىء يخص القرض الإسبانى وقال لـ«الفجر» إنه فيما يخص منحة دهشور، فالوزارة حصلت عليها بالفعل لصالح ترميمات بمنطقة سقارة ودهشور، ثم فوجئ أنه تم صرف 250 ألف يورو منها على إجراء دراسات وأبحاث، فأوقف صرف أى مبلغ آخر منها قبل وجود شىء ملموس على أرض الواقع.

وفيما يخص المنح التى تحصل عليها الوزارة، تم الإعلان فى عهد الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار الأسبق، عن تسلم الوزارة ما قيمته 10 ملايين جنيه من إيطاليا إعادة ترميم وتطوير المتحف الرومانى بالإسكندرية، وضم أرض المحافظة إليه بعد اغلاقه منذ 12 عاماً، الغريب أن الوزارة حصلت خلال هذه الفترة على منح أخرى لصالح نفس المشروع حيث سبق وصرح الدكتور محمد إبراهيم، وزير الآثار السابق، فى نهاية عام 2013 أن الوزارة حصلت على 6 ملايين دولار و2 مليون يورو، من إيطاليا لترميم المتحف الرومانى عن طريق برنامج مبادلة الديون، وأنها وقعت فى إبريل من نفس العام اتفاقية بدء المشروع وحصلت على الموافقات اللازمة وكان من المفترض التنفيذ الفعلى له فى يناير 2014، ما يعنى أن الوزارة حصلت على 68 مليون جنيه للبدء فى ترميم المتحف الذى لا يزال مغلقاً، دون الكشف عن مصير كل هذه الملايين.

أما مشروع المتحف الكبير، فلم يتم الانتهاء منه رغم حصول الوزارة على منح ومخصصات مالية ضخمة تكفى لإنشاء 10 متاحف، حيث حصلت «الفجر» على مستندات بمصروفات المتحف منذ عام 1996، عندما كان المجلس الأعلى للآثار تابع لوزارة الثقافة، وفى مايو 1999 صدر تصور مبدئى لميزانية اللجنة الاستشارية الهندسية المشرفة على المشروع بـ650 ألف دولار و379 ألف جنيه عبارة عن قيمة رواتب المهندسين العاملين والمؤقتين والسكرتارية وجوائز المسابقة الدولية التى بلغت وحدها 500 ألف دولار وحصلت لجنة التحكيم على 150 الف دولار فضلاً على 50 ألف جنيه قيمة دراسات للمشروع و250 ألف جنيه عقد سنوى مع مكتب استشارى للتنظيم والإدارة ونثريات بـ50 ألف جنيه.

وبناء على طلب من الجهاز المركزى للمحاسبات، بفحص رواتب ومكافآت المستشارين القضائيين فوق سن الستينن وما تقاضوه خلال الفترة من 2011 إلى 2012 بالمشروع تبين حصولهم على مليون و199 ألف جنيه، كما حصل فاروق عبدالسلام، مدير مكتب فاروق حسنى، وزير الثقافة الأسبق، على 228 ألف جنيه خلال 5 سنوات، قيمة حوافز وجهد ومكافآت من المتحف الكبير.

وضمن مستندات فساد المتحف الكبير، مطالبة بـ2 مليون دولار لإعداد دراسات جدوى للمشروع وهو بحسب الأثريين رقم مبالغ فيه، وفى 18 نوفمبر 1997 صدر خطاب بتخصيص 3.4 مليون جنيه لتجهيز مقر المشروع من أثاث ووسائل نقل.

وفى عام 2012 قدم مركز دعم المتاحف الأمريكى، دعماً للمشروع، قدره 50 مليون جنيه، إلا أن الدكتور محمد مصطفى، المشرف على المشروع آنذاك، أرسل مذكرة إلى الدكتور محمد إبراهيم، وزير الآثار الأسبق، تفيد بعدم تسلم أى مبالغ تخص المركز الأمريكى، ولا يوجد فى كشوف الحساب الخاصة بقطاع التمويل بالمتحف أى معلومات عنها.

مصدر بالوزارة قال إن الحكومة أهدرت أكثر من75 مليون جنيه من المال العام على مشروع المتحف، حيث اشترت الوزارة فى يونيو 2009، جهاز «أشعة سينية» من شركة أوربت، يستخدم فى عرض القطع الأثرية، بـ7 ملايين جنيه، لكنه يحتاج لغرفة تحكم بمواصفات فنية معينة، حتى لا يضر بالعاملين، إلا أن الشركة الموردة رفضت تركيبه، لأن حوائط المتحف غير مناسبة وتتسبب فى تسرب الإشعاعات.

كما تم إهدار نحو 9 ملايين جنيه، بسبب حدوث عطل فى جهاز «الميكروسكوب الماسح الإلكترونى»، المسئول عن تحليل عينات القطع الأثرية، لمعالجتها بطريقة فنية ومعرفة نوعها، نتيجة إرسال إدارة المتحف غير متخصصين للحصول على دورات تدريبية على استخدام الجهاز، ما تسبب فى تعطله، كما طلبت الشركة الموردة لجهاز «الميكروسكوب النافذ»، المستخدم فى تحليل عينات الآثار، والبالغ قيمته 13 مليون جنيه، فى سبتمبر 2009، إنشاء معمل خاص لتشغيله، إلا أن الوزارة تجاهلت الطلب، فأرسلت الشركة فى يونيو2011، خطاباً تخلى فيه مسئوليتها عن أى أضرار قد تحدث للعاملين.

هناك مشروعات ترميم وهمية أنفقت عليها الوزارة ملايين الجنيهات لتنتهى بتدمير الأثر أو فساده، منها مشروع ترميم هرم سقارة عام 2007، والذى أهدرت فيه الوزارة 40 مليون جنيه، حيث تم تكليف شركة الشوربجى بترميم الهرم وخصصت 15 ألف جنيه لإزالة التراب من المتر الواحد، فدمجت الشركة خلال الترميم مصطبتين من الهرم فى واحدة ليصبح عدد مصاطب الهرم 5 بدلاً من 6.

وفى قطاع الآثار الإسلامية رصدت «الفجر» الملايين المهدرة مثل مشروع ترميم منزل عبدالواحد الفاسى، حيث تم إهدار 23 مليون جنيه، من 33 مليون جنيه حصلت عليها شركة المقاولات المسئولة عن المشروع، لأن التكلفة الفعلية وفقاً للجنة وزارية قامت بالتقييم لا تتجاوز 10 ملايين جنيه، خصوصاً أن مياه الصرف الصحى أغرقت مداخل المنزل.

وفى عام 2015 افتتح وزير الآثار السابق الدكتور ممدوح الدماطى، مشروع تطوير حوض مسجد السلطان قايتباى، بتكلفة 200 ألف يورو منحة من الاتحاد الأوروبى، وخلال الافتتاح عرضت شاشات الوزارة صوراً للمشروع قبل وبعد الافتتاح، حيث تبين أن التطوير كان مجرد إزالة تلال القمامة التى كانت موجودة داخل المكان، ومسح الأحجار بفرشاة حسب بيان للوزارة وقتئذ.

الأثرى سامح الزهار، بقطاع الآثار الإسلامية قال لـ«الفجر» إن 90% من مشروعات ترميم الآثار الإسلامية غير سليمة وتتضمن إهداراً للمال العام وأموال المنح والقروض والدليل قصر إسماعيل باشا المفتش بوسط القاهرة، والذى تم ترميمه بـ200 مليون جنيه منذ نحو 10 سنوات رغم أن سقفه آيل للسقوط وتنتشر الشقوق فى جدرانه، كما أنفقت الوزارة 50 مليوناً على ترميم جامع الظاهر بيبرس وتوقف المشروع دون مبرر واضح منذ عام 2009، حيث أصبح المبنى ضحية المياه الجوفية.

وأشار الزهار إلى مسجد الجامع العباسى بالإسماعيلية، الذى جمع الأهالى مليون جنيه لإصلاحه فرممته الوزارة بالمبلغ وبأعلى مستوى، ما يعنى أن هناك مبالغة فى إنفاق عشرات الملايين على الآثار.