د. رشا سمير تكتب: الضمائر المضروبة!

مقالات الرأي



كانت للصين ومن بعدها تايوان الفضل الأكبر على محدودى الدخل من البشرية، فهما أكثر دولتين نجحتا فى تقليد الماركات العالمية.. فأوجدت للسوق الواحدة ألف سوق وجعلت من الماركات الباهظة الثمن مكانا على الأرصفة فى العتبة!..

ثم تفوقتا الصين وتايوان علينا فى كل شىء، حتى وصل بهما الأمر إلى صناعة فوانيس رمضان وهدايا خان الخليلي..حتى أن الزوجة التى أصبحت تشتكى من زوجها قررت أن تمنحه لقب (الزوج التايوانى)!.

ولأننا شعب تُثير غيرته وعزيمته نجاح الآخرين!.. فقد قررنا أن نحذو حذو تايوان والصين..وإذا لم ننجح فى إنتاج العطور ولا حتى الأقلام والأساتيك والسبح..فقد أصبحنا أصحاب السبق الأول فى إنتاج الضمائر التايواني!.. كيف؟.. حدث ولا حرج..

أدهشنى خبر فى الجريدة يقول إن هناك حملة شرسة من الدولة ضد الماكياج المضروب الذى يُباع على الأرصفة ويسبب السرطان.. الحقيقة جُملة أضحكتنى بقدر ما أبكتني.

الدولة التى لم تتوقف عند الدجاج النافق ولا اللحوم المنتهية الصلاحية ولا البسكويت الذى تسبب فى تسمم الآلاف من طُلاب المدارس ولا الفاكهة المرشوشة بالمبيدات الحشرية ولا حتى مياه النيل التى يُلقى فيها الحيوانات النافقة فتتلوث..هذه الدولة ضميرها (اللى مش تايوانى) استيقظ عند أدوات الماكياج.. فالماكياج يسبب السرطان، والحكومة تتوعد! (وماله، ماهو إن الله جميل يُحب الجمال برضك!).

وماذا عن ميزانية وزارة الصحة التى يُصرف ما يقرب من 85% منها على أمراض الكٌلى والكبد الوبائى والسرطان التى تتسبب فيهم الأطعمة فى مصر..فمن لحمة الحمير إلى الكاتشاب المُنتهى الصلاحية إلى اللحوم المُصنعة من الجلد والأحشاء والدجاج الفاسد..

كل هذه القائمة والشعب صامد..يأكل فى صمت..ويمرض فى صمت ويموت فى صمت!.

يخرج المسئولون علينا بتصريحات عنترية من نوعية: «ماهى الناس بتسترخص-ماحدش ياكل فى حتة مش مضمونة-ماحدش يشترى ماكياج مش ماركة».. وكأن المسئولين يعيشون فى اللالا لاند..أو كأنهم يأتون لزيارتنا من كوكب المريخ ثم يعودون إليه فى آخر النهار..

نعم، المواطنون يبحثون عن الأرخص، وهل نلومهم؟! فى ظل غلاء كل شىء وفى ظل ارتفاع جنونى للأسعار وعدم وجود أى رقابة على هذا الارتفاع..

الحقيقة أن مصر أصبحت مثل الدائرة أو الحلقة المفرغة، كل مواطن يضع يده فى جيب من يقف بجانبه..الكل يبحث عن السبوبة بغض النظر لو كان النتيجة النهائية هى انهيار دولة الأخلاق والقيم وغياب الضمائر..

فمن يستورد اللحوم المنتهية الصلاحية لا يفكر فى تبعيات المرض، ومن يُسهل له دخولها دون فحص صحى لا يهمه سوى عمولته، ومن يفحص صلاحيتها ويُجيزها لا يفكر فى لحظة أنها ربما تدخل جوف أحد أقاربه أو أبنائه دون قصد..إنها السبوبة يا سادة، وما أدراكم ما السبوبة!.

المأساة الأكبر هى تبعات المرض، أى دخول المستشفيات للعلاج.. المنظومة التى عجز أمامها السحرة والمشعوذون..فمن يدخل مريضا إلى أى مستشفى عام أو خاص اليوم يخرج على عُمر مكرم مباشرة وقد انتهت متاعبه للأبد.

نعم غابت الضمائر ولكن..أين الدولة؟ أين الحكومة؟ وأين الرقابة..أكم من مطاعم ومحال تُغلق بسبب ضبط أغذية فاسدة أو غير مُطابقة للمواصفات وبعد أسابيع يدفع أصحابها الأموال من باب تسوية الأوضاع أو الرشوة، وكلاهما واحد فالمٌسمى فى الحقيقة لا قيمة له، ومن ثم يعود المطعم أو السوبر ماركت إلى مزاولة النشاط من جديد (وكأنك يابو زيد ما غزيت)!.

لماذا لا تتم محاكمة كل من تسول له نفسه الإضرار بصحة الشعب، لماذا لا تُشرع القوانين بسجنه بالمؤبد إذا ضبط تورطه.. لماذا نتخاذل أمام تطبيق القانون؟.

الرقابة على الأسعار واجبة، وفرض تسعيرة جبرية على الأسواق يجب أن تكون الشغل الشاغل للدولة فى ظل الارتفاع غير المٌبرر للأسعار كل يوم..لقد أصبح سخرية التجار من القانون إلى حد جعل كل من ينصب عليك وتقرر أن تشتكيه..يصرخ فى وجهك متهكما: اشتكينى لجهاز حماية المستهلك!.. إذن فهم لا يبالون..ولا يخافون..ولا يتوقعون الردع..

قديما كنا نقول: سيب كل واحد لضميره!..واليوم لو اتبعنا تلك المقولة لبات الشعب كله فى مستشفى الحُميات..

أما بالنسبة للماكياج المضروب فبلاش منه بقى..ممكن نحط بداله كاتشاب بس على الله نلاقى إزازتين مش مُنتهيين الصلاحية!.