د. رشا سمير تكتب: حكايات خاصة جدًا "الحب.. الجنس.. الجريمة فى حياة المدمنين"

مقالات الرأي




رحلة ضياع البشر تبدأ بسقطة، بوهم، بهفوة، وتنتهى بوصمة عار، بطريق مسدود، بأمل مفقود.

حين ينساق البشر وراء الوهم يسقطون فى براثن الخطيئة، وحين يبحث الشباب عن هويتهم المفقودة ولا يجدونها يرتدون كل الوجوه الزائفة للحُرية، وحين يفقد أصحاب العقول مبادئهم تصدأ كل القيم ولا يبقى على الساحة سوى الردىء منها.

تلك هى الحكاية بكل بساطة، الحكاية التى تتكرر كل يوم وبنفس التفاصيل، فقط تتغير ملامح الأبطال والأماكن، وتظل نفس الأسئلة الحائرة والتنهدات الغائرة هى التعليق الوحيد على وضع مذرٍ.

إنه وحش الإدمان، الداء الذى لم يصف له الأطباء دواء، ولم يسقط فى براثنه سوى الضعفاء.

لقد أصبح الإدمان مؤخرا هو آفة العصر، وتحول فى مصر إلى وحش كاسر يلتقط بين براثنه الشباب ويفترسهم دون رحمة، ويودى بالمجتمع المصرى والبيوت المصرية إلى هوة سحيقة.

فى الأونة الأخيرة وبعدما أصبح كل شىء مباحاً، لم يعد هناك حدود للممنوع أو للمسموح، فقد زادت بشكل غير عادى معدلات الإدمان وأصبحت السيجارة هى الطريق إلى الكأس، والكأس هى بداية الطريق إلى السرنجة والبقية تأتى.

الشباب البائس الذى أصبح يُلقى بنفسه فى عرض البحر باحثا عن المأوى فى حضن هجرة غير شرعية، تحول على الصعيد الآخر من التعاطى إلى التجارة، باحثا عن الخلاص، باحثا عن هوية، وباحثا عن مخدر يأخذه من فشله وهمومه وإحباطاته المتكررة إلى دنيا المسكنات والترامادول!

1- أرقام وإحصائيات

بحسب آخر أرقام تداولتها وزارة التضامن الاجتماعى فى مصر، وبحسب إحصائيات مراكز الإدمان العالمية، حصلت مصر كالعادة على نصيب الأسد من الأرقام!

تقول الإحصائيات إن 10% من المصريين يتعاطون المخدرات، وهو رقم ضعف المعدل العالمى، وكشف تقرير رسمى مصرى عن انخفاض سن بدء تعاطى المخدرات بين الشباب المدمن فى مصر، ليبدأ من عمر 11 عاماً، وهى كارثة حقيقية، فيما يبدأ المدخن رحلته مع السيجارة منذ عامه التاسع!

وعن أسباب اللجوء إلى المخدرات، فإن 30,6% من المتعاطين يعتقدون أنها تساعدهم فى زيادة القدرة البدنية والعمل لفترات أطول، فيما يعتقد 36,6% أنها تؤدى إلى نسيان الهموم، طبقا للتقارير، ويرى 34,8% أنها تساعدهم على التغلب على حالات الاكتئاب، بينما يرى 36,4% أن المخدرات تؤدى إلى «خفة الظل»، ويعتقد 7.29% أنها تساعدهم على الجرأة، ويرى 26,2% من المدمنين أن تناول المخدرات هو أحد أسباب الإبداع فى العمل.

(فى بيتنا مدمنة) كارثة أخرى تعانيها ملايين الأسر المصرية، إذ أعلنت وزيرة التضامن، أن نسبة إدمان الفتيات وصلت إلى 27 فى المئة من متعاطِى المخدرات، الذين بلغت نسبتهم عشرة فى المئة من عدد السكان، أى تقريباً تسعة ملايين مدمن، منهم نحو ثلاثة ملايين امرأة وفتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و60 سنة، تلك هى الإحصائيات التى ترويها الأرقام، لكن ماذا عن الحكايا الإنسانية؟!

2- من شابه أباه

(من يقترب من محمد يراه شابا وسيما، متفاخرا بنفسه، حتى وإن كان قصيرا ممتلئ الجسم إلى حد ما، إلى أنه مازال يرى نفسه شابا يحتاج إلى بعض المجهود ليصبح معبود الفتيات! ولم لا؟ وهو يمتلك المال ليصنع تلك الصورة المثالية، فقد نشأ محمد بين أب وأم وأخت وحيدة، عائلة مثالية أو تبدو كذلك!

فى باطن الأمر، الأب رجل أعمال كل ما يسعى إليه هو المال، الشىء الآخر الوحيد الذى استطاع أن يسرقه من شهوته للمال هو شهوته للنساء، فزوجته سيدة فى منتصف العُمر، مُحجبة، لطيفة ولكنها لا تمتلك الجمال الصارخ الذى يجذب زوجها إلى كل النساء الآخريات، تعود الأب أن يتاجر فى كل شىء يصل إلى يديه، فمن تجارة السيارات إلى العقارات وحتى الأخلاق والنساء، كله مُباح.

نشأ محمد وأبوه هو مثله الأعلى، فالولد الذى يرى أباه يمتلك من الوسامة أقلها ومن الثقافة أدناها قد أصبح مليونيرا، ولأن من شابه أباه فما ظلم، فقد قرر محمد أن يكون رجل أعمال مثل أبيه، هكذا استيقظت الأسرة فى أحد الأيام على طرق عنيف على الباب، ومجموعة من رجال البوليس يضربون الباب بأرجلهم ومعهم إذن من النيابة بالقبض على الابن.

ووسط ذهول الأب وانهيار الأم ودموع الأخت، يُلقى رجال البوليس بالتهمة لتنفجر فى وجه الأسرة، ابنهم تاجر مخدرات، عامان وهو يعمل بتجارة نوع جديد من المخدرات يرسله إليه التجار الكبار من الخارج فى طرود على شكل كتب وملابس، عامان والأسرة فى غفلة، لم يلحظ الأب ولم تقلق الأم ولم تبح الأخت، انهار الابن وصرخ فى وجه أبيه وأمه يتهمهما بنسيانه، ويتهمهما بالأنانية والغيبوبة الفكرية، قال لهما بكل قسوة إنه يكرههما، ويكره إهمالهما له ويلوم انشغالهما بمشاكلهما التافهة عن هفواته وعن جموحه وعن مشاكله وحتى عن مطامعه التى أودت به إلى هذا الطريق المظلم.. صرخ فيهما محتدما وهو يسمع صوت القاضى يجلجل بالحُكم قائلا: مؤبد!).

3- الآنسة والسياسى

(كانت نُهى طالبة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مجتهدة وجميلة، تنتقل مثل الفراشة بخفة ورشاقة بين الزهرة والأخرى لتنتهل العلم وتنتهل رحيق الحياة.

كانت النجمة بين كل أصدقائها، بل كانت حلم كل زملائها الشبان فى الجامعة والنادى، لكنها لم تكن تحلم بأى منهم، فهى تراهم صغارا لا يفقهون فى الحُب شيئاً، فقد كانت تبحث عن فارس أحلام حقيقى، حصانه ليس من ورق وسيفه ليس مصنوعا من الخشب!

وأخيرا ظهر الفارس الذى تمنته، التقته فى إحدى الندوات بالجامعة، عضو فى أحد الأحزاب السياسية الشهيرة ويكبرها بعشرة أعوام، جاء ليلقى ندوة عن الوضع السياسى بعد الثورة.

سألته سؤالا، نظر إليها، ارتبكت، ابتسم لها، فسقطت فى شباكه، وهكذا أحبته وأصبحت ظله فى كل مكان، مقتنعة بآرائه ومؤيدة لوجهات نظره، صرح لها بحبه فتزوجته.

لم يكن من الصعب بعد شهور قليلة من العشرة تحت سقف واحد أن تعرف الحقيقة الصادمة، زوجها مُدمن، يتعاطى هيروين مثلما يتنفس بشكل عادى، وكأنه جزء من حياته، صارحته بالحقيقة فلم ينكر، بل دعاها لتشاركه متعة الانتقال من العالم المرتبك الظالم إلى سماء الإدمان الرحبة التى تأخذه إلى دنيا أكثر هدوءا.

وتنزلق نُهى إلى نفس الهاوية بدافع الحُب.. ودافع النظرة العظيمة التى كانت تنظرها لحبيبها، وفى إحدى الجرعات، ينتقل الزوج إلى جوار ربه، وتنهار حياة نُهى بعد فقدانها الزوج والقدوة، فتُقلع عن كل شىء، السهر والحياة المُترفة والموسيقى، ماعدا الشىء الوحيد الذى لم تستطع أن تُقلع عنه حتى اليوم، عشق زوجها والهيروين!).

4- فى مدرسة الحياة

كتب هانى يقول: رحلتى مع الإدمان بدأت منذ كنت طالبا فى المدرسة، كنت أسكن فى المعادى وهى منطقة قطنها الأجانب وتتوافر فيها المخدرات دون رقيب، بدأت رحلتى بجلسة مع أصدقاء الثانوى وذهابى إلى الديسكو والخمر، بدأت بسيجارة لكن ذلك لم يكن كافياً، فاتجهت إلى الحشيش، ومع دخولى إحدى الجامعات الخاصة وجدت الحياة أكثر سهولة، زملاء لى أكثر نشاطا دلونى على الترامادول.

بعدها جربت كل أنواع المخدرات، الطريق الواحد دفعنى إلى المزيد من الطُرق، ثم تزوجت بناء عن طلب أمى وخدعت زوجتى ولم أعترف لها بإدمانى، وكان من الطبيعى أن ينتهى زواجى بعد فترة قصرة بالطلاق، زادت مشاكلى الاجتماعة خاصة بعد فشل زواجى وحمل طليقتى، اتجهت للتعاطى أكثر، فقدت معظم وزنى، مظهرى أصبح أقرب للمتشرد، بعت اللاب توب والمحمول وكل ما أمتلك.

ومع إصرار أهلى ذهبت إلى المصحة للعلاج، المأساة الأكبر أن التعاطى داخل المصحة أسهل بكثير من التعاطى فى الخارج، فالعاملون بالداخل يقومون بدور الديلر على أكمل وجه، أكتب إليكم قصتى ولا أمل لى فى الفرار من قبضة المخدرات، فبعد أن فقدت نفسى وبيتى وأولادى.. أكتب إليكم وكلى أمل فى أن تكون رسالتى ناقوساً، حتى لا ينزلق آخرون إلى نفس الطريق.

تلك هى بعض اللقطات الحقيقية لشباب سقطوا فى قبضة الوهم، شباب اندفعوا إلى طريق قاسٍ دون إرادة، فالأسباب كثيرة والنتيجة واحدة.

لقد أصبحت المخدرات فى مصر اليوم هى الشرك الأعظم لشبابنا وبناتنا، وحش سكن بيوتاً كثيرة فى غياب الأهل وصمت المجتمع وتخلى الدولة عن دورها، إنها حلقة مفرغة تدفع الشباب من التخلى عن المبدأ وحتى التخلى عن الحياة، إنهم يبيعون أشياءهم ومبادئهم وحتى أجسادهم من أجل الجُرعة!

كيف استفحلت تجارة المخدرات إلى تلك الدرجة، وكيف دخلت المخدرات إلى المدارس والجامعات بتلك الكثافة؟ آن الأوان للأجهزة الأمنية أن تُحارب الإدمان بنفس درجة مكافحة الإرهاب، آن الأوان للآباء والأمهات أن يتعاملوا مع أى تغيير فى سلوك الأبناء بحذر أكبر، آن الأوان للأدباء وُصناع الدراما أن يصبحوا صوت المجتمع للتغلب على تلك الكارثة.

الحرب على الإدمان من أهم المعارك التى تواجه مصر اليوم من أجل البقاء، الرهان على البشر من خلال التعليم والتثقيف والارتقاء هو المعول الحقيقى للبناء.