منال لاشين تكتب: داعش في الحكومة

مقالات الرأي



وزير الثقافة يرفض عرضًا من عائلة إحسان عبدالقدوس بإهداء 45 ألف نسخة من رواياته

النمنم طلب تشكيل لجنة لتقييم أعمال الأديب الكبير ومدى صلاحيتها للعرض فى المكتبات العامة


لم يكن الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس مجرد نصير المرأه أو أديب العشق بالنسبة لى، فى مراهقتى وشبابى.. وحتى الآن أنظر إلى إحسان عبدالقدوس أو بالأحرى أدبه بوصفه نصير الحياة، فى أدبه انطلاقة ومغامرة وأبواب غير مغلقة، أبوابه مشرقة على الحياة والشمس وحرارة العلاقات. أدبه انتصار للحياة ومقاوم للتشدد.


وحتى الآن حين أعيد قراءة أحد رويات إحسان أشعر بثمة حقنة شباب تسرى فى إحساسى وعقلى معا. وحين أصبت بالاكتئاب قررت إعادة قراءة قصصه ورواياته لأساعد نفسى على الاشتباك مرة أخرى مع الحياة واستمد من مغامراته عشقا جديدا للحياة.

وبعيدا عن مرضى الاكتئاب فأنا أؤمن بأن أدب إحسان دواء وعلاج للكثير من أمراض العقد والتشدد وكره الحياة الذى غزا الكثير من أنباء مصر. مرة بزعم الاحتشام ومرة أخرى بزعم الدين. فى مراهقتى وشبابى كنت معجبة ببطلات رواياته، ليس لأنهن متحررات كما يتصور البعض، ولكن لأنهن يعشقن الحياة، الآن أقابل شبابا ومراهقين وأشعر أنهم فى الثمانين من عمرهم يتعاملون مع الحياة بكآبة ويأس وخوف يصل للرعب من التجربه. أتحسر على هذه الطاقات التى تغرق فى بحر من فتاوى السلفيين المتشددين، ومشكلات الحياة اليومية.. الكفر بالحب لدى الشباب جريمة ارتكبها الكبار فى حقهم، ومرض يحتاج إلى أدب إحسان وغيره من الأدباء.ولذلك كنت أتصور أن تسعى وزارة الثقافة لتوزيع وتوفير روايات إحسان فى مكتبات الوزارة سواء المكتبات العامة أو مكتبات قصور الثقافة.وأن تحاول وزارة الثقافة أن تعقد اتفاقا مع شقيقتها وزارة التعليم لتوفير بعض أعمال الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس فى مكتبات المدارس والجامعات. خاصة أن كل المسئولين الكبير والصغير يتحدثون ويكررون ليل نهار قصة دور الثقافة والفكر فى مواجهة موجة التشدد العاتية التى تعانى منها مصر، والتى تسلم كل يوم شبابا جددا تحت العشرين لفكر التطرف وجماعات المتطرفين، ليكون بعض هؤلاء الشباب قنابل موقوتة فى شكل إرهابيين يفجرون الكنائس والجوامع والكمائن، ويفجرون أنفسهم فوق البيعة عربونا للآخرة، بعد أن فقدوا الرغبة فى الدنيا. فمن يكره الحياة يسعى إلى القتل.. قتل نفسه فى صورة انتحار أو قتل الأبرياء فى صورة إرهاب تحت مزاعم وعباءة جماعات الإسلام السياسى.

ومنذ أسابيع سمعت قصة أو بالأحرى جريمة ثقافية وفكرية. فكرت كثيرا غير مصدقة، صحيح مصر بلد العجائب، وحكومتنا تتوقع منها أى شىء وكل شىء. ولكن القصة حدثت فى مساحة تخص الصديق المثقف وزير الثقافة حلمى النمنم.

القصة تعود لأسرة إحسان عبدالقدوس أو ورثته أبناء أحمد ومحمد. فقد كان هناك تعاقد بين الأسرة وأحد دور النشر التى تتولى نشر روايات الأستاذ إحسان. ومع انتهاء فترة التعاقد أصبح للأسرة عدد من النسخ من الروايات وذلك طبعا للتعاقد بينهم وبين دار النشر. وسلمت دار النشر للأسرة (45) ألف نسخه من أعمال إحسان عبدالقدوس.وفكرت الأسرة فى تقديم هذه الأعمال مجانا وأكرر مجانا لأحد الجهات كى تصل الكتب إلى المكتبات. وكان من الطبيعى أن تختار الأسرة وزارة الثفاقة كى تمنحها هذه الهدية المجانية. حتى الآن نحن أمام الجزء الجميل فى القصة، أسرة أديب كبير لا تسعى للربح، وكل ما تهتم به هو استمرار نشر تراث الأب والأديب الكبير إحسان عبدالقدوس. وكان رد وزارة الثقافة صدمة بكل المقاييس وفضيحة بكل الأبعاد. فقد ردت الوزارة أو الوزير بأن هناك قواعد لاستلام الكتب والتبرع بها، وأنه يجب أن تشكل الوزارة لجنة لتقييم الأعمال المهداة.. صرخت وأنا أسمع القصة. وقلت لجنة لتقييم أعمال إحسان عبدالقدوس. ومن الذى سيقيم أعمال إحسان، وهل لو تبرع أبناء يوسف إدريس بكتب وروايات والدهم لتتم إحالتها للجنة التقييم، أو فكرت بنت نجيب محفوظ بالتبرع بنسخ من روايات أديب نوبل فمن يقدر على تقييم أعماله؟ هذه ليست أسئلة تبحث عن إجابة ولكنها علامات استنكار ورفض لما حدث من وزارة الثقافة ووزيرها المثقف حلمى النمنم.فلو كانت القوانين أو اللوائح تنص على وجود مثل هذا الهراء فيجب تغيير هذه اللوائح فورا. واستثناء أعمال الكبار والعظماء من لجان التقييم.فمن حق وزارة الثقافة أن تقوم بتقييم الأعمال المهداة لها، ولو التقييم يتعلق بأعمال الشباب أو الكتاب غير المشهورين أو من أجيال حديثة. أما أن تجرؤ الوزارة أو بالأحرى تتجرأ على كبار الكتاب والمبدعين فهو أمر مرفوض، ولا يسىءإلى أعمال الكبار بل يسىء إلى وزارة الثقافة. وبعيدا عن حكاية لجان التقييم، فإن ثمة أمر مريب. وهو عدم اهتمام الوزارة بالعرض. فمن الممكن أن يتم استثناء أعمال إحسان من لجان التقييم، ولكن المريب أن الوزارة لم تقدر الهدية التى كادت تكون بين أيديها، وفوق رفوف مكتباتها. لم تتحمس للعرض المجانى وهى الوزارة التى تعانى من الفقر وتشكو من ضيق اليد. لم تهرول للحصول على 45 ألف نسخه من أدب العظيم إحسان عبدالقدوس. وكأنها تخشى شيئا ما، أو كأنها لا تريد أن تدخل عش الدبابير السلفية التى تعشش فى كل زاوية فى مصر، وربما ربما إذ ربما فى دبايير سلفية فى وزارة الثقافة، الله أعلم.. وفى انتظار ليس رد من الصديق حلمى النمنم، ولكن أنا فى انتظار فعل من وزير الثقافة وأن يتم اتخاذ الإجراءات على وجه السرعة للحصول على الهدية المجانية، وتوفير أدب إحسان للشباب فى مكتبات وزارة الثفاقة.