منال لاشين تكتب: ماذا لو عاد عبدالناصر؟

مقالات الرأي



توزيع الأراضى ومواد البناء على الشباب والطبقة المتوسطة وطرد السفير الأمريكى ومقاطعة

إعادة التسعيرة الجبرية وتشكيل مجموعة اقتصادية جديدة


ماذا لو عاش عبدالناصر؟ هو اسم الفيلم التسجيلى للفنان أحمد فؤاد درويش، والذى يعرض فى دار الأوبرا يوم 15 يناير القادم بمناسبة الاحتفالات المئوية للزعيم جمال عبد الناصر، وعندما قرأت اسم الفيلم قفز فى عقلى سؤال آخر: ماذا لو عاد جمال عبد الناصر فجأة فى هذه اللحظات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ماذا لو أمسك الزعيم بزمام الأمور مرة أخرى، كيف يتصرف فى أعاصير السياسة وكوارث الاقتصاد، بعد أكثر من أربعين عاما على رحيله المفاجئ الحزين الدرامى المحاط بالشكوك والشجون؟، لو عاد عبد الناصر للمشهد العصيب والمرتبك والعنيف لأجرى تعديلات واتخذ قرارات وحارب مرة أخرى الفساد ونهب مصر بالقانون، ولرفع راية العصيان ضد الظلم الذى يتعرض له العرب وفلسطين والقدس ولأدخل الفئران السياسية إلى جحورها، هذا سيناريو مستحيل لعودة عبد الناصر لمصر فى 2018، وفى عيد ميلاده المائة.


المشهد الأول.. ليل داخلي منزل الزعيم الإصلاح العقارى

المكان منزل عبد الناصر بالمنشية.. الزعيم فى مكتبه يدرس ويبحث عن حل شامل لمواجهة الرأسمالية الطفيلية التى توحشت بنهب أراضى الدولة، والمتاجرة فى الأراضى وبيعها للمصريين بمليارات الجنيهات، يراجع عبد الناصر الدراسات عن الخلل الرهيب فى أسعار الأراضى وعجز القطاعين الخاص والعام عن توفير شقق للمصريين وانهماك الجميع فى المنافسة على بناء القصور والفيللات، يتابع الزعيم القراءة.. أكثر من 10 ملايين شقة مغلقة والمصريون يعيشون فى القبور، يربط عبد الناصر المحور الاقتصادى بالمحور الاجتماعى، أزمة كل شاب وكل أسرة الحصول على شقة حتى الحب صار غريبا فى مصر، لم يعد الزواج من الحبيب ممكنا فى ظل أزمة ارتفاع أسعار الشقق، وارتفاع سن الزواج والعنوسة إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، يفكر عبد الناصر فى ضربه قوية وحل شامل، حل يماثل ضربة الإصلاح الزراعى التى قام بها عبد الناصر بعد نحو شهرين من ثوره 23 يوليو، فى الإصلاح الزراعى وجه عبد الناصر ضربة للرأسمالية القديمة التى قامت على نهب الأراضى الزراعية، وقام عبد الناصر فى عام 52 بتوزيع الأراضى على الفلاحين، فأصلح ميزان العدل، فى عام 2018 يخطط عبد الناصر لإعادة الحقوق لأصحابها، عبد الناصر يصدر قرارا جمهوريا رقم «1» لعام 2018، القرار الجمهورى بتوزيع أراضى البناء ملك الدولة على الشباب وأبناء الطبقة المتوسطة، يتضمن القرار الجمهورى مادة أخرى بمنح الشباب مواد البناء بأسعار رمزية، يفكر عبد الناصر راضيا عن القرار «سيجد كل شاب من الآن حقه فى العيش بكرامة فى شقة» ويضيف عبد الناصر فى مفكرته وأوراقه «هذا القانون سيؤدى إلى ضرب احتكارات الأراضى والمتاجرين بها، وستنخفض أسعار الشقق والأراضى المبالغ فيها، يعيد عبد الناصر قراءة المادة الثالثة للقانون، تخصص نصف العاصمة الإدارية للمساكن الشعبية بإيجار رمزى للفقراء ومحدودى الدخل.

أما المادة الرابعة فتستعرضها الكاميرا، تخضع الشقق والاماكن المغلقة لضريبة خمسة أمثال الضريبة العقارية على الشقق والاماكن المأهولة، ويكمل الزعيم يحال القانون إلى مجلس الوزراء ثم مجلس النواب تمهيدا لإقراره.


المشهد الثانى.. نهار داخلي مواجهة الجشع

المكان قصر القبة عبد الناصر يترأس اجتماع مجلس الوزراء، جمال غاضبا من ارتفاع الأسعار، ووزير التموين يتحدث عن قرار وضع الأسعار علي السلع والخدمات، عبد الناصر يرد ساخرا دا مش حل أنا عامل حل جذرى لارتفاع الأسعار، يمد يديه للوزير بملفات، وهو يقول: دى دراسة بمتوسطات أسعار إنتاج السلع.. ادرسها عشان نطبق التسعيرة الجبرية من جديد، ولا نظلم التاجر أو الصانع ولا نترك حد يمص دم المصريين، الوزير: بس يا افندم التجار هيخفوا البضائع، وهتحصل مشكلة، الكاميرا تقترب من وجه الزعيم وهو يلتفت لوزير الداخلية وعلى وجهه إمارات الحسم قائلا: عايزين الداخلية تضع خطة لمنع تهريب أو تخزين السلع، ويضيف جمال: أنا عارف أن الشرطة مشغولة بمواجهة الإرهاب، لكن لازم نخلص الموضوع دا، ما أقدرش أسيب المصريين تحت رحمة التجار.

الكاميرا تنتقل لوزير المالية الذى يعرض تقريرا عن ارتفاع المحصل من الضرائب، ولكن عبد الناصر يقاطعه بسؤال: فين دراسة تطبيق ضريبة الثروة فى مصر وفى قرار إعادة الضريبة على الأرباح الرأسمالية «البورصة».. الوزير: احنا استطلعنا رأى رجال الأعمال وهم رافضين ضريبة الثروة وبنجرى حوار مجتمعى معهم، عبد الناصر يرد: طبعا هيرفضوا امال كنت فاكر هيقوللك تعالى خذ فلوسنا.. اعمل دراسة مقارنة عن ضريبة الثروة فى دول العالم وقدمها لى.. فى دول بتفرض ضريبة 50% و60% ويحمدوا ربنا أن احنا لم نلجأ للتأميم واللى يهرب إحنا نعرف نجيبه كويس، ويكمل عبد الناصر: احنا لازم ننهى عصر النص فى المائة.. مش معقول خمسة أو خمسمائة واحد «يكلوا» خير البلد.

الكاميرا الآن تدور فى القاعة وتستعرض الوزراء وترصد ملامح القلق على وجوههم، وتتوقف عند الزعيم وهو يخاطب وزير قطاع الأعمال: فين دراسة تطوير شركات قطاع الأعمال وخاصة قطاع التجزئة وشركات المقاولات المصرية العامة، ويضيف عبد الناصر: وسيبك من شركة المقاولين العرب أنا عارف انها شغالة.. إيه الموقف بالنسبة للشركات التانية، أنا عايز القطاع العام يرجع يأخد مكانه ويقدم خدمات للمصريين، الوزير: الخطة محتاجة تمويل كبير يا فندم.. يرد جمال مسرعا: التمويل مش مشكلة أعمل مذكرة بالمبلغ ووزير المالية هيدبره، الأولوية الآن لعودة القطاع العام، أنا مش هأكرر كل دقيقة إنى مش هنسيب ولادنا وأهلنا لجشع التجار وألاعيب الاحتكار.

الرئيس عبد الناصر يتلفت لرئيس الوزراء قائلا: نحضر لاجتماع الأسبوع القادم للمجموعة الاقتصادية عشان نخلص موضوع تطوير القطاع العام، واجتماع آخر لتطوير ماسبيرو تليفزيون الدولة لازم يرجع لعزه وأيامه ومحدش يقول لى فى الاجتماع القادم نفصل موظفين ولا نطلعهم معاش مبكر، احنا مش هنسمح لتشريد أى مصرى، المفروض نشتغل عشان المصريين تبقى حياتهم أحسن مش نخرب بيوتهم.

عبد الناصر يقف إيذانا بانتهاء الاجتماع، والكاميرا تتابع خطواته، وفجأة يقف مع وزير الزراعة ويقول له: مشروع المليون فدان هنعمل له اجتماع خاص، وتيجى الاجتماع بدراسة لتخصيص 75% من أراضى المشروع للشباب العاطل وبأجر رمزى.. الشباب معذور هيدفع منين مائة ألف جنيه، كفاية إنه هايسيب أهله وناسه ويبدأ فى الصحراء، الوزير يرد تمام يا فندم.. عبد الناصر يخرج بصحبة رئيس الحكومة وعلى باب القاعة يقول الزعيم: الأداء مش كويس.. احنا بنحارب الزمن، وأهلنا أولادنا تعبانين عايزين نشتغل أكثر من كدة عشرة مرات.


المشهد الثالث.. نهار خارجي القدس لنا

عبد الناصر يلقى خطابه فى ميدان المنشية بالإسكندرية وسط ترقب آلاف المواطنين.

جمال يقول: ناس كثير استغربت انى اخترت الإسكندرية عشان الخطاب واحنا فى عز الشتا.. بس أنا شايف نفس الميدان يوم ما اتحدينا أمريكا والعالم وخدنا قرار تأميم قناة السويس ولم ولن نرضى بالإهانة أو الاستعلاء من قوى لا تعرف أن الزمن تغير «تصفيق حاد».

عبد الناصر يكمل: إخوانى.. أنا طول عمرى بأقول نهاية أمريكا سودة واهو ترامب نهاية أمريكا.. السمسار المخرف أعلن عن نقل سفارة بلاده من تل أبيب للقدس.. وأنا بأقوله انقل واشنطن للقدس أسهل من نقل سفارتكم «تصفيق حاد» والآلاف تهتف ناصر يا حرية، تعود الكاميرا لعبد الناصر مطالبا بالهدوء لاستكمال خطابه: إخوانى أنا بأعلن لكم وللعالم كله ردنا على تخاريف ترامب.. أولا تجميد العلاقات مع الولايات المتحدة ثانيا طرد السفير الأمريكى واعتباره شخصا غير مرغوب فيه.

ثالثا: القرار اللى انتظرته طويلا قطع العلاقات مع الكيان الصهيونى على جميع الأصعدة والمستويات. رابعا: دعوة الجامعة العربية وأعضائها للقيام بإجراءات مثيلة لتوحيد الموقف العربى.

خامسا: نتوجه بالشكر لكل الدول الصديقة التى رفضت القرار ورفضت الهمجية الأمريكية، «التصفيق يرتفع والكاميرا تنتقل ما بين الجماهير وأعلام مصر».

عبد الناصر يكمل بعد لحظة صمت: وأنا أحذر أى دولة عربية من شق الصف العربى.. سمعت أن فى دولة عدد سكانها أقل من عدد سكان شبرا بتهدد مصر والسعودية ودول الخليج العربى بفلوسها.. وممكن التليفزيون يخلى الفأر فى حجم الأسد، بس دى فى التليفزيون والميديا فقط، لكن فى الواقع الفأر هيفضل فأر.. والأسد مش بيشغل نفسه بالفأر.. يبعت له قطة تجيب أجله، الكاميرا تنتقل من وجه عبد الناصر الباسم على وجوه الحاضرين وترصد ضحكاتهم وأيديهم المشغولة بالتصفيق.

عبد الناصر ينتقل لنقطة أخرى: إخوانى بأقول للأخوة فى السودان مصر لم ولن تتخلى عن حلايب وشلاتين وأنا هاجتمع مع الأخ البشير فى القاهرة خلال هذا الأسبوع وهيصدر بيان ووجهت وزير الخارجية وفريق من المخابرات لعقد لقاءات مع الأخوة فى السودان لإنهاء المشكلة، وأنا عارف أن البشير سامعنى والرسالة وصلت.


مشهد النهاية.. الخروج من الحلم

فجأة يحدث عطل فى الكاميرا، وخلال لحظات تنتقل الكاميرا لجنازة الزعيم جمال عبد الناصر أكبر جنازة فى التاريخ.. بكاء وصراخ وعويل وجسده الطاهر ملفوف بعلم مصر، وأدرك أن عبد الناصر مات، الميت لا يعود.. ولكن سياساته تبقى دوما لمن يريد أن يتعلم منها الكثير والكثير، رحم الله الزعيم.