حلفاء السلطة والثروة لا يقاتلون بشرف ويواجهون ما ينشر عن فسادهم بتلفيق القضايا القذرة للصحفيين.. مذكرات عادل حمودة (2)

العدد الأسبوعي

عادل حمودة مع عمر
عادل حمودة مع عمر سليمان


أسامة الباز: مبارك سيرفع ضدك قضية بتهمة إهانة الملك فهد

عمر سليمان بعد أن فقد قوة مناصبه: لقد ظلمت كثير

جمعية صهيونية اتهمتنى بمعاداة السامية بسبب مقال فى الأهرام وطالبت بمحاكمتى فى باريس مثل جارودى والدكتور على الغتيت ينجح فى إنقاذى منها


نصف الصحافة بأنها مهنة البحث عن المتاعب ونفخر بتكرار هذه الجملة بمناسبة أو بدون مناسبة دون أن ندرك أن المتاعب التى تسببها لنا لا نستطيع وقت الجد احتمالها.

إن متاعب الصحافة تأخذ شكل أسماك القرش المفترسة عندما تواجه الكبار الذين يملكون الثروة والسلطة فلا أحد منهم يقاتل غالبا بشرف.

بل يستخدمون أساليب قذرة لنسف وتدمير من يكشف فسادهم.. لا يغريك أناقتهم.. وأسلوبهم الناعم.. وطهر كلامهم.. فتحت الجلد ثعابين وشياطين لا يقدر عليها فى كثير من الأحيان إلا الله وحده سبحانه وتعالى وتحتاج مواجهتهم إلى صبر أيوب وقوة داوود وحكمة سليمان وعُمر نوح.

فى يوم الخميس 16 مايو 2003 أدعى محامٍ لم أعرفه ولم أسمع عنه ولم ألتق به حتى اليوم أنه جاء إلى مكتبى ليلا بعد الساعة الثانية والنصف صباحا فى صحيفة صوت الأمة وكنت رئيسا لتحريرها لعرض مشكلة تخص والدته فى معهد القلب وأننى لم أتردد فى التحرش به وجرح نفسه وادعى أننى ضربته بالموبايل وسارع بتحرير محضر فى شرطة العجوزة.

إلى هذا الحد وصلت الحرب القذرة ضدنا.. وصلت إلى أبعد مما يصل إليه خيال مريض فى التآمر وتشويه الشخصية التى يئسوا فى إسكاتها والنيل منها.

فى تلك الليلة خرجت من مكتبى فى الساعة التاسعة والنصف بشهادة موظف الأمن فى الصحيفة والتابع لشركة كير سيرفيس مجدى طلعت عبد الجواد بعد أن تركت مجموعة الديسك التى تمارس عملها عادة حتى وقت متأخر ومنهم المحرران أحمد كمال زكى ومحمد العسيرى.

ومررت على البيت لآخذ زوجتى لتناول العشاء.. وعدنا قبل منتصف الليل بشهادة حراسة وزارة الداخلية التى كانت مكلفة بحمايتى من تهديدات بالقتل كشفت عنها أحراز قضايا إرهابية متعددة وكانوا الرقيب أحمد فؤاد عوض الشرقاوى والعريف محمد السعيد والرقيب إيهاب الفار وأكدوا وجودهم فى ورديتى الليل والصباح الرائد سعيد محمود العمرى من شرطة الحراسات الخاصة.

تولى التحقيق فى القضية المستشار هشام الدرندلى رئيس نيابة استئناف القاهرة فى وجود المحامى العام المستشار جميل العيسوى وحضر التحقيقات يحيى قلاش مندوبا عن نقابة الصحفيين وسمع بنفسه تهاوى الاتهام بشهادة كل شهود النفى بلا استثناء وعدم وجود شاهد إثبات واحد.

وفى 17 سبتمبر من العام حفظ التحقيق فى مذكرة موقعة من الدرندلى والعيسوى استبعدا فيها الجريمة (المختلقة) من الأوراق وأمرا بشطب رقم الجنحة من دفتر الشكاوى وحفظها إداريا وإبلاغى بالقرار بصفتى مدعيا بالحق المدنى للتصرف.

كان الهدف قتلى معنويا وكسر قلمى فعليا وانحناء رقبتى واقعيا.. لكن.. ذلك لم يحدث.. فلم يصدق أحد التهمة.. وحسب ما سمعت من أحد رجال الرئيس مبارك: إنه عندما عرف أن وراء المؤامرة قيادة حزبية مؤثرة انزعج قائلا: إلى هذا الحد وصلت الأمور؟.. نعم يا سيادة الرئيس إلى هذا الحد وأبعد وصلت الأمور فى البلد الذى تحكمه.

وفيما بعد دفع المسئول الحزبى الذى حرض على الجريمة الثمن بإقالته من منصبه المميز فى الحزب الحاكم وهو منصب جعله من أقوى مراكز القوى فى النظام وفيما بعد أيضا أصيب بالسرطان وسافر شهورا للعلاج فى الخارج لكن الأطباء هناك نصحوه بالعودة إلى مصر ليقضى أيامه الأخيرة فيها بعد أن تحول جسده العملاق إلى كومة من الجلد على عظم وانحشر صوته الجهورى وصعب عليه إخراجه من الحنجرة.

كنت قد اتهمته بأخذ عطايا من أمين وحدة صغيرة فى الحزب قبض عليه متلبسا بالاتجار فى الآثار بعد أن هرب قطعا كبيرة منها إلى سويسرا نجحت الجهات المختصة فى إعادتها.

أما الذين قاموا بالتمويل فكان رجل أعمال نشرت مستندات تزوير فى شركاته وفيما بعد صفى استثماراته فى مصر بجانب زوجة أمير عربى كانت لا تدفع ثمن مشترواتها واشتبه أنها ماتت مسمومة بعد أن خانت زوجها.

لقد لقى كل الذين شاركوا فى الجريمة مصيرا غير متوقع.. السجن.. الهروب.. الموت بالسم أو بالسرطان.. إن الله يتجلى للمظلوم عندما يشهده بعينه ما ينال الظالم فى الدنيا قبل عقاب الآخرة.

ولا ينفى ذلك ما سمعت من عمر سليمان فى آخر حوار جرى بينى وبينه قبيل رحيله عن الدنيا فى 19 يوليو 2012.

قال أمام شاهد يمت إليه بصلة مصاهرة: لقد ظلمت كثيرا!

لكنى لم أشأ أن أساله: ولم لم ترفع الظلم عنى وكنت بحكم منصبك مديرا للمخابرات العامة قادرا على ذلك بسهولة فالوقت قد فات والرجل كان يعانى من متاعب صحية ضاعف من تأثيرها ما تعرض إليه من متاعب نفسية وسياسية بعد أن بدا واضحا أن الإخوان فى طريقهم إلى حكم مصر.

وفى سنة حكم الإخوان قدمت ضدى بلاغات بمعدل بلاغ كل أسبوع بعد صدور كل عدد من الفجر.. لكن.. ما توقفت عنده فى سجلى القضائى كان تهديداً من مبارك برفع قضية ضدى.

كنت قد فجرت القضية التى اشتهرت بفضيحة على النيل.. القضية التى نالت من ممدوح الليثى.. وجرت معها عبد العزيز الإبراهيمى صهر الملك فهد الذى جند من يطاردنى قضائيا بعشرات الدعاوى بجانب إهانات ليلية لعائلتى تليفونيا وتهديدات لها بماء النار وهى قصة سأكشف تفاصيلها فيما بعد.

وأمام كل ما تعرضت إليه نشرت كتاباً يحمل العنوان نفسه «فضيحة على النيل» تعرضت فيه للملك فهد شخصيا حتى أجبر الكبار على التدخل لحمايتى وحماية عائلتى بعد أن فشلت فى إقناعهم بذلك.

وكما توقعت اتصل بى الدكتور أسامة الباز فى اليوم التالى لنشر الكتاب وطلب حضورى إلى مكتبه فى الرئاسة وهناك قال لى: إن الرئيس مبارك سيرفع ضدك قضية بتهمة إهانة رئيس دولة صديقة هو الملك فهد وبدأت المفاوضات بينى وبين المستشار السياسى للرئيس: حماية عائلتى مقابل سحب الكتاب فقد كان هذا هو الهدف من نشره حسب التفاصيل التى سأنشرها فى الوقت المناسب.

أما أطول قضية استمرت فى المحاكم فكانت دعوى رفعها الدكتور مصطفى أبوزيد فهمى (أول مدع عام اشتراكى عينه السادات) بعد أن تناولت وقائع فساد شقيق زوجته يوسف عبد الرحمن فى وزارة الزراعة (زمن الدكتور يوسف والى) واتهم فيها باستيراد مبيدات وصفت بأنها مسرطنة هو وشريكته راندا الشامى وانتهت محاكمتهما بهروبهما إلى الخارج بعد الحكم بإدانتهما.

رفعت القضية فى محكمة جنح الإسكندرية فسخرها أبوزيد لكنه استأنف الحكم دون أن ينجح فى تغييره فلجأ إلى محكمة التعويضات المدنية بدرجاتها المتصاعدة دون أن يحصل على شىء فاتجه إلى محكمة النقض طالبا بإعادة القضايا للتداول ومن جديد سجل رقما قياسيا فى التقاضى يزيد على 15 سنة.

وأغرب ما حدث أن أبو زيد أدخلا محامى (المستشار فتحى رجب وزوجته علية عبد العزيز) فى القضايا وتحولا إلى متهمين مثلى.

وفى مرحلة من مراحل القضايا أفصحت السياسة عن نفسها فما أن شهد سامى شرف (الوزير برئاسة عبد الناصر وكاتم أسراره) معى حتى وجدنا أنفسنا نفتح ملفات 15 مايو 1971.. اليوم الذى أطاح فيه السادات برجال سلفه الذين أسماهم مراكز القوى بعد اتهامهم بالتآمر عليه.. لكن النيابة العامة برأتهم مما نسب إليهم.. إلا أن المدعى الاشتراكى مصطفى أبوزيد أدانهم وأدخلهم السجن.

ولم يتوقف مسلسل قضايا أبوزيد بعد وفاته فقد واصلت السيدة زوجته المشوار.

وفى بعض البلاغات التى قدمت ضدى لم يكن محقق النيابة يكتفى بحفظ الشكوى وإنما كان يطالب بالتحقيق مع الشاكى حتى لو كان وزيرا.

لقد قدم إبراهيم سليمان بلاغا يتهمنى فيه بالسب والقذف والتشهير به ونشر ما يطعن فى ذمته المالية.. ولكن.. بعد تحقيقات استمرت 16 ساعة تولاها المستشار حامد راشد قدمت فيها مستندات تثبت صحة ما كتبت لم يجد المحقق مبررا لتحريك الدعوى الجنائية ضدى وإنما قرر تحريكها ضد الوزير كما طلبت.. لكن النائب العام وقتها المستشار ماهر عبد الواحد وضع الملف فى درج مكتبه.. وما أن خرج سليمان من الوزارة حتى حفظ البلاغ الذى تقدم به ضدى وإن لم يحقق معه فيما نسبت إليه.

وفيما بعد أدين سليمان فى أكثر من قضية فساد تصالح فى واحدة منها مقابل 450 مليون جنيه دفعتها للإفراج عنه زوجته الدكتورة منى المنيرى التى صرحت علنا بأن ثروة زوجها لا تزيد على مليار جنيه وكان الرقم فى حد ذاته صادما أن يمتلكه وزير ينتمى إلى جذور عائلية غير ثرية فى باب الشعرية.

لو كان نظام مبارك صدق ما ننشره عن فساد رجاله لما جرى له ولهم بعد ثورة يناير 2011.. إن المشكلة المزمنة أن النظام السياسى فى مصر يرى فى الصحافة صداعا لابد منه.. ولا يرى فيها كشافات تنير له الطريق للحقيقة.. يرى فى الصحافة ثرثرة فارغة يمارسها مجانين شهرة.. ولا يرى فيها صديقا متواضعا يساعده بالتفكير فى حل المشاكل المتراكمة التى يعانى منها ويعجز عن التصدى لها فى كثير من الأحيان.

ولم تتوقف القضايا التى رفعت ضدى عند حدود القضاء المصرى وإنما امتدت إلى الخارج لتصل إلى منصات القضاء الفرنسى.

فى منتصف فبراير عام 2002 كتبت فى الأهرام مقالاً بعنوان فطيرة من دم العرب.. استندت فيه إلى كتاب فرنسى قديم نشره المستشرق الفرنسى شارل لوران بعنوان فى حادث الأب توما وخادمه إبراهيم عمارة.. وترجمه إلى اللغة العربية عام 1898 الدكتور يوسف نصر الله.. ويروى قصة شكوى تقدم بها القنصل الفرنسى فى دمشق إلى ديوان الوالى (عام 1840) عن اختفاء الأب توما المسيحى عقب دخوله حارة اليهود وثبت من التحقيقات وشهادة الشهود أن حاخام اليهود قتلوا الأب توما وصفوا دمه وعجنوه بدقيق صنعوا منه فطيرة عيد الفصح.. وتساءلت عن تصفية دماء الفلسطينيين التى تسفك الآن ولو لم تستخدم فى صنع فطائر مقدسة.

وفوجئت بقضية رفعتها منظمة يهودية فى باريس تتهمنى بمعاداة السامية وتطالب بأن ألقى نفس مصير المفكر الفرنسى روجيه جارودى الذى أشهر إسلامه فى 2 يوليو 1982 وسمى نفسه رجا جارودى بعد أن نشر كتابه وعود الإسلام.

وفى عام 1989 أدانته محكمة فرنسية بتهمة التشكيك فى محرقة اليهود (هولوكوست) بعد نشر كتابه الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل.. حيث شكك فى الأرقام الشائعة حول إبادة اليهود فى غرف الغاز النازية.. وصدر حكم ضده بالسجن لمدة عام مع إيقاف التنفيذ.. وقد التقيته فى القاهرة بدعوة من إبراهيم المعلم (دار الشروق) احتفالا بترجمة الكتاب.. كما أجريت حواراً مع زوجته نشرته فى «روز اليوسف».

كان المطلوب أن ألقى نفس مصيره وأجد نفسى محكوما علىّ بالسجن فى فرنسا ولكن ربما مع التنفيذ فلست فى شهرة جارودى.

تولى القضية نيابة عنى وعن إبراهيم نافع (بصفته رئيس تحرير الأهرام) الدكتور على الغتيت وهو محام دولى مشهود بكفاءته وكان واحدا من هيئة الدفاع عن جارودى والتقينا أول مرة فى كافتيريا الأهرم وتناولنا الغداء معا وقدمت إليه ما تحت يدى من مستندات.

طالب الدكتور على الغتيت باستخدام اتفاقية التعاون القضائى بين مصر وفرنسا ليكون التحقيق معى فى القاهرة وليس فى باريس.

وخلال خمس جلسات استمرت شهرا أثبت الدكتور على الغتيت أمام المحكمة الفرنسية التى تنظر الدعوى أن موضوع مقالى متداول فى الفلكلور اليهودى وأنه لو كان المقال يمس الديانة اليهودية فإنه لا يقترب من السامية.

وكان بين حضور جلسات المحاكمة القاضى لوفور الذى نظر قضية جارودى الذى زود دفاعنا بصورة من الحكم الذى أصدره.

وحسب ما سمعت من الدكتور على الغتيت فإن مهمته الصعبة كانت إنعاش ضمير المحكمة لتقبل بنقد الأديان وهو نقد غير مجرم فى الغرب.

لكن.. أغرب ما حدث.. أن إبراهيم نافع استغل القضية لتحقيق شهرة لم يصل إليها من قبل فى كتاباته بسبب جنوحه الدائم نحو النظام مبررا تصرفاته.. بل.. أكثر من ذلك منعنى دون مبرر من نشر ما كتبت عن القضية.

إن تلخيص معاناة مئات القضايا والبلاغات أمر مستحيل فى سطور قليلة لكن التعرض إليها يهدف إلى أن يشعر القارئ أن الوصول إليه صدقا وحقا أمر صعب جدا.. فالطريق إلى القارئ مفروش بقطع زجاج تضع الكاتب أمام خيارين: إما أن يمشى عليها أو يبتلعها.

على أن السؤال الذى أراح صدرى كان: وهل كان أمامنا طريق آخر لنمشى فيه؟

وكان السؤال الذى ضاعف من مساحة الراحة: ألم يكن الله معنا وهو القائل سبحانه وتعالى إن كلا ميسر لما خلق له؟

أما السؤال الذى وجهته إلى نفسى دون أن أحظى بإجابة شافية فكان: هل تستحق الصحافة كل هذه المعاناة؟.. إن الجسد لم يعد فيه مكان لطعنات جديدة فلم تستمر فى مهنة لا يأتى من ورائها سوى الأرق والتوتر والتشهير وربما الاغتيال المعنوى قبل التهديد بالاغتيال الجسدى؟

ولم أفكر فى إجابة إلا بعد أن أخذت منى معارك الصحافة راقات وبعد أن عشت نصف قرن من عمرى فى صراعات انتهت إلى ما يمكن وصفه بقبض الريح أو طحن الماء.. فكل تغيير طالبنا به جاء بأسوأ منه.. وكل خطوة تقدمنا بها إلى الأمام دفعتنا إلى الخلف عشر خطوات.. وكأنه كتب علينا ما كتب عن سيزيف.

حكمت الآلهة على سيزيف أن يحمل صخرة فوق ظهره ليصعد بها قمة الجبل فإذا ما وصل إلى القمة تدحرجت الصخرة إلى السفح ليعود ويحملها ويصعد من جديد قبل أن تتدحرج الصخرة مرة أخرى وهكذا تكررت المأساة.. لا استقرار فى السماء ولا بقاء على الأرض.

لذلك كان السؤال: ما جدوى ما فعلت؟

لقد تحملنا ألعاب السيرك السياسى الذى عشنا فيه منذ تفتح وعينا.. آمنا باليسار فتغلب اليمين.. صفقنا للروس فجاء الأمريكان.. حاربنا إسرائيل فأصبح لها سفارة فى القاهرة.. تحمسنا للوحدة العربية فتمزقت الدول العربية.. انحزنا إلى العلم فسيطرت الخرافة.. دعونا إلى الديمقراطية فتربعت السلطة المركزية.. دافعنا عن الوحدة الوطنية فتفجرت الطائفية.. تبنينا المواهب فتقلد الفاشلون أعلى المناصب.. روجنا للعدالة الاجتماعية فتكونت الثروات الطفيلية.. وقفنا إلى جانب كل الثورات التى قامت فلم ننجُ من أنيابها.. وأكلت هذه الثورات أبناءها دون أن تدرك أنها أكلت نفسها.

كل ما حلمنا به أصبح كابوسا.. وكل ما قاتلنا من أجله انقلب علينا.. وكل ما كدنا نموت فى سبيله لم يتحقق.. وبدأ كل نظام جديد حكمه من الصفر.. متجاهلا أخطاء من سبقوه.. فكررها بحماس.. ليثبت حقيقة مؤلمة مزمنة: إن مصر أقدم حضارة وأضعف ذاكرة.

هل كان علىّ الانسحاب مبكرا بحثا عن مهنة أخرى تشعرنى بالإنجاز المفقود؟.

هل كان علىّ الاعتزال مثل شكسبير أو الانتحار مثل هيمنجواى إذا ما شعرت بجدوى الكتابة؟.

أسئلة حائرة.. تهاجمنى على عتبة الغروب.. لم أجد مفرا للإجابة عنها إلا بالعودة إلى ما كان وسرد ما عشت.. ربما أعفى نفسى من اللوم.. ربما يستفيد غيرى مما رصدت.. ربما استريح مما شقيت.

أو ربما تجد فيما تقرأ قصة مسلية تستمتع بها أو ربما كانت قصة مملة تقضى عليها بمشاهدة فيلم أبيض وأسود.. لكنها فى النهاية قصة إنسانية.. واقعية.. بلا رتوش غالبا.. كتبت كل كلمة فيها بحبر الدم على صفحات القلب تحت سيطرة الضمير.