د. رشا سمير تكتب: على ما يجيبوا مدرس فرنساوي!

مقالات الرأي



استوقفنى بشدة تصريح كوميدى لمرشح الوقت البدل الضائع موسى مصطفى موسى يقول فيه:

«لو مالناش نصيب هنكون متضامنين مع الرئيس السيسى أول ما يكسب، أنا رئيس منافس، ومتضامن مع الرئيس السيسى حالة خسارتى! مش داخل أطبل ومعى برنامج لم يملكه المنسحبون!».

إننا ولأول مرة فى تاريخ العالم القديم والحديث أمام مرشح يضع صورة منافسُه على بروفايله الخاص!..

إذن فالرجل لا يجلس فى مقعد المُعارضة، ولا يجلس على منصة المنافسة ولا حتى يجلس على دكة الاحتياطى (بالعربى كده، الراجل مش عارف هو قاعد فين؟!).

إننا أمام نموذج ساخر وصارخ للأستاذ زكريا الدرديرى!.

هذه المهزلة الانتخابية لم تكشف فقط ضعف الأحزاب السياسية ولا عن عدم وجود بديل منافس، ولا حتى كما قيل هى صورة مؤسفة تكشف عن عجز وخوف الكثيرين من المنافسة، ولكنها كشفت عن مأساة حقيقية فى الدولة كلها.. وهى مأساة البديل..

البديل، الكفاءة، الكوادر، المسئولون.. هذه ليست مجرد مصطلحات بل هى أماكن تسعى الدولة إلى توظيف أشخاص مناسبين فيها ولا تجدهم، ربما لأن التجريف الإنسانى هو مسئولية الحُكام على مر التاريخ، أو ربما لأن المحترمين لم يعد لهم مكان فى زمان أصبح النجاح فيه من نصيب الأقزام والمتملقين!.

بنظرة متفحصة إلى أغلب من يجلسون فى مواقع القيادة، سنجد أنهم إما من أهل الثقة أو ممن يمتلكون العلاقات العامة التى منحتهم واسطة الجلوس فى مقعد السائق..

هذا هو ما أشار إليه الرئيس السيسى فى افتتاح حقل ظُهر، الإنجاز الحقيقى المُشرف لبشر يمتلكون الإرادة والسواعد والكفاءة الحقيقية والولاء التام لوطن أرادوا النهوض به فى ظل قيادة حكيمة وواعية.. أشار الرئيس إلى أن العمل السياسى يحتاج إلى كوادر حقيقية وهو ما ستسعى الدولة إلى خلقه من خلال مؤسسة سوف يتم إنشاؤها لتنمية الكوادر السياسية.. أوافقك الرأى يا سيادة الرئيس وأذكرك أيضا بالكوادر الإنسانية.

فى كل مؤسسة أو وزارة هناك تعمد لطمس ملامح الجيل الثانى.. فكل من يجلس على الكرسى يتصور أنه سيُخلد فوقه، ولا يفكر مُطلقا فى صناعة جيل ثانيا وثالث يقف خلفه قادر على استكمال الحُلم.. فيبدأ القادم من حيث انتهى الراحل.. وهذا ما يحدث فى كل الدول المتقدمة فيما عدا مصر.. التى يتم فيها محاربة الناجحين بدلا من تنمية قدراتهم على مزيد من النجاح.. إذن هى نظرية الجندى الواحد فى معركة لا يمكن الفوز فيها للمُنفردين!.

أين الحرف اليدوية فى مصر، مثل صناعة الزجاج والنقش على النحاس والسجاد اليدوى والحفر على الخشب؟!.. إنها صناعات سوف تندثر تماما مع الوقت لأنها ببساطة لم يعد يتسلمها جيل جديد من القديم!.

هل يمكننا عقد مقارنة مُنصفة لوزراء الحكومات السابقة بوزراء حكومة سعد زغلول؟ بالطبع لا.. فالكفاءة التى كانت معيار الاختيار لم تعد هى المقياس الحقيقى لأجيال مضت..

لابد أن يكون هناك إعداد كوادر جديدة فى كل مؤسسة أو وزارة بمصر، يكون المعيار الوحيد فيها هو الكفاءة والأخلاق.

انهيار التعليم ليس إلا انعكاسا لفقر حقيقى فى إعداد كوادر جديدة محترمة من المُعلمين.. حتى مجلس النواب وصورته المهزوزة للأسف ليست إلا نتاج اختيارات انتخابية فاشلة ممن لا يعرفون لمن لا يصلحون!.

لقد تحول حتى الأطباء إلى جزء من تلك المنظومة الفاشلة.. فالأطباء الأكفاء لا يتحملون قضية خلق جيل ثانى ولا نقل علمهم لمن يخلفونهم كما كان الوضع يوما.. والنتيجة أطباء بلا أخلاق يفشون أسرار مرضاهم ويتاجرون بأرواح الغلابة فقط لأنهم لا يعلمون أو لم يتعلمونا.. وكذلك الحال للإعلاميين والمهندسين والمحامون وباقى فئات الدولة..

قبل أن تُحاسبوا الدولة يا سادة حاسبوا أنفسكم.. فنحن المسئولون عن خلق جيل ثان وكوادر.. كلٌ منا فى مكانه.

إن العمل على خلق جيل ثان فى كل المجالات هو الحل الحقيقى للخروج من أزمة الرئيس الواحد والوزير الواحد والطبيب الواحد أو حتى الميكانيكى الواحد..

غياب المرشحين عن انتخابات الرئاسة ليست سقطة بل هى أزمة حقيقية كشفت الوجه القبيح لأنانية مطلقة خلقت فراغا مهنيا حقيقيا..

إلى أن يتم حل تلك المُعضلة، سيظل الأستاذ زكريا الدرديرى مدرس رياضيات وفرنساوى على ما يجيبوا مدرس فرنساوى!.