د. رشا سمير تكتب: ماذا قرأ المصريون فى الدورة 49؟

مقالات الرأي



الحب والدين والرعب والجنس الأكثر مبيعًا فى معرض الكتاب

إحسان عبدالقدوس يعود بقوة.. مصطفى محمود يؤكد استمراريته.. أديب نوبل اختيار الشباب


انتهت الدورة الـ49 لمعرض القاهرة للكتاب بحصيلة رسمية ثلاثة ملايين زائر، ويبقى السؤال: كم عدد الذين اشتروا كتبا؟ هل من الممكن أن نقارن القوة الشرائية هذا العام بالأعوام السابقة؟

هذه الأسئلة هى التى طرحتها على أصدقائى من الناشرين، فانهالت على الإجابات ما بين تصريحات وتلميحات وانتقادات، الأكيد أن الأسبوع الأول من المعرض شهد حالة من الزحام غير المسبوق، وكانت حركة البيع فيه قوية إلى حد كبير، ولكن تبكير عودة الطُلاب من عطلة نصف العام أسبوعا كاملا تضارب مع الأسبوع الثانى للمعرض، ما أدى إلى خلو المعرض من الزائرين وحالة من الهدوء التام فى حركة البيع والشراء.

الحقيقة أيضا أن الندوات وحفلات التوقيع بدت خالية فى أغلبها من المشاركة الإيجابية، فالشباب يتنقلون بين دور النشر والندوات لالتقاط الشخصيات العامة، ليس فقط لحصولهم على توقيعاتهم على الكُتب ولكن فى المقام الأول لالتقاط صور سيلفى معهم ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى (وجاهة ثقافية يعنى).

ظاهرة انتشار دور النشر تحتاج حقا إلى وقفة، لعلها تُصبح وقفة مع النفس أو وقفة من اتحاد الناشرين، فهناك عدد كبير من دور النشر تزاحم هذا العام لتخرج لنا نتاجا غير مفهوم من العناوين، وما زالت دور النشر المحترمة تُعد على أصابع اليد الواحدة، كيف تحصل كل تلك الدور على التصاريح وأين الرقابة على المُنتج المُقدم؟

العناوين الهزلية التى طاردت القراء أيضا هى حالة من البؤس الأدبى الذى يهاجم الثقافة، لكنها فى نظرى مجرد ظاهرة شرائية، تبدأ مع معرض الكتاب وتنتهى بعده، فتلك الدور وتلك العناوين تختفى تماما بعد المعرض وكأنها كانت مجرد فقاعة هواء، لأنه وبكل إيجابية ما زال هناك إقبال كبير على كتب جبران خليل جبران وجلال الرومى وتشارلز ديكنز وتولستوى وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ والكتب الدينية مثل كتب مصطفى محمود.

لذا يصعب علينا أن نتهم الشباب بالسطحية والانسياق وراء كتب الرعب والفانتازيا وتفسير الأحلام، لأن هناك جانبا آخر من الشباب المحترم يبحث حقا عن هويته بين صفحات الكتب، شباب له رؤية وقادر على صنع تغيير وتأثير، لكن.. ماذا عن الأكثر مبيعا هذا العام؟ هل بالضرورة أن يكون الأكثر مبيعا هو الأكبر من حيث القيمة؟ وكيف تُصدر دور النشر حكمها على الأكثر مبيعا؟

الحقيقة أن كلمة الأكثر مبيعا وعدد الطبعات لم تكن فى الماضى مصطلح له وجود، فلا إحسان عبدالقدوس ولا عباس العقاد صنفا على أنهما الأكثر مبيعا ولا أعتقد أن نجيب محفوظ كتب على رواياته عدد الطبعات، لكن اليوم ارتبط فى ذهن القراء أن الأكثر مبيعا هو الكتاب الذى يحمل قيمة كبيرة، وهو ما ليس صحيحا بنسبة مائة بالمائة، لأن معظم الكتاب الذين تربعوا على قوائم الأكثر مبيعا هم عادة ممن يمتلكون قلما وفكرا ويقدمون عملا أدبيا حقيقيا استطاع خطف القراء.

ولكن ولأن لكل قاعدة شواذ، فهناك أيضا جانب مظلم للأكثر مبيعا وهو كونه ظاهرة هزلية فى بعض الأحيان، وأن تربعه على تلك القائمة ليس إلا شطارة كاتب، لديه أصدقاء واتصالات ومتابعين على السوشيال ميديا، ما أتاح له الرواج، ولكن البقاء لا يكون فى الأدب إلا للأفضل، وهذه هى الحقيقة التى جعلت كل أدباء مصر والعالم الكبار ما زالوا على قوائم الأكثر مبيعا.

ومن بين عشرات دور النشر ومن بين مئات العناوين أصطحبكم فى جولة سريعة بين العناوين الأكثر مبيعا فى معرض كتاب القاهرة الدولى بدورته الـ49.

فى البداية ما زلت أتمنى على وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم أن تحمل الدورة المقبلة للمعرض وهى الدورة رقم خمسين بصمة مختلفة وشكلا أكثر احتراما لآدمية العارضين والزائرين معا.


1- رواية "شأيب" أحمد خالد توفيق:

أحمد خالد توفيق هو طبيب مصرى، يلقبه قراؤه برائد أدب الرعب فى مصر، هذه المرة يصطحبنا فى رحلة من نوع آخر، فى رواية يأخذنا من خلالها الكاتب إلى رحلة ممتعة مليئة بالإثارة من النرويج إلى الولايات المتحدة، مرورًا بليبيريا ومصر وأستراليا، قبل أن يستقر عند خط الاستواء.

يطرح العديد من الأفكار الجريئة ليظل السؤال: هل يمكن لرجل واحد أن يُصلح العالم، حتى لو كان يؤمن بأنه الشخص المناسب الذى جاء فى الزمن المناسب ليقوم بالمهمة المناسبة؟، يصف أحمد خالد توفيق اللحظة الصعبة فى حياة بطل الرواية قائلا: «بعد خروجه من السجن كانت روحه مفعمة بالجروح، إنها التجربة التى لا تصير حياتك بعدها مثلما كانت قبلها أبدا، إنها الخبرة التى لا تتمنى أبدا أن تخبرها، إنه الاغتصاب النفسى الكامل الذى يترك روحك ممزقة ملقاة جوار جدار.. إنه العجز التام والوهن، هذه ليست حربًا، لكنها تدانيها فى الخطورة والأهمية.. الهدف الاستراتيجى واضح جلى، لكنه يحتاج إلى مبرر أخلاقى وتاريخى، الوسيلة لن تكون نظيفة تمامًا لكن الغاية مبررة ومحترمة، القليل من الماكيافيلية لن يضر أحدًا».

هكذا استعان مكرم بأستاذ تاريخ هو أحمد صفوان وأستاذ أديان مقارنة وأديب، كلهم من العرب المقيمين فى الولايات المتحدة، قال لهم:
ـ أريد تاريخًا مزيفًا! 
حلم واحد كان يلاحق مكرم، الأستاذ فى جامعة هارفارد، أن يلتقى كل عرب المهجر فى موضع واحد. كان يحلم بدولة واحدة يجتمع فيها العرب بعدما تشتتوا فى العالم، هناك لن يضطهدهم أحد ولن يخيفهم أحد، سوف تكون دولة قوية لأنها ستمزج بين ما تعلموه فى كل الحضارات.


2- "إيزابيل" أنطونيو تابوكي:

فى رواية (إيزابيل) الصادرة عن دار الساقى للنشر، وترجمة نبيل رضا المهاينى للروائى الإيطالى أنطونيو تابوكى، تختفى إيزابيل، البطلة الحاضرة الغائبة، فى ظروف غامضة، بعدما شاركت فى حركات ثورية ضمن عملها كمناضلة ضد ديكتاتورية سالازار فى البرتغال.

يقرأ صديقها تاديوس خبر موتها فى الصحيفة، ولم يصدّق فيسافر من مكان إلى آخر، مقتفياً رموزاً وإشارات ترشده إليها فى بحثه، ملتقياً آخر الأشخاص الذين قابلتهم إيزابيل قبل اختفائها المفاجئ، وفى رحلة البحث، يدخل تاديوس متاهة «الماندالا»، متنقّلاً من دائرة إلى أخرى، فى أجواء بوليسية وروحانية، من لشبونة إلى جبال الألب السويسرية، يجد تاديوس نفسه مرةً أخرى فى ذاك القارب ذاته، تحت ضوء القمر الأحمر، حيث قال لإيزابيل ذات يوم: وداعاً

من قلب الرواية وعلى لسان أبطالها يقول الكاتب:
«بما أننى لم أرك البتة فى بيت آمارانته، وبما أنّك تدّعى أنّك عرفت إيزابيل، فهذا يعنى أنك عرفتها فى وقتٍ متأخر، أى عندما أصبحت امرأة، على رغم أنها لم تصبح امرأة قطّ بالنسبة إلى، بل بقيت طفلة، طفلتى ذاتها.. اسمى بريجيدا، بريجيدا تيسيرا، لكنّها كانت تدعونى «بى»، وبقيتُ على الدوام «بى» بالنسبة إليها، كانت دائماً مريضة فى صغرها، كانت تشكو من الربو، وكانت هذه مأساة لأن الربو ليس له علاج معروف، إنه عرَض أكثر مما هو مرض».


3- كتاب "القاهرة وما فيما" مكاوي سعيد:

آخر إصدار للحكاء والروائى مكاوى سعيد، الذى رحل عن عالمنا منذ شهور قليلة كان من نصيب الدار المصرية اللبنانية، وهو الكتاب الذى كان قد تعاقد عليه قبل وفاته وكانت تتابع إصداره ومراجعته الأستاذة نورا رشاد مدير عام النشر بالدار، وبعد وفاته كثفت الدار جهودها ليصدر الكتاب فى معرض كتاب القاهرة كما تمنى الراحل، فلاقى الكتاب رواجا كبيرا بمعرض الكتاب.

الكتاب هو (القاهرة وما فيها) وهو حكاية الأمكنة والأزمنة التى عاشها الروائى فى وسط البلد طويلا مرتحلا بين المقاهى والشوارع، حتى بات اسمه مقترنا بأماكن خاصة مثل (زهرة البستان) و(الندوة الثقافية) و(الحرية) و(على بابا) و(سوق الحميدية)، وهكذا من المنتظر أن يتحول هذا الكتاب مثل الكثير من كتبه إلى شاهد على جماد نطق بقلم الراوى العليم ليحكى الكثير.

افتتح مكاوى كتابه الأخير بالحديث عن العاصمة التى يمتد أساس مبانيها الشهيرة إلى جذور التاريخ، وعرج فى حديثه إلى مسقط رأسه ومعشوقته الأولى وسط البلد، ورغم الفخر الواضح فى حديثه عن العاصمة التى كُتب عنها آلاف الكتب والدراسات من مصريين ومستشرقين، فإنه اعترف فى مقدمته بأن الكتاب يحوى حكايات (البقعة المباركة)، كما كان يُلقب المنطقة التى طالما كان قراؤه وأصدقاؤه يقابلونه فيها للحديث معه أو للحصول على توقيعاته على الكُتب.

حكايا وروايات نالت جائزة القراء الذين تهافتوا على شراء الكتاب من المعرض باعتباره العمل الأخير للأديب الراحل، وليته كان موجودا بيننا ليشهد النجاح.. رحمه الله.


4- رواية "الطريق إلى السعادة" برتراند راسل:

إذن هى السعادة التى يبحث عنها البشر، وهكذا كان الأكثر مبيعا فى جناح دار أقلام عربية للنشر هو كتاب (الطريق إلى السعادة) للفيلسوف وعالم منطق ورياضى، المؤرخ والناقد الاجتماعى البريطانى برتراند راسل (1872-1970).

الغريب حقا أن وسط عناوين كثيرة خفيفة فى أنحاء المعرض، مازالت هناك عناوين جادة وصعبة هى الجاذب لكثير من الشباب.

يقول المؤرخ الكبير فى كتابه إن الشخص غير السعيد، كقاعدة عامة، سوف يتبنى عقيدة غير سعيدة بينما الشخص السعيد سيتبنى عقيدة سعيدة، وكل منهما يرجع سعادته أو تعاسته إلى معتقداته بينما يكون المسبب الحقيقى هو عكس ذلك، فلا غنى عن أمور معينة لسعادة معظم الناس وإن كانت أمور بسيطة، الغذاء والمأوى، الصحة، الحب، العمل الناجح واحترام الفرد لقومه.


5- كاتب "يوما أو بعض يوم" محمد سلماوي:

نالت مذكرات الكاتب محمد سلماوى رواجا كبيرا بين الأوساط السياسية والثقافية فى مصر، وصرح القائمون على العمل بدار الكرمة أن الكتاب هو الأكثر مبيعا بالمعرض هذا العام، على الرغم من وجود أعمال أخرى متميزة صادرة عن الدار.

ويكشف سلماوى من خلال علاقته بالنخبة فى مصر ومن خلال زياراته المتعددة لعدد من الدول العربية التى هى عوالم ثقافية مهمة، الكثير من الأسرار التى تعتبر هى كواليس الحياة الثقافية، مثل روايته عن أديب مصر نجيب محفوظ، وعلى الرغم من تضمّن مقالات سلماوى الأدبية فى هذا الإطار العديد من الأسرار والمفاجآت، من قبيل كشفه فى أثناء زيارته لمقر لجنة نوبل أن اسم طه حسين كان مدرجا للفوز بالجائزة فى أعقاب حرب 1948، وتم استبعاده من أجل منع الوجود العربى على الصعيد الدولى.

ونشر سلماوى تلك المذكرات مصحوبة بأكثر من 150 صورة من أرشيفه الشخصى والعائلى، وهو ما أراد به تشكيل لوحة حية لمصر من بعد الحرب العالمية الثانية حتى مقتل السادات.


6- رواية "أين المفر؟" د. خولة حمدي:

تعيد الكاتبة التونسية الشابة خولة حمدى، كتابة روايتها «أين المفر؟» الصادرة عن دار كيان، حيث صدر منها جزء مسرب من قبل، فقامت الكاتبة بتغيير كل من القصّة، القضيّة، العقدة، الإطار الزّمانى والمكانى، النّهاية، بينما احتفظت بالأشخاص فقط، وصرحت بأنه نوع من الحرب ضد التزوير.. وهو أغرب ما قام به مؤلف حتى الآن فى إعادة طبع عمل قديم، وعلى الرغم من غرابة التقنية فإن الرواية بشهادة أصحاب الدار هى الأكثر مبيعا فى معرض كتاب القاهرة الدولى فى دورته. 


7- رواية "نويتا"بوريس بوليفوى:
 
دار نبتة، أسست حديثا واستطاعت الفوز بجائزة النشر التشجيعية لعام 2017 لما قدمته من أعمال متميزة فى العام الماضى.

بسؤال أصحاب الدار عن الرواية التى حازت على الأكثر مبيعا فى خلال معرض الكتاب لهذا العام، كان الرد بأنها رواية روسية بعنوان (آنيوتا) للأديب السوفيتيى  بوريس بوليفوى (1908-1981)، الذى ينتمى إلى زمن الحرب واستطاع بقلمه أن يعبر عن دمار الحروب وسقوط الدول تحت طائلة الاحتلال والقصف ودوى القنابل، كما استطاع أن يكتب بحرفية العاشق أيضا عن البشر فى الحروب وعن الأزمات الإنسانية التى جابهها ضحايا الحروب.

آنيوتا، هى تلك الفتاة التى كانت تراود أحلام النقيب ميتشيتنى أيام الحرب، والتى أنقذته من الموت، وفعلت من أجله الكثير، فتولدت بينهما قصة حُب جارفة، لكنها اختفت فجأة، وبعدما يئس ميتشتنى من البحث عنها بعد الحرب بسبب دراسته وعمله، فإذا به يسمع اسمها صدفة فى المذياع فى فقرة نشرة الأخبار، حينها يسترجع ذكريات حبه القديم ويقرر أن يبحث عنها.