منال لاشين تكتب: مكاسب وخسائر لعبة الفائدة

مقالات الرأي



المالية تحصد 155 مليار جنيه خفضا فى الدين العام

كبار المقترضين وعلى رأسهم أحمد عز استفادوا من خصم الـ1%

خدعة الصناعة والتصدير والسياحة


أخيرا استجاب البنك المركزى لدعوات المستثمرين وصندوق النقد والخبراء..أخيرا أجرى تخفيضا لسعر الفائدة أشبه بالإعلان.. مجرد 1% خفضا فى سعر الفائدة..إعلان أن عصر المودعين ولى..وحل عهد المستثمرين ورجال الأعمال.. ولا عزاء لـ10 ملايين أسرة تمثل ودائعها السند الرئيسى لكل مشروعات مصر سواء حكومة أو أهالى.. قطاع عام أو قطاع خاص.


1- أوهام التعويم

منذ أن اتخذ قرار تعويم الجنيه والحكومة تقدم حزمة من الأوهام. أوهام بأن التصدير سيتضاعف والسياحة هتغرق البلد من كثرتها. والاستثمار سيهطل على مصر كالمطر. ولكن وبعد مرور أكثر من عام لم يتحقق أى من هذه الأوهام، والزيادة فى كل من التصدير والسياحة والاستثمار ضئيلة جدا، ولا تبرر الثمن الصعب والرهيب الذى دفعه المصريون من جراء التعويم. وأكد لنا الصناع والمصدرون وأهل السياحة أن التعويم وحده لا يكفى لدفع فروع الاقتصاد للأمام. واكتشفنا أن التعويم ليس حلا سحريا لكل مشاكل الاقتصاد.وظلت شكوى رجال الأعمال من بطء الإجراءات الحكومية من ناحية، وارتفاع أسعار الفائدة من ناحية أخرى.

ففى نفس يوم التعويم ارتفع سعر الفائدة على القروض. وأصدرت البنوك العامة شهادة بعائد 20% لمدة عام ونصف العام. وكانت هذه الشهادات تساعد الملايين من المصريين على مواجهة غول ارتفاع الأسعار والتضخم. وكان الإقبال على هذه الشهادات هائلا. فقد بلغ حجم الشهادات فى البنك الأهلى فقط 400 مليار جنيه. وإجمالى الشهادات فى كل البنوك العامة 745 مليار جنيه. ولكن رفع سعر الفائدة كان جاذبا للأجانب للاستثمار فى أدوات الدين أى أذون وسندات الخزانة. وذلك نظرا لارتفاع الفائدة من ناحية، وانخفاض سعر الجنيه فى مواجهة الدولار من ناحية أخرى. وهذه المليارات من الدولارات تعتمد عليها الحكومة فى تدبير احتياجاتها وفى رفع قيمة الاحتياطى النقدى.

وهكذا وجد محافظ البنك المركزى طارق عامر نفسه بين رحى الأزمة. فإذا أراد أن ينقذ الاستثمار والصناعة فعليه أن يخفض سعر الفائدة، وإذا قام بالتخفيض سيفقد الأجانب واستثماراتهم فى أذون وسندات الخزانة.


2- حل وهمى

فى إطار هذه المعادلة الصعبة على المحافظ كان قرار خفض سعر الفائدة بنسبة 1%. يمثل حلا وهميا مثل أوهام فوائد التعويم. فالمستثمرون من سياحة وتصدير وصناعة لم يستفيدوا من الخفض البسيط فى دفع أعمالهم. والمستفيد الأكبر هى الشركات الكبيرة جدا فى الحجم والمديونية الضخمة. وهذه الشركات لا يزيد عددها عن عشر شركات على رأسها شركات امبراطور الحديد أحمد عز. بينما لم يستفد صغار المستثمرين والمشروعات المتوسطة من قرار الخفض حيث لا يزال سعر الفائدة مرتفعا وهو ما يؤثر على قرار الاقتراض من أجل إنشاء مشروعات جديدة أو توسعات مشروعات قائمة.

ولكن على الجانب الآخر فإن المواطن خسر عائد 3% مرة واحدة على الشهادات وهو رقم مؤثر على المواطن الذى لايزال يواجه ارتفاعا فى الأسعار حتى لو تعللت الحكومة أو المركزى بأن سعر الفائدة لا يزال أعلى من سعر التضخم. لأن رقم التضخم لا يزال مرتفعا. والأسعار ترتفع دون رقيب.


3- انتصار زائف

بحسب التوقعات فإن هذا الخفض هو مجرد إعلان كما قلت عن التخلى عن المواطنين من أصحاب الشهادات.لأن التوقعات أن ثمة خفضا متتاليا فى سعر الفائدة. بحيث يصل التخفيض إلى 5% على نهاية العام. ويؤدى خفض 1% من سعر الفائدة إلى تخفيض الدين العام من أذون وسندات الخزانة 31 مليار جنيه. وبذلك يؤدى خفض الفائدة بنسبة 5% إلى توفير أو خفض الدين العام 155 مليار دولار.وهذا الخفض يمثل انتصارا زائفا للمالية والحكومة. لأنه لم يأت من خلال ترشيد الإنفاق أو زيادة الإيرادات، ولكنه أتى من خلال اللعب بسعر الفائدة.وبقرار من البنك المركزى.

ولكن هذا الانتصار الزائف مهدد بقوة. ففى حال ارتفاع سعر الدولار سنعود لنفس الدائرة الجهنمية.. ارتفاع الدين. ويعلم كل اقتصادى أو حتى طالب فى كلية التجارة أو الاقتصاد الحقيقة التالية.إذا لم تزد الصادرات بنسب مرتفعة وتزيد أعداد السياح إلى ما قبل 2010. فنحن أمام احتمال مرتفع لزيادة سعر الدولار مرة أخرى. وإذا لم تهتم الدولة بحل مشكلات المصانع المتعثرة. وإطلاق مشروعات صناعية جديدة.وإذا ظل الاعتماد فقط على مشروعات العقارات والبنية التحتية. إذا استمر هذا الوضع الكارثى فى الاقتصاد الحقيقى فإن مصر لم ولن تحصد مزايا التعويم. خاصة أن خفض الفائدة القادم سيعجل بخروج الأجانب من سوق السندات وأذون الخزانة المصرية.وبذلك سيفقد البنك المركزى الدولارات التى يحصدها من استثمارات الأجانب فى سوق أدوات الدين. وهذا الفقد سيظهر فى الاحتياطى النقدى الذى يتباهى به محافظ البنك المركزى والحكومة معا.

ولكن كل ذلك لا يعنى أنه لا يوجد حلول أو بالأحرى انتصارات حقيقية. فالحل فى الاهتمام بالاقتصاد الحقيقى.وإزالة المعوقات أمام التصدير والصناعة والسياحة. فبدون أن تتحرك هذه القطاعات بقوة، فإن أى تغيير فى سعر الفائدة لم يغير سوى وضع البورصة التى حصدت حتى الآن مكاسب خفض سعر الفائدة. وحتى انتصارات المالية من خفض سعر الفائدة ستتحول إلى كوابيس. الحل واحد ووحيد وسهل. اهتموا بالاقتصاد الحقيقى ساعدوا الصناع وأهل السياحة والمصدرين بحق وحقيقى..مش بالكلام أو المهرجانات والمؤتمرات.