منال لاشين تكتب: الحكومة تفتح مزاد البيع

مقالات الرأي



"التخطيط" تطرح أسهم بنك الاستثمار فى 70 شركة بالبورصة

"البترول" تجهز "إنبى" و8 شركات أخرى لبيع 25٪ من أسهمها

وزير قطاع الأعمال يعرض 17 شركة.. وخطوط "سكك حديد" بمشاركة رجال أعمال برعاية "النقل"


أحب لعبة البازل حتى الآن، ولم أشف من عشقها عندما كبرت، لم تفقد حماستى لها وفرحى عندما تكتمل الصورة الكاملة وتصنع حقيقة من بعض الأجزاء الغامضة، وفى الحياة هناك عشرات بل مئات الألعاب السياسية والاقتصادية على غرار لعبة البازل، ربما كانت «البازل» مقصودة فى حالات أو جاءت مصادفة مجرد مصادفة أن تجمع الأجزاء المتناثرة فتظهر أمامك الصورة الكاملة.

ولكن فى حالتنا أو فى هذا الملف أظن وليس كل الظن إثمًا إن اللعبة مقصودة ومتفق عليها، وأن الحكومة تتذاكى علينا، فتظهر كل فترة قطعة من أجزاء اللعبة. ربما لديها ثقة أننا لم نستطع فى زحمة الحياة وقسوتها أن نجد الوقت أو المزاج لتجميع الأجزاء الصغيرة فنرى الصورة الكاملة.

وهذه الصورة تؤكد أن الحكومة فتحت المزاد.. مزاد البيع بكل مستويات البيع وأشكاله وأنواعه. أن البيع أو الخصخصة كلمة يكرهها المصريون، الخصخصة كلمة سيئة السمعة، ولذلك لا نجد كلمة خصخصة ولا خطة للخصخصة.إنما مجرد تصريح هنا وإجراء هناك، ودون كلمة خصخصة.. هناك كلمات أخرى، تخلص من الأصول..مشاركة القطاع الآخر. ضخ الدماء فى شرايين البورصة، تطوير القطاع العام..تحديث القطاع.. ستجد كل الكلمات إلا كلمة التعبير العلمى الصحيح..«الخصخصة» وعندما تجمع الأجزاء المتناثر الصغيرة فى إجراءات الحكومة وتظهر الصورة الكاملة ستجد برنامج خصخصة جريئًا ومخيفًا ويمثل علامات استفهام تحتاج إلى إجابات عن المشترى والثمن والطريقة والمستفيد.


1- قطار خاص جدًا

آخر إبداعات الخصخصة هو القانون الذى مررته الأغلبية فى البرلمان الخاص بالسكك الحديدية، وتم الترويج له بوصفه قانونًا لتحديث القطاع، والمثير أن القانون ينص صراحة على مشاركة القطاع الخاص فى السكة الحديد ولأول مرة، ولكن رئيس البرلمان الدكتور على عبد العال قال أثناء تمرير القانون إن القانون لا علاقة له بالخصخصة، وتبعه تصريحات لعدة مسئولين بنفس المعنى، ولكن كل هذه التصريحات تتجاهل تعريف الخصخصة، فتعريف الخصخصة فى الكتب العلمية والأسواق العالمية هى أى نوع من أنواع مشاركة القطاع الخاص للأصول العامة، ولذلك فقانون السكك الحديدية هو بداية مؤلم ومخيف للخصخصة فى مجال استراتيجى مثل السكك الحديدية، وحتى قبل إقرار القانون كانت هناك خطط فى وزارة النقل عن مشاركة رجال الأعمال فى السكة الحديد. من بين الخطط ترك خط سكة حديد جديد يصل لمدينة 6 أكتوبر للقطاع الخاص بشكل كامل، ومن الأفكار المطروحة أيضا أن تتحمل الحكومة خطوط الفقراء ودرجاتهم، وتترك للقطاع الخاص تطوير الدرجات الفاخرة والقطارات الفاخرة، وذلك لجذب رجال الأعمال للاستثمار فى الجانب الفاخر والمربح فى السكك الحديدية. لأن التعامل مع مشكلات الدرجة الثالثة سيكون صعبا وغير مجزٍ لرجال الأعمال.

من المشروعات التى ستشهد خصخصة فى قطاع السكة الحديد المشروعات الخاصة باستغلال ثروات وممتلكات الهيئة من أراض على جانبى الطريق إلى تحديث منظومة التخزين واستغلال المخازن.

وحتى الآن لم تكشف الحكومة عن كل خططها لخصخصة هذا القطاع الحيوى والاستراتيجى، ولكن تبرع بعض كبار رجال الأعمال بالهمس فى الجلسات الخاصة جدا ببعض من هذه المعلومات. إنما خطة الخصخصة فى السكك الحديد لم تتضح بعض، والمثير أن الحكومة المربحة لخصخصة السكة الحديد لا تظهر نفس الحماسة فى خصخصة الطرق، وتقبض على بناء الطرق بيد من حديد. ربما لأن الطرق مشروع مربح والرسوم يمكن رفعها وتحقيق أرباح. إنما السكك الحديدية فخسائرها كبيرة وتمثل همًا على ظهر الحكومة، ولذلك تسعى الحكومة للتخلص من الهم، ونقله إلى رجال أعمال محددين بالاسم وينتظرون بفارغ الصبر.


2- بنك الاستثمار فى المزاد

فى جهة أخرى ووزارة أخرى نوع آخر من أنواع الخصخصة. قطعة أخرى من قطع لعبة البازل بدونها لم نر أبدا الصورة الكاملة، فقد أعلن بنك الاستثمار القومى عن نيته فى التخارج من كل شركات قطاع الأعمال وشركات قطاع خاص التى يساهم فيها بحصص ومشاركات، وتبلغ عدد هذه الشركات التى يساهم فيها بنك الاستثمار القومى نحو 70 شركة على أقل تقدير، والجملة السابقة الفاخرة تعنى بيع أو خصخصة كل أسهم بنك الاستثمار القومى فى هذه الشركات، وتدخل أو شراكة بنك الاستثمار القومى فى هذه الشركات لها أصل اقتصادى، فعدد كبير من أشهر الشركات تكون من خلال شراكة بنك الاستثمار القومى مع بنوك وشركات أخرى، ولعل أبرز وأهم مثال لهذه الشركات، شركة الدخيلة للحديد، فقد أسست هذه الشركة التى استولى عليها أحمد عز من مساهمات صغيرة لبنك الاستثمار القومى وشركات تأمين وبنوك، وأحد الطرق التى سهلت لأحمد عز الاستيلاء على شركة الدخيلة هى بيع بنك الاستثمار القومى لعز مساهمته أو أسهمه فى شركة الدخيلة، وسبقته بنوك عامة وشركات تأمين، فالطريقة التى استولى بها إمبراطور الحديد أحمد عز على شركة الدخيلة بدأت ببيع مساهمات صغيرة فى الشركة لعز، وبذلك تغلب عز على المال العام فى شركة الدخيلة وتصرف فيها كما يشاء.

ولذلك فإن بيع أسهم بنك الاستثمار القومى فى كل الشركات التى يساهم فيها خطوة ليست بسيطة أو قليلة وبإمكان هذه الخطوة أن تمهد لرجال الأعمال فى الاستيلاء على شركات مهمة للاقتصاد الوطنى، ومن المثير أن الإعلان عن هذه الخطوة الخطيرة لم تجد صدى فى البرلمان ولا لجانه الاقتصادية أو المالية أو الصناعية، ومن المثير ألا تنشر وزارة التخطيط قائمة بالشركات التى ينوى بنك الاستثمار القومى بيع حصته فيها، وإلا تؤكد الحكومة أن يكون البيع فى البورصة وليس لمستثمر رئيسى حتى نضمن ألا يؤدى البيع إلى تغير فى خريطة المنافسة، أو بالأحرى تساعد فى تكوين احتكارات جديدة وأن نعرف الثمن الذى سيعود على الدولة من طرح بنك الاستثمار القومى لأسهمه فى الشركات، وبشكل خاص المساهمات المؤثرة والتى تزيد على 25%، فهذه المساهمات ممكن أن تغير شكل الملكية فى الشركة وتؤدى إلى مزيد من الاحتكارات، وذلك فى سوق تموت فى المنافسة وتختنق بفعل الاحتكارات.


3- عودة وزارة الخصخصة

رحل وزير الاستثمار الدكتور أشرف الشرقاوى عن وزارة قطاع الأعمال، وجاء خالد بدوى، ورحيل الشرقاوى كان لأسباب صحية، ولاشك أن المرض قد منع الشرقاوى من العمل بحماس وسرعة، وقد أدى ذلك السبب الإلهى إلى تعطيل خطة الحكومة فى بيع عدد من شركات قطاع الأعمال أو بالأدق بيع حصص من هذه الشركات تتراوح ما بين 25 و40%، ولكن بوصول خالد بدوى إلى الوزارة نشطت خطة البيع والتجديد من أجل البيع وليس من أجل تعظيم الاستفادة من هذه الشركات، وقد أعلن الوزير بوضوح عن الإسراع فى تجهيز نحو 17 شركة دفعه أولى للطرح، ومن الاخبار السارة فى هذا المجال أن الوزير الجديد تراجع عن طرح حصة من شركة الحديد والصلب للخصخصة. مكتفيا بطرح أسهم شركات أخرى، ولكن الوزير يؤكد بحماسة عودة وزارة الخصخصة، فقد كانت وزارة قطاع الأعمال قبل ثورة 25 يناير وزارة للبيع، وبخلت الحكومات المتعاقبة على الشركات والمصانع بالتطوير، وذلك باعتبارها وزارة بيع، ولكن عدم الإنفاق على الشركات أصابها بالهزال، فلم تعد صالحة لجذب مشترين، وخرجت من سوق الخصخصة، ولذلك بدأت الحكومة مؤخرا فى الإنفاق على بعض الشركات تمهيدا لبيعها، فأصبح التطوير لصالح البيع. مرة ثانية ومائة يجب أن يتم الإعلان بمنتهى الشفافية والوضوح عن أسماء الشركات المعدة للبيع أو الطرح فى البورصة والتأكيد على عدم البيع باسم المشاركة لمستثمر رئيسى حتى لا نكرر التجارب المريرة والفاسدة للخصخصة، وحتى لا يذهب خير هذه الشركات لحفنة لرجال الأعمال، بدلا من أن يتمتع بخيرها وربحها كل المصريين وبصورة عادلة.


4- أول الطريق

وكان طريق الخصخصة قد بدأ العام قبل الماضى عندما أعلن فى بيان رئاسى بدء طرح بنوك وشركات للطرح فى البورصة، فقد بدأ الطريق بالتضحية بحصة من بنوك عامة مثل بنك القاهرة، والذى لا يزال تحت إجراءات الطرح والحكومة تقدم رجلاً والبنك المركزى يؤخر الأخرى، ويشمل بيع البنوك كما نشرنا من قبل أسهم المركزى فى كل من بنك العربى الإفريقى والبالغة نصف الأسهم، وكامل أسهم المركزى فى البنك المتحد، وفكرة البيع لم تتراجع أو تختف ولا تزال قطع البازل الصغيرة عن بيع البنوك موجودة، ولكن تجربة بنك باركليز فى مصر أثرت على حماس المسئولين عن البيع، لأن عدد المشترين والمستثمرين الراغبين فى شراء باركليز مصر لم يكن بالعدد المتوقع، ولذلك يرى بعض المسئولين أن بيع البنوك يتطلب مناخا استثماريا أفضل حتى يأتى بالثمن الجيد للصفقة، ولم يصل قطاع الخصخصة لبنكى الأهلى ومصر اللذين خرجا من ملف الخصخصة، ولكن الحكومة قد تواصل التخلى عن حصتها فى بنك القاهرة.لأن هناك قناعة بالاكتفاء ببنكين فقط دون خصخصة وهما الأهلى ومصر، وكان بنك الإسكندرية قد بيع فى عهد مبارك.

من قطع البازل الصغيرة فى قطاع البنوك مساهمات وزارة المالية فى بعض البنوك الخاصة الأخرى والتى يمكن بيعها أو خصخصتها دون إعلان كبير، ودون ضجة كبيرة أيضا.

ومن البنوك للبترول قطع بازل صغيرة أخرى ممكن أن تجمع فى صورة كاملة وخطيرة، فهناك تفكير فى طرح حصة من شركة إنبى، وطرح أسهم شركات أخرى تبلغ نحو ثمانى شركات، وهى أيضا من أول قطع البازل التى أعلنت عنها الحكومة ثم تلتها قطع بازل أخرى متعددة، قطع صغيرة غامضة لا تثير الغضب، ولكن لو تم تجميع كل قطع البازل وظهرت الصورة الكاملة على حقيقتها لوجدنا أننا أمام مزاد للبيع فى أكثر من دكان من دكاكين الحكومة. هذه الصورة يجب أن يتم الإعلان عنها كاملة بشكل خطة لها بداية ونهاية وغير قابلة للزيادة المفاجئة أو غير المعلنة وبطرق بيع عادلة مثل الطرح فى البورصة، وبشفافية ودون ضحك على الذقون على الحكومة أن تعلن ببساطة أنها فتحت مزاد الخصخصة.