لماذا لم يتزوج الرسول فى حياة خديجة؟ وهل منع زواج علىّ إرضاءً لابنته؟

العدد الأسبوعي



لم ينعزل النبى محمد عن الناس، فكان بينهم ومعهم دون حاجز أو حجاب، متداخلاً مع تفاصيل مجتمعه، مُلماً بمشاكله، محاطاً من الجميع بالمحبة، فهو الرسول الصادق الناصح الأمين على أهله وقومه وكل من طرق بابه قاصداً السؤال.


لأنه لا قدسية على حياة النبى الكريم الذى عاش بين الناس دون حواجز.. "الفجر" سألت:

لماذا لم يتزوج الرسول فى حياة خديجة؟ وهل منع زواج علىّ إرضاءً لابنته؟

ورجل دين يرد: «إحنا هنحاكمه؟»


آمنة نصير: أشفق الرسول كأب على ابنته فاطمة من وجود ضرة لها.. وخديجة كانت الزوجة والصديقة والسند


من هنا، لا يجوز إضفاء أى قدسية على كل ما يخص النبى، أو تجاوزه وعدم التطرق إليه استناداً إلى قناعات خاطئة عن حرمة تناول الحياة الشخصية للرسول أو التعرض لزوجاته، فالتناول هدفه البحث والمعرفة والتعلم، وليس الإثارة أو اختلاق وقائع كاذبة دون أسانيد.. وهناك وقائع عديدة لا تزال محل جدل وخلاف تخص حياة الرسول داخل منزله وبين أسرته، منها على سبيل المثال، رفضه زواج على بن أبى طالب زوج ابنته فاطمة، من امرأة أخرى، وقيل إنها ابنة أبى جهل، فهناك علماء دين يؤيدون صحة تلك الحادثة، وآخرون يعتبرونها مُختلقة من الأساس، ويشككون فى حدوثها.

الواقعة الأخرى مشابهة لحالة سيدنا على، لكنها تخص النبى محمد ذاته، وعن أسباب عدم زواجه بأخرى فى حياة زوجته الأولى خديجة بنت خويلد، وهل كان اتفاقا بينهما على ذلك، علماً بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تزوج بأكثر من امرأة بعد وفاة السيدة خديجة.. واقعتان واردتان فى عشرات الكتب، وتناولهما ليس بدعة، وطرح سؤال حول مدى صحتهما ليس عيباً، فهناك من الآراء الواردة على لسان علماء الدين، رداً على سؤال «الفجر»، ما يشرح ويحاول تقديم مبررات منطقية، وهناك من رفض الفكرة من أساسها، وقال بغضب: «هو احنا هنحاكم النبى؟».

تقول د. آمنة نُصير، أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، إن الرسول اعترض تحديداً على زواج على بن أبى طالب من ابنة أبى جهل، وكان لانتمائها إلى أسرة معادية للإسلام، مشيرة إلى أن فاطمة بنت الرسول رفضت أن تعيش فى دار واحدة مع ابنة أبى جهل.

تضيف: «كان عليا ينوى الزواج من بنت أبى جهل، والزوجة تنتمى لبيت عدو الله، وحال دون حدوث الزيجة رفض السيدة فاطمة لزواج على، ولا شك أن عاطفة الأبوة أيضاً كانت وراء رفض النبى أن تعيش ابنته مع أخرى، وهنا غلب الجانب البشرى على الموقف، فالرسول يعلم عدم قدرة ابنته فاطمة على تحمل الحياة مع ضرة، وأمام هذا الضعف أشفق عليها بأبوته، خاصة أن الخطيبة كانت بنت عدو الله ورسوله».

وفيما يتعلق بعدم زواج الرسول من أخرى فى حياة زوجته خديجة، تقول أمنة: «وجد النبى السند والصديقة فى زوجته خديجة، فهى من ناصرت وحمت الدعوة إلى الإسلام عند نشأتها، ومثلت جزءاً مهما فى حياته، لم يتسن لزوجاته اللاتى جئن بعدها أن يشهدن أمراً مشابهاً».

واستطردت: «زواج الرسول كان بمثابة بيت إيواء وليس زواجاً بالمعنى الذى يتناوله الغربيون والمستشرقون، فلكل زوجة ظرف خاص، وقد وجدت الزوجة التى تلت السيدة خديجة، الإيواء فى بيت الرسول، وهو ما كانت تحلم به أى سيدة وقتها، وصاحب كل زوجة من زوجاته ظرفاً مختلفاً، وكان بيته بمثابة بيت إيواء لهن».

من ناحيته، يؤكد شوقى عبد اللطيف، نائب وزير الأوقاف الأسبق، حق المرأة شرعاً فى اشتراط عدم إقدام زوجها على الزواج بأخرى، طالما وجد اتفاق بين الطرفين على ذلك.. وفى المقابل، نفى شوقى واقعة خطبة على بن أبى طالب لابنة أبى جهل، أو رفض الرسول لزواجه منها، وقال: «هل هناك أفضل من السيدة فاطمة كى يتزوج عليها؟. هذه الرواية غير صحيحة وما قيل عنها غير دقيق».

وأشار إلى أن الرسول لم يتزوج بأخرى فى وجود السيدة خديجة لأنه وجد فيها السند المعنوى والمادى، وكان فى حالة استقرار نفسى ما يجعل مسألة تعدد الزوجات غير واردة، وتابع: «كل زيجات النبى كانت لأسباب مختلفة، ولحكمة لا يعلمها سوى الله سبحانه، ولم تكن لغرض الشهوة أو بهدف الزواج فحسب، والزواج كان بأمر من السماء وله حكمة».

ومن جانبه، أبدى د. أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، شبه استنكار عن السؤال المطروح، متسائلاً هو أيضاً عما يهم القارئ فى وقائع زواج النبى من عدمه، وقال: «هو احنا هنحاكم النبى»؟. ورفض الإجابة أى سؤال يتعلق بهذا الأمر، قائلاً بغضب: «هذا الموضوع به رائحة غير طيبة».

فى رأى الدكتور سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن أسباب عدم زواج النبى فى حياة السيدة خديجة لا يعلمها أحد، وكل ما سيق حولها لا يعدو كونه مجرد رأى وتحليل، فلم يرد أى نص يوضح ذلك، وما يثار هى محاولات لـ»تحليل» الموقف ولا تستند إلى معلومات واضحة، مطالباً الجميع بضرورة التفريق بين المعلومة والتحليل.

وعن الواقعة الثانية الخاصة بسيدنا على، يقول الهلالي: «الإجابة موجودة فى صحيح البخارى، فسيدنا على قد خطب ابنة أبى جهل، ثم استأذن النبى فى إتمام الزواج، فقال له الرسول حينها: (كيف تجتمع ابنتى مع بنت عدو الله)؟.. وهذه الرواية مذكورة فى أحد الأحاديث النبوية.

وأضاف الهلالي: «النص فيما معناه أن بنى هشام أخبروا النبى بأن عليا سيخطب ابنة أبى جهل، فقال الرسول (لا تجتمع ابنتى مع بنت عدو الله)، وهذا معنى النص الوارد، ولكن تحليله وتأويله يرجع لمزاج من تصدى للتأويل».